مع استمرار هبوط الدينار أمام الدولار.. العراقيون يلوذون بالذهب
بغداد – منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2022 وحتى الآن، يواصل الدينار العراقي هبوطه الدراماتيكي أمام الدولار الأميركي، حتى وصل إلى مستوى 1610 دنانير مقابل دولار واحد في وقت يبلغ السعر الرسمي للدولار 1465 دينارا.
ومع هبوط العملة الوطنية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فإن أسواق الذهب العراقية سجلت إقبالا كبيرا من الزبائن لشراء المعدن الأصفر وسط تحذيرات من شراء المزيف.
ورصدت الجزيرة نت آخر الأسعار للذهب المُباع في الأسواق العراقية كمعدل عام، حيث ارتفعت بنسبة 10% عما كانت عليه خلال الربع الأخير من نهاية العام الماضي، وكان سعر غرام الذهب عيار 24 بلغ 89 ألفا و201 دينار (61.05 دولارا)، وعيار 22 بلغ 81 ألفا و768 دينارا (55.97 دولارا)، وعيار 21 بلغ 78 ألفا و53 دينارا (53.42 دولارا)، وعيار 18 بلغ 66 ألفا و902 دينار (45.79 دولارا)، وعيار 14 بلغ 52 ألفا و34 دينارا (35.62 دولارا)، في حين كان سعر كيلو الذهب 89 مليونا و200 ألف و862 دينارا (61 ألف دولار).
ملاذ آمن وزينة
ومن سوق الكاظمية المختص ببيع الذهب في بغداد يرى الصائغ رحيم العبادي أن "معظم الشعب العراقي يفضلون اقتناء الذهب؛ خصوصا في الأزمات، كونهم لا يعتمدون على المصارف لإيداع الأموال بسبب عدم الثقة بالبنوك".
وقال العبادي للجزيرة نت، إن" الذهب يعتبر للعراقيين وخصوصا النساء ملاذا آمنا واستثمارا طويل الأجل إضافة إلى اعتباره نوعا من الزينة والرفاهية".
وفي إقليم كردستان العراق شمالي البلاد أشار الصائغ في سوق الذهب دانا عبد الرحمن ورتي، إلى وجود حركة كبيرة للشراء في أربيل وغيرها داخل الإقليم خلال الفترة الأخيرة.
وقال ورتي للجزيرة نت إن كثيرا من الناس في الإقليم يقبلون على شراء الذهب لأمرين؛ الأول للربح من خلال بيعه بعد فترة قصيرة كون أسعار الذهب في تغير مستمر، والثاني للتحوط من الأزمات المالية بالنظر إلى عدم ثقة البعض بالعملة المحلية.
ومن شمالي العراق إلى النجف حيث مركز بيع الذهب لمحافظات الجنوب والفرات الأوسط، إذ يتحدث الصائغ النجفي الدكتور خيري أبو شبع عن إقبال الزبائن لشراء الذهب المستعمل بنسبة 80% في الفترة الأخيرة.
ويحدد أبو شبع للجزيرة نت الأسباب بأن سعر غرام الذهب المستعمل 3 آلاف دينار (2 دولار) وغرام الذهب الجديد 15 ألف دينار (10 دولارات).
قراءة اقتصادية
ومن نظرة اقتصادية يحدد الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي عدة عوامل أدت لارتفاع حيازة الذهب عند العراقيين خلال الفترة منذ نهاية العام 2022 الماضي ولغاية الوقت الحالي.
وأوضح للجزيرة نت أن "تلاعب بعض المصارف الخاصة وجهات غسيل الأموال بالدولار من جهة، وتهريبه برا وجوا نحو دول معينة من جهة أخرى إضافة للتشديد الأميركي على الحوالات الخارجية مع إمكانية فرض عقوبات على عدد من المصارف العراقية؛ أمور أدت إلى هبوط الدينار وارتفاع الدولار ولجوء الناس لشراء الذهب".
