ديون متراكمة وإجراءات متلاحقة.. هل تبيع مصر الصحف الحكومية أم تستثمر أصولها؟

يتزامن هذا الجدل مع الأزمة الاقتصادية العالمية وحديث حكومي متكرر عن العمالة الزائدة في القطاع العام.

الصحف القومية المصرية، والحديث عن تصفيتها أو بيعها
إصدارات عدة للصحف الحكومية بمصر ومخاوف من تصفيتها في ظل حديث للحكومة عن استثمار أصولها اقتصاديا (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة – بين مخاوف من تصفية مؤسسات الصحف الحكومية وبين الدفاع عن استثمارها، يتجدد الجدل في مصر كلما تحدث مسؤولون عن الأصول الثابتة لتلك المؤسسات، وذلك بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية وحديث حكومي متكرر عن العمالة الزائدة في القطاع الحكومي وضرورة تخفيف الأعباء.

مراقب متخصص في الملف تحدث للجزيرة نت، يرى أن الحكومة المصرية تتجه بالفعل نحو تصفية المؤسسات الصحفية القومية ضمن ما سماه "هوجة البيع"، بالتزامن مع إجراءات لم تتوقف لضم الإصدارات الصحفية المختلفة أو إلغاء بعضها أو طرح أصول للاستثمار، وذلك يثير مزيدا من علامات الاستفهام رغم النفي الرسمي.

هذا النفي الرسمي جاء على لسان رئيس الهيئة الوطنية للصحافة بمصر عبد الصادق الشوربجي، ردا على سؤال من رئيس تحرير جريدة الأخبار الحكومية ووكيل نقابة الصحفيين خالد ميري.

وفي لقاء متلفز، أكد الشوربجي أنه لا مساس بالصحف أو العاملين بها، ولن يلغى أي إصدار صحفي بالمؤسسات الصحفية القومية.

تصفية المؤسسات الخاسرة

في هذا السياق، يرى مدير المرصد العربي لحرية الإعلام، الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى قطب العربي، أن  نفي الشوربجي المتكرر "محض آراء شخصية أو مسكنات مؤقتة لا تلغي فكرة تصفية المؤسسات الخاسرة على الأقل".

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى العربي أن موضوع بيع المؤسسات الصحفية في منتهى الحساسية لأنه يمس القطاع الأعلى صوتا في المجتمع، ولذلك فإن النظام المصري يتعامل معه بما وصفه بـ"الحيل الماكرة" للتخلص منه خطوة خطوة، وفق قوله.

وأضاف العربي أن الحكومة ترغب في تقليل ردود الفعل الغاضبة بقدر الإمكان، متابعا "وقد رأينا أخيرا ما حدث مع إيقاف مجلتي حواء وطبيبك الخاص، إذ انتفض عدد كبير من الكتاب والأدباء والمثقفين ضد ذلك".

ويشير إلى أن فكرة التخلص من أغلب الإصدارات الصحفية، بخاصة التي تحقق خسائر كبيرة، على قدم وساق؛ في ظل تراجع كبير لمبيعات الصحف، إذ أصبح إجمالي التوزيع اليومي لا يتجاوز 200 ألف نسخة لكل الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، وهذا رقم ضئيل جدا بالمقارنة مع صحيفتي الأهرام وأخبار اليوم حين كانت كل واحدة منهما توزع مليون نسخة في عددها الأسبوعي.

ويرجح العربي أن يشمل البيع بعض المؤسسات الصحفية، قائلا "بالنظر إلى طريقة تفكير النظام الحاكم وخطته لبيع الأصول بما يعادل 40 مليار دولار في 4 سنوات، فهذا يعني أن المؤسسات الصحفية لن تكون بعيدة عن هوجة البيع مع الاكتفاء بعدد محدود