الخبير في تكنولوجيا المعلومات يزيد أقدال: هذه تفاصيل مشروع الدينار الرقمي في الجزائر والفرق بينه وبين العملات المشفرة

الخبير في تقنيات الحاسب المهندس يزيد أقدال
الخبير الجزائري في تكنولوجيا المعلومات يزيد أقدال (الجزيرة)

يرى الخبير الجزائري في تكنولوجيا المعلومات يزيد أقدال أن الإسراع في اعتماد تقنيات الرقمنة سيؤدي إلى الدفع بعجلة الاقتصاد نحو الأمام، وسيسهم بشكل فعال في محاربة الفساد، كما تحدث عن مشروع الدينار الرقمي وكيف ستستفيد منه الجزائر.

وأكد أقدال -في حوار للجزيرة نت- أن منصات الذكاء الاصطناعي تمثل عهدا رقميا جديدا يقود إلى ثورة ستغير وتؤثر في حياة البشر، كما فعل ظهور الإنترنت من قبل.

  • كثر الحديث في الجزائر عن "الرقمنة" و"اقتصاد الرقمنة" و"الشركات الناشئة"، واستحدثت وزارة خاصة بهذا الأمر (وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة)، كيف يمكن للجزائر أن تحوّل هذا القطاع إلى فعالية اقتصادية؟

يعد الأمر في المجمل جيدا لأنه أخرج هذا القطاع من الظل والهامش، وأدى إلى استحداث قوانين من طرف الوزارة والإجراءات مثل قضية العلامات كعلامة "الشركة الناشئة" وعلامة "مشروع مبتكر" وما يتعلق بذلك من الامتيازات الضريبية التي تتماشى معها، وما يرتبط بذلك كالتمويل أيضا، مثل استحداث الصندوق الجزائري للشركات الناشئة لتمويلها، وإنشاء مسرعة حكومية اسمها "ألجيري فانتور" (Algerie Ventor)، وهذا جعل هذه الشركات كما قلت تخرج من الظل إلى النور، وتعمل وفق قانون أكثر تناسبا مع القانون الذي كان ينظر للشركات الناشئة على أنها شركات عادية ينطبق عليها ما ينطبق على أي شركة أخرى.

رغم هذه الإجراءات الجيدة التي تُثمَّن وتُشجَّع، فإنه من الصعب الحديث عن فعالية اقتصادية كبيرة في السنوات الأولى، لأن هذا القطاع مرتبط أيضا بالمنظومة المالية والاقتصادية والتشريعية وحاجة المؤسسات لهذا النوع من الشركات.

علينا الانتظار حوالي 3 إلى 4 سنوات كي نرى كيفية تطور هذه الشركات الناشئة وتأقلمها مع التحديات وتعاملها مع المعطيات المتاحة، وسنرى ما تقدمه من منتجات موجهة للسوق الأجنبية أو تتوسع خارج البلاد.

لكن المؤكد أن بعض الآمال التي رفعت وبعض الشعارات التي أطلقت بأننا في اقتصاد المعرفة واقتصاد بديل للمحروقات هي شعارات بديلة عن الواقع، ومن الصعب تحقيقها في مدة زمنية قصيرة.

الجزائر تفتح أول جامعة عربية وأفريقية متخصصة في الذكاء الاصطناعي (الجزيرة)
  • ربما يبدو مصطلح "الشركات الناشئة" غامضا أو ملتبسا لدى كثيرين، فما المقصود به؟ وما الفرق بين "الشركة الناشئة" وبين مختلف الشركات العادية؟

يرتبط الأمر بالترجمة العربية لشركة Starup التي تحيل إلى شركة ناشئة، إذ إن كلمة "ناشئة" تحيل إلى شركة صغيرة أو شركة في إطار الإنشاء، يعني مصغرة، وهذا دفع الناس إلى لُبس المفاهيم وعدم التفريق بين المؤسسة الصغيرة أو المصغرة التي تندرج ضمن إطار المشاريع الكلاسيكية. قضية الترجمة لعبت دورا في هذا اللبس، لاسيما وأن المصطلح جديد في ثقافتنا.

في عالم الشركات الناشئة، يكون مجال النشاط ابتكاريا، وهذا يعني مجالا جديدا كلية، أو أن الابتكار يكون ضمن الاشتغال على مجال موجود أصلا، ولكن بلمسة تقنية كاستخدام تطبيق أو منصة تقنية تسهل وصول الخدمة إلى عدد كبير من الناس، وهذا ما يجعل هذا النوع من المشاريع ينمو بشكل سريع في حال نجاحه، كما أنه يحقق أرباحا كبيرة دون ارتباط ذلك ضرورة بارتفاع تكاليف التشغيل، ولهذا نسمع عن أرباح كبيرة للشركات الناشئة في حال نجاحها.