وأشار الحلبوسي إلى أن المعدن النفيس أكثر أهمية لأنه محدود العرض ويشهد طلبا متزايدا وهو ما يعطي الأمن للمستثمر والمُشتري أكثر من الدينار الذي يشهد تراجعا متزامنا مع ارتفاع التضخم والتراجع الاقتصادي في العراق.
الدول الموردة للذهب
ووفق المعلومات التي استقصتها الجزيرة نت من سوق الصاغة في العراق حول أكثر الدول الموردة للذهب إلى البلاد، كانت الإمارات العربية المتحدة الأولى لغاية العام 2020، قبل أن تتصدر تركيا كأكبر مصدر للذهب إلى العراق تليها الإمارات ثُم إيطاليا.
وحول آلية دخول الذهب للعراق يقول بخصوصها المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي للجزيرة نت إن الاستيراد يتم عن طريق المنافذ الرسمية والتي حددها قرار مجلس الوزراء رقم 335 لسنة 2017 وهي مطارا بغداد والنجف من خلال وحدات المصوغات في المطارين الدوليين، حيث يتم فحص الذهب والتأكد من الوزن وأخذ كل البيانات المتعلقة به.
ووفق مصادر حكومية فإن معدل الاستيراد الشهري بشكل عام للذهب في العراق يصل لنحو 7.5 أطنان ويبلغ الرسم الجمركي الذي يجبى عن كل كيلوغرام منه 250 دولارا، بمجموع 1 مليون و875 ألف دولار.
ووفق بيانات لموقع "بلومبيرغ" (Bloomberg) المتخصص، فقد اشترى العراق 33.9 طنا من الذهب في العام 2022، في حين كشف القنصل التركي العام في أربيل هاكان كارا جاي عن استيراد العراق ذهبا تركيا بقيمة 1.5 مليار دولار خلال عام 2021.
الذهب المزيف
ويُقر الصاغة الثلاثة الذين التقتهم الجزيرة نت بتفشي بيع الذهب المزيف في العراق لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، وذلك عن طريق التلاعب بالأسعار والأوزان وحشو داخل الذهب مادة النحاس.
وحمّلت الباحثة الاقتصادية عُلا التميمي، الجهات الرقابية وجهاز الأمن الاقتصادي مسؤولية تفشي الذهب المزيف نتيجة ضعفهم بمراقبة سوق الذهب فضلا عن عدم دراية الزبائن بالأختام والأوسمة التي يضعها جهاز التقييس والسيطرة النوعية على الذهب منها الثور المجنح وأسد بابل وملوية سامراء.
ولمعالجة عمليات الغش تقترح التميمي عبر الجزيرة نت توحيد التعريفة الجمركية بين المركز والإقليم وتفعيل جهاز التقييس والسيطرة النوعية وزيادة الجولات التفتيشية على محلات الصاغة وتوعية الزبائن بمعرفة الذهب الحقيقي من المزيف.
قانون وسم المصوغات
ويعتقد الخبير الاقتصادي الدكتور نوار السعدي أن" قانون وسم المصوغات رقم 83 لسنة 1976 المعدل ممتاز جدا لكن يحتاج إلى تطبيق بشكل حازم من خلال عدم السماح بعمليات البيع والشراء والصياغة إلا من خلال شركات أو محلات حاصلة على إجازة ممارسة مهنة الصياغة، وإجازة ورشة تصنيع الذهب، ومنح إجازة تصفية المعادن".
وأضاف السعدي للجزيرة نت أن القانون ألزم بعدم منح إجازة تصنيع أو بيع وشراء المصوغات إلا بعد تجاوز المتقدم الاختبار الرسمي، إلا أن السوق العراقية اليوم مليئة بالمخالفين ممن ليست لديهم إجازة ممارسة المهنة، وهذا أدى لارتفاع عمليات الغش التجاري.