ماذا ينتظر الاقتصاد المصري بعد الانتخابات الرئاسية؟
يتوقع المستثمرون أن تضطر مصر إلى تخفيض "مؤلم" لسعر صرف الجنيه، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الجارية، وفق بلومبيرغ.
ويحظى الاقتصاد المصري المتعثر بدعم قيمته بعشرات المليارات من الدولارات من صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، لكن أداء سنداتها الخارجية أشار إلى ضائقة خلال معظم السنة الماضية.
ومن المرجح أن تحتاج مصر إلى مزيد من الخفض في قيمة الجنيه للحصول على المزيد من التمويلات للإنقاذ.
وقالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن مصر "سوف تنزف" احتياطاتها الثمينة ما لم تخفض قيمة عملتها مرة أخرى، حسبما نقلت عنها بلومبيرغ، لكنها عادت وقالت في نوفمبر/تشرين الثاني إن الصندوق "يدرس بجدية" زيادة محتملة لبرنامج القروض لمصر بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفق ما أفادت رويترز.
دعم وفق "مأساة" غزة
يقول رئيس قسم أصول الدخل الثابت في شركة أرقام كابيتال المحدودة في دبي، عبد القادر حسين إن السوق يتوقع دعم صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، وربما حتى دعم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بعد الانتخابات الرئاسية، بناء على تطور "مأساة" غزة، على حد تعبيره.
وتُعد مصر ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين المتخلفة عن السداد.
وتتزايد التوقعات أيضًا بأن مصر سوف تحصل على المزيد من الأموال من حلفائها في مجلس التعاون الخليجي، وحتى الغرب، إذ يصبح البلد بوابة أساسية لوصول المساعدات إلى قطاع غزة الذي تشن عليه إسرائيل حربا مدمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقب إطلاق عملية "طوفان الأقصى" من قبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
لكن الشرط الأساسي الأكثر أهمية للحصول على مزيد من التمويل -وفق بلومبيرغ- هو تخفيف الضوابط المفروضة على سوق الصرف الأجنبي، إن لم يكن تحريرا كاملا للجنيه المصري.
ويراهن المتعاملون في سوق المشتقات المالية على أن مصر ستضطر إلى السماح للجنيه بالانخفاض 40% خلال السنة المقبلة، ليتراجع سعر صرفه إلى أكثر من 50 جنيها مقابل كل دولار، من 30.93 دولارا حاليا، وذلك بعدما فقد نحو نصف قيمته منذ مارس/آذار 2022.
من جانبه، يتوقع رئيس الإستراتيجية الكلية في "إف آي إم بارتنرز"، تشارلز روبرتسون خفض قيمة العملة المصرية 20% قبل الحصول على تمويل أكبر من صندوق النقد الدولي، معتبرا ذلك احتمالا إيجابيا بالنسبة للسندات المصرية المقوَّمة بالدولار، وربما الأسهم كذلك.
أداء السندات
بالنسبة للسندات الخارجية، يبقى سؤال حول ما إذا كانت مصر قادرة على إنجاز كل ما هو مطلوب لمعالجة اضطرابات أسواقها الاقتصادية والمالية.
يشار إلى أن توقع الأسواق -خلال الأسبوع الماضي- بأن تسعى مصر إلى رفع قيمة العملة، أدى إلى انخفاض العائد الذي يطلبه المستثمرون للاحتفاظ بالسندات المصرية المقوّمة بالدولار، بدلا من سندات الخزانة الأميركية إلى ما دون عتبة ألف نقطة أساس (10%) التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها مؤشر على أزمة اقتصادية.
ويرى أدريان دو توا، مدير الأبحاث الاقتصادية للأسواق الناشئة في أليانس بيرنستين، ومقره لندن، أن أداء السندات المصرية المقوّمة بعملات أجنبية كان جيدًا، بناء على توقعات بأنه بمجرد زوال المخاطر المتعلقة بالانتخابات، ستكون لدى الحكومة المصرية مساحة أكبر للمناورة وسيستجيب صندوق النقد الدولي نوعًا ما للاحتياجات التمويلية لمصر.
إدمان المال الساخن
يعد إدمان مصر المال الساخن سببًا أساسيًّا في أزمتها الحالية، إذ تتدفق هذه الأموال إلى الأسهم والسندات بنفس السرعة التي يمكن أن تغادر بها.
وعرضت مصر منذ فترة طويلة بعضا من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم من أجل جذب النقد الأجنبي اللازم لسد العجز، ما جعل البلاد تحت عبء ديون مرهق.
ويتجاوز الدَّين في مصر 90% من ناتجها المحلي الإجمالي، كما أن لدى الحكومة المصرية عبء ديون أعلى من معظم أسواق ناشئة أخرى منها الأرجنتين والبرازيل والهند وباكستان وجنوب أفريقيا والمكسيك ونيجيريا وتركيا.
واضطرت مصر، على مدى العقد الماضي، إلى تخصيص أكثر من نصف دخلها الضريبي لدفع الفوائد على ديونها، وفي الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول من هذا العام، بلغت تكاليف الفائدة أكثر من 1.5 مرة ما تم جمعه من الضرائب، بحسب بيانات من وزارة المالية.
وكانت هذه الإستراتيجية مستدامة فقط طالما استمر رأس المال في التدفق، ومع الحرب بين روسيا وأوكرانيا عام 2022، لم تتوقف الأموال الساخنة فحسب، بل انعكس اتجاهها إلى خارج البلد مع ارتفاع التضخم على الواردات الأكثر تكلفة من السلع الأساسية الرئيسية، من القمح إلى النفط، وتراجع صافي تدفقات استثمارات المحفظة إلى 3.8 مليارات دولار في السنة المالية 2022/ 2023، من 21 مليار دولار في الفترة عليها.
وتحاول مصر منذ ذلك الحين إعادة اقتصادها إلى المسار الصحيح وجذب المستثمرين مرة أخرى إلى البلاد، لكن وكالتي فيتش للتصنيف الائتماني وموديز لخدمات المستثمرين خفّضتا التصنيف الائتماني للبلاد في الأشهر الأخيرة، بسبب النقص المستمر في العملات الأجنبية والديون الباهظة الكُلفة.
وأدت هذه المخاطر، مع ارتفاع الفائدة العالمية، إلى حرمان مصر من الدولارات التي تحتاجها لدفع مقابل السلع الأساسية المستوردة، وأجبرتها على تخفيض قيمة العملة.
ويشير الاتساع الكبير بين سعر صرف الدولار في السوقين الرسمية والموازية إلى ضغوط متزايدة، ما يؤكد الحاجة إلى تخفيضات إضافية لقيمة العملة، حسبما كتب الإستراتيجيون في دويتشه بنك، ومنهم كريستيان فيتوسكا، في مذكرة بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول.
وتوقعوا أن تتم جولة جديدة من تخفيض قيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية وقبيل الانتهاء من مراجعات صندوق النقد الدولي في أوائل عام 2024.
وسجل ميزان المدفوعات في مصر فائضًا بقيمة 882.4 مليون دولار خلال السنة المالية 2023/2022، بعد عجز قيمته 10.5 مليارات دولار في السنة المالية السابقة عليها، بسبب القيود التي فرضتها الحكومة على الاستيراد من الخارج بسبب شح الدولار، وفق بيان للبنك المركزي المصري.