كما أن الشركات الناشئة تتميز بارتفاع درجة المخاطرة الاقتصادية، لأن من ينشئ هذه الشركات أو من يمولها لا يعلم كيف سيكون مستقبلها وكيف يستقبلها الجمهور وهل ستحظى بالقبول أم لا. ولهذا لا يستقطب هذا النوع من الشركات رأس المال الكلاسيكي الذي يدرس المخاطر بشدة ولا يقدم على التمويل إلا إذا ضمن الأرباح. ولهذا النوع من الاستثمارات صناديق خاصة تستثمر في عدة مشاريع رغم درجة المخاطرة العالية التي قد تصل إلى 85% في محيط اقتصادي جيد، والاستثمار في مشاريع عديدة هو ما يجعل العائد مُجديا في حال نجاح مشروع يمكن أن يعوّض الخسائر التي نجمت عن مشاريع أخرى كثيرة.

  • ما العوائق التي تؤثر سلبا على حركية المنظومة الرقمية وتحول دون تطورها لتصبح إحدى ركائز البلاد الاقتصادية؟

هناك عدة عوامل منها عدم وجود رؤية كلية لرقمنة جميع المصالح الحكومية أو المصالح الاقتصادية، إذ إن كل قطاع يشتغل لوحده، وهذا مشكل لأن القطاعات مترابطة ومتشابكة وبالتالي تحتاج الأنظمة المرقمنة إلى التواصل بينها.

هناك أيضا مشكلة العنصر البشري، فالعمل على آليات رقمنة عالية يستلزم وجود كفاءات بشرية عالية يمكنها تسهيل إدارة المشاريع وتتحكم بالجانب التقني وحماية المعلومات، لكن القطاع الحكومي غالبا قطاع طارد للكفاءات بحكم مستوى الرواتب وغياب التحفيز.

هناك أيضا مقاومة من داخل القطاعات نفسها، فغياب الرقمنة يشجع المحسوبية والفساد، ومجموعة من الناس تستفيد من بقاء الوضع على حاله وتعرقل الاتجاه نحو الرقمنة.

هناك مشكل آخر يتمثل في غياب المتابعة والتقييم بعد إطلاق مشاريع تتعلق بالمنظومة الرقمية، فمثلا تتاح للناس إمكانية استخراج شهادات الحالة المدنية عبر منصة رقمية، لكن لا تتابع الجهات المختصة هذا العمل بالتقييم لتعرف ما يمكن تطويره وما ينبغي تجنبه وما ينشأ عن ذلك من تعقيدات ومشاكل.

  • تم استحداث لوائح وتشريعات تتعلق بما يُسمى "المقاول الذاتي"  أو "الفريلانسر"، الذي يشتغل بشكل حر ولا ينتظم في مؤسسة بعينها.. ما تقييمك لها؟ وما الأشياء التي لا تزال تحتاج إلى تعديل وتصحيح؟

قانون المقاول الذاتي من بين الأمور التي اشتغلت عليها وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة في الجزائر، ويعتبر جوابا على مشكلة عويصة كان يعاني منها الشباب المحترفون في ميادين عدة مثل التصاميم الفنية والبرمجيات وغيرها، لأنهم في غياب الإطار القانوني لم يكن بإمكانهم من قبل إصدار فواتير بخدماتهم لأنهم لا يملكون مؤسسات كانت هي المخولة وحدها بإصدار فواتير، وهذا كان يجعل تعاقد الشركات المحلية والأجنبية معهم صعبا، لأن هذه الشركات تحتاج إلى فواتير الخدمات التي تدفع مقابلها حتى تضبط أعباءها المالية.

المشكلة الأخرى تتعلق بتلقي المال من المؤسسات الأجنبية التي يقدم لها هذا الشاب المحترف خدماته، إذ يحتاج ذلك إلى مبرر مهني، فجاء قانون "المقاول الذاتي" ليسهل هذه الإجراءات ويرفع هذه الإشكالات، وهذه التسهيلات ستؤدي إلى تزايد الإقبال على عرض الشباب لخبراتهم وإمكاناتهم التقنية والفنية على الشركات المحلية والأجنبية، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على عدة نواح.

  • بدأ الحديث في دوائر رسمية مؤخرا عن استحداث "الدينار الرقمي"، غير أن البعض خلط بينه وبين العملات المشفّرة مثل "بيتكوين" أو "إيثيريوم". ما المقصود أولا بالدينار الرقمي؟ وما الفرق بينه وبين العملات المشفرة؟ وما الذي يمكن أن يقدمه الدينار الرقمي من قيمة مضافة؟ وكيف يمكن الاستفادة منه؟

العملات الرقمية الرسمية أمر موجود في عدد من البلدان، والدينار الرقمي مشروع مماثل في الجزائر، فمع توسع استخدام العملات المشفرة مثل البيتكوين سعت البنوك المركزية إلى مواجهة هذا الاتجاه، حيث إن العملات المشفرة غير مرتبطة بالبنوك المركزية أو الدول، وبالتالي لا تخضع للمراقبة أو التحكم.

كما أن مسار الرقمنة يقتضي تقديم تسهيلات للدفع الإلكتروني وحركة الأموال، لاسيما وأن الأجيال الجديدة تجد نفسها أكثر انخراطا في هذه المنظومة، ولهذا تسهم العملات الرقمية التي تتبناها الدول وتشرف عليها البنوك المركزية، في مراقبة حركة رؤوس الأموال، لكن هذه المشاريع غالبا لا تزال في طور الدراسة أو التجريب.

تقدر السلطات حجم السيولة المتداولة بنكيا بـ1500 مليار دينار جزائري (11.11 مليار دولار) وفق آخر إحصاء (الجزيرة نت)
الدينار الرقمي مشروع سيسهم في دفع عجلة التجارة الإلكترونية (الجزيرة)

والفرق بين الدينار الرقمي والدينار العادي أن الرقمي ليس لديه كتلة مالية بخلاف العملة العادية، لكن العملة الرقمية تملك القوة القانونية أو الكتلة النقدية نفسها، وهو ما يمكّن البنك من تتبع حركتها.

وسيسهم الدينار الرقمي في التخلي تدريجيا عن التعامل بالنقد يدا بيد، لكن يتطلب الأمر بنية تحتية تقنية وتشريعية لضبط التعامل به وتأمين المعاملات التي تتم باستخدامه.

  • لكن هذا يقودنا للحديث عن واقع الدفع الإلكتروني بالجزائر، وهو مجال ما زال الكثيرون يرفضون التعامل من خلاله، فكيف ترى هذا الأمر؟

في الجزائر هناك اتجاه حقيقي نحو محاولة تعميم الدفع الإلكتروني مثل دفع الفواتير والدفع مقابل الخدمات عن طريق البطاقة البريدية والبطاقة البنكية. هناك جهود بذلت في هذا المجال، ولكن هناك إشكال في قضية تعميمها، لأن هناك نقصا في توعية الناس عبر وسائل الإعلام مثلا، وهناك نقص في بذل المجهودات اللازمة لدفع الناس نحو هذا الاتجاه حتى يشعرون بالثقة أثناء استخدام الدفع الإلكتروني.

ثم إن نجاح الدفع الإلكتروني سيدفع بانتعاش قطاعات أخرى مثل التجارة الإلكترونية والشركات الناشئة، ولهذا يجب الاشتغال على المجال التوعوي وتكثيفه وتحفيز الناس للانتقال إليه.

  • في إطار التسارع التقني الذي يشهده العالم بسبب تطور أدوات المعرفة وما تقدمه الشركات التقنية، برز الذكاء الاصطناعي مؤخرا كتقنية يمكنها إحداث ثورة رقمية ومعرفية، ومن بينها منصة "شات جي بي تي" التي استقطبت اهتماما كبيرا. كيف يمكن لنا الاستفادة من منصات الذكاء الاصطناعي بأفضل طريقة؟

يمثل إتاحة منصة الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي" (ChatGPT) لعموم الناس ثورة كبرى في العالم الرقمي، تضاهي ثورة شبكة الإنترنت عند بدء التعامل بها، فكما غيّر دخول الإنترنت وبعد ذلك محركات البحث مثل غوغل الكثير في حياة الناس، فستفعل منصات الذكاء الاصطناعي الشيء نفسه.

وهناك أيضا منصات ذكاء أخرى قد تكون أكثر قوة ومرونة ودقة، وهذا ما يجعل تأثير هذه التقنية كبيرا جدا في عدة مجالات مثل المؤسسات التعليمية وبعض المهن كالصحافة والتصميم والمهن المرتبطة بمعالجة البيانات، فالبيانات وتحليلها أصبح يرتبط بالذكاء الاصطناعي، والأمر نفسه يتعلق بالصوت والصورة والفيديو، وسيتمكن البعض من التأقلم مع هذه الثورة التقنية والتفاعل معها بشكل إيجابي، في حين سيبقى البعض عاجزا عن الدخول إلى هذا العالم.

وسيمتد التأثير مثلا إلى ميادين التعليم وتقييم الطلبة والباحثين عبر الاختبارات وما يرتبط بذلك من غش وسرقات علمية، وهناك بعض الجامعات التي منعت في حرمها استخدام منصات الذكاء الاصطناعي، وهناك أدوات قيد التطوير تمكن من التفريق بين النصوص التي ألفها أشخاص حقيقيون أو كانت نتيجة تأليف برنامج للذكاء الاصطناعي.

من الواضح أننا نشهد ثورة كبيرة، والواقع سيدفع الكثيرين للتأقلم مع الوضع الجديد، وعلينا الدفع باستغلال هذه التقنيات لتخدم الإنسان وإلا سنتحول إلى ضحايا لها.

المصدر : الجزيرة