عالم ما بعد الدولار قادم.. هل بلغ ارتفاع العملة الخضراء نهايته؟

بلغ الدولار أعلى مستوى في 20 عاما، يوم الاثنين، مدعوما بتعليقات متشددة من جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، قبل أن يتراجع مع تلقي اليورو دعما من توقعات متنامية بزيادات للفائدة من البنك المركزي الأوروبي.

وسجل مؤشر الدولار -الذي يقيس قيمة العملة الخضراء مقابل سلة من 6 عملات منافسة- 109.48 نقاط وهو مستوى لم يشهده منذ سبتمبر/أيلول 2002، قبل أن يتراجع قليلا بنهاية أمس الاثنين في أواخر جلسة التداول.

وارتفع اليورو نحو 0.3%، لكنه ظل دون مستوى التعادل مع العملة الأميركية عند 0.9993 دولار.

ويطرح سؤال عما إذا كان الدولار الأميركي سيستمر في الصعود أم إنه على مشارف بلوغ الذروة، ليبدأ رحلة هبوط أخرى مماثلة لتلك التي شهدها قبل 20 عاما.

نقطة تحول للعملة الخضراء

يقول الكاتب روتشر شارما، في تقرير له بصحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times) البريطانية، "قد يبدو الدولار الأميركي قويًّا لكن نقاط ضعفه في تصاعد مستمر؛ ففي هذا الشهر، ومع ارتفاعه إلى مستويات غير مسبوقة منذ ما يقرب من 20 عامًا، استند المحللون إلى حجة قديمة للتنبؤ بالوضع القادم للورقة الخضراء".

ويضيف الكاتب أن "ما وقع قبل عقدين من الزمن يشير إلى أن ما يحدث للدولار ليس ارتفاعا فحسب، بل هو اقتراب من الذروة". فرغم انخفاض الأسهم الأميركية في ظل انهيار شركات "الدوت كوم" آنذاك، "استمر الدولار في الارتفاع قبل أن يدخل في انخفاض بدأ في عام 2002، واستمر 6 سنوات كاملة".

الكاتب لم يستبعد أن تحدث نقطة تحول مماثلة قريبًا، لكن في هذه المرة قد يستمر انخفاض العملة الأميركية مدة أطول، وفق توقعاته.

ويشير إلى أن قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى تزيد الآن بنسبة 20% على اتجاهها الطويل الأجل، وتتجاوز الذروة التي بلغتها في عام 2001، بغض النظر إن كان تم تعديلها لمراعاة التضخم أم لا.

ويقول الكاتب "منذ السبعينيات، استمر الارتفاع المعتاد في دورة الدولار نحو 7 سنوات، أما الارتفاع الحالي فيدخل عامه الـ11".

هل تتراجع الثقة بالدولار؟

يقول الكاتب "إذا كان الدولار على وشك الدخول في اتجاه هبوطي، فإن السؤال المطروح: هل هذه الحالة ستستمر مدة طويلة، وتتعمق بما يكفي لتهديد مكانته باعتباره العملة الأكثر موثوقية في العالم؟".

هنا، يؤكد الكاتب أنه إلى جانب العملات الأربع الكبرى للولايات المتحدة وأوروبا واليابان والمملكة المتحدة، هناك أيضًا فئة أخرى من العملات تشمل الدولار الكندي، والدولار الأسترالي، والفرنك السويسري، والرنمينبي؛ وهي تمثل الآن 10% من الاحتياطيات العالمية بعد أن كانت 2% فقط في عام 2001.

وكل هذه العملات جاءت مكاسبها وتسارعت خلال الوباء بشكل أساسي على حساب الدولار الأميركي الذي تراجعت حصته من احتياطيات النقد الأجنبي إلى 59% وهو أدنى مستوى له منذ عام 1995، وفقا للكاتب الذي رأى أن العملات الرقمية رغم تضررها الآن فإنها تظل أيضا بديلًا طويل المدى.

ليس هذا فحسب، بل إن الكاتب يعتقد أن تأثير العقوبات الأميركية على روسيا -التي تظهر مدى تأثير الولايات المتحدة على عالم يتحكم فيه الدولار- يدفع العديد من البلدان إلى الإسراع في البحث عن خيارات بديلة، على غرار ما قامت به أكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا من تسوية للمدفوعات فيما بينها بعملاتها مباشرة، متجنبة استخدام الدولار، كتعاملات ماليزيا وسنغافورة مع الصين.

ويختم الكاتب تقريره بالقول إن الدولار اليوم، كما في عهد "الدوت كوم"، "يبدو أنه يستفيد من وضعه كملاذ آمن، غير أن المستثمرين لا يسارعون إلى شراء الأصول الأميركية للتقليل من مخاطره"، ويضيف "لا تنخدع بالدولار القوي، فعالم ما بعد الدولار قادم".

ماذا عن اليورو؟

تواجه العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) صعوبات أمام العملات الرئيسة الأخرى، متأثرة بتداعيات حرب روسيا على أوكرانيا على أسعار الطاقة التي بلغت مستويات قياسية، والمخاوف من حدوث ركود بسبب هذه الأزمة.

ويقول المحلّل لدى شركة "ويسترن يونيون" غيوم دوجان "في مواجهة خطر النقص الذي يهدد أوروبا هذا الشتاء، نلاحظ حساسية للأسعار إزاء أي خبر سيئ".

وتدور التساؤلات الآن عن المستوى الذي يمكن أن يتدنّى إليه اليورو.

وحسب تقرير بصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن ضعف اليورو من علامات تباطؤ الاقتصاد، وينقل عن جيل مويك كبير الخبراء الاقتصاديين في مجموعة "أكسا" للتأمين قوله "يبدو أن الركود بات محتملا، قد لا يكون في الربع الثالث من العام، لأننا ما زلنا نستفيد من انتعاش ما بعد جائحة كوفيد-19، ولكن ربما بحلول نهاية العام".

أما المحلل والخبير الاقتصادي دانيال ملحم فيعتقد -في حديث سابق للجزيرة نت- أن ضعف سعر اليورو ليس ناتجا بالدرجة الأولى عن ضعف منطقة اليورو أو الحرب، بل عن قوة الدولار وتزايد الطلب عليه في الأسواق العالمية، وذلك ما يدفعه إلى هذا الصعود الكبير.

المصدر : الجزيرة + وكالات + فايننشال تايمز + لوموند

إعلان