معركة النفط الروسي مع الغرب.. كيف سترد موسكو على سقف السعر؟
وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مرسوما بشأن التدابير المضادة ضد فرض حد أقصى لأسعار النفط والمنتجات النفطية الروسية.
ويأتي هذا المرسوم ردا على اتفاقية مجموعة الدول السبع بشأن فرض سقف أسعار يبلغ 60 دولارا أميركيا للبرميل من النفط الروسي المنقول بحرا، حيث يحظر المرسوم بيع النفط والمنتجات النفطية إذا كان عقد البيع يستند إلى حد أقصى لسعر النفط الروسي، على الرغم من أن المرسوم يمنح بوتين الحق في استثناءات لتطبيق هذه القاعدة.
وبحسب الكاتب سيمون واتكينز في مقال نشره موقع "أويل برايس" (oil price) الأميركي، فإن هذا الحظر سيصبح ساريا اعتبارا من 1 فبراير/شباط المقبل وسينطبق "على شحنات النفط الروسية إلى الكيانات القانونية الأجنبية أو الأفراد بموجب أي عقود تتوخى، بشكل مباشر أو غير مباشر، أي تطبيق لآلية الحد الأقصى للأسعار"، وسيصبح المرسوم ساري المفعول في تاريخ تحدده الحكومة الروسية لكن ليس قبل 1 فبراير/شباط المقبل.
ومن الناحية الرسمية يبدو أن هناك ما يبرر فرض سقف للأسعار ورد فعل روسيا عليه، وفي هذا السياق، صرح نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن إنتاج النفط الروسي قد ينخفض بنسبة 5% إلى 7% بسبب عقوبات مجموعة السبع على القطاع في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي.
وتتوقع منظمة أوبك أن ينخفض إنتاج النفط الروسي بـ850 ألف برميل يوميا ليبلغ متوسط 10.1 ملايين برميل يوميا في عام 2023، بينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض الإنتاج الروسي بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا في هذه الفترة.
ويشير الكاتب إلى أن النسخة غير الرسمية تقول إنه لا يوجد سبب لتوقع أي انخفاض ملموس في إنتاج النفط أو المنتجات النفطية الروسية في عام 2023 لعدة أسباب، وأحد أهم هذه العوامل هو أن روسيا لا تزال تجني الكثير من الأموال من كل برميل من النفط تنتجه، وبالتالي فمن مصلحتها الحفاظ على استمرار الإنتاج في المستويات المعتادة قبل حرب أوكرانيا بهدف زيادة العائدات الحكومية.
مفارقات السعر
لفترة طويلة جدا؛ كان سعر برميل من نفط برنت الروسي يبلغ حوالي 40 دولارًا أميركيًّا، وهو نفس سعر أفضل منتجي النفط في الولايات المتحدة، وحتى في ظل وجود سقف السعر يصل إلى 60 دولارا، لا يزال هناك هامش ربح جيد للغاية.
يُذكر أن خصم 30% أو نحو ذلك الذي طالب به بعض كبار المشترين منذ بدء حرب أوكرانيا -وعلى الأخص الصين والهند- هو خصم من سعر السوق للنفط، وليس من سقف السعر، لذلك مع وجود سعر خام برنت حاليا عند حوالي 80 دولارا، تتلقى روسيا حوالي 56 دولارا للبرميل من نفطها من هؤلاء المشترين، وهو سعر لا يزال يمثل ربحا جيدا.
ومن المفارقات أن الحد الأقصى لسعر مجموعة السبع لا يزال أعلى من سعر السوق الحالي، مطروحا منه الخصم الضخم الذي يباع به النفط الروسي إلى بعض المشترين الآخرين حول العالم.
وهناك عنصر آخر يجب أخذه بعين الاعتبار في الواقع غير الرسمي لقاعدة العرض والطلب للنفط العالمي، وهو أنه لا يزال بإمكان روسيا العمل لمواجهة الحدود القصوى للأسعار أو العقوبات التي تفرضها مجموعة الدول السبع أو أي مجموعة أخرى من خلال عدد من الآليات المضادة للعقوبات التي لجأت إليها إيران سابقا منذ أن خضعت لعقوبات مختلفة في عام 1979، حسب تعبير الكاتب.
شحنات النفط
يؤكد الكاتب أن إدخال المزيد من النفط إلى أوروبا بأسعار أفضل مما يسمح به سقف السعر لن يكون مشكلة بالنسبة لروسيا، إذ يمكنها الإدلاء بمعلومات غير صحيحة بشأن الوجهات في وثائق الشحن.
وفق الكاتب؛ تعتقد العديد من المصادر رفيعة المستوى في صناعة النفط في مجالات أمن الطاقة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن روسيا يمكن أن تُؤَمن في وقت سريع جدا ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الشحن البحري اللازم لنقل نفطها المعتاد للمشترين، وما يصل إلى 90% في غضون أسابيع قليلة بعد ذلك.
هل تخسر أسواق النفط العالمية؟
وفقا لأرقام وكالة الطاقة الدولية، كانت روسيا تصدر قبل الحرب، حوالي 2.7 مليون برميل يوميا من النفط الخام إلى أوروبا، و1.5 مليون برميل أخرى من المنتجات النفطية، معظمها من الديزل، وبلغ إجمالي صادرات روسيا من النفط العالمية 7.8 ملايين برميل يوميا، ثلثاها من النفط الخام والمكثفات في نهاية يناير/كانون الثاني 2022.
وحسب السيناريو المحتمل أعلاه؛ ستخسر أسواق النفط العالمية فقط ما بين 780 ألف برميل في اليوم و1.95 مليون برميل في اليوم من مستويات ما قبل الحرب على أوكرانيا من النفط الروسي، حتى مع وجود سقف الأسعار مطبق، بغض النظر عن جميع العوامل الأخرى.
وحتى هذا القدر من الخسارة في الإمدادات أمر غير مرجح للغاية، حيث تمتلك إيران أسطولا ضخما من الناقلات، يمكن توفير جزء منه لروسيا، كما يمكن أن تفعل الصين وهونغ كونغ، والهند، من بين دول أخرى، كما يرى الكاتب.
وخلص الكاتب إلى أن بوتين وشركات النفط الروسية راضون تماما عن وضع حد أقصى لسعر النفط عند 60 دولارا أميركيا للبرميل من معادل برنت، وكذلك كل المشترين الذين يمكنهم الحصول على النفط الروسي عند هذا المستوى.
ويعتقد الكاتب أن الولايات المتحدة راضية تماما عن استمرار الهند -أحد أكبر المشترين للنفط الروسي منذ فبراير/شباط 2022- في شراء النفط بالأسعار التي تتجاوز سقف الأسعار الذي فرضته مجموعة الدول السبع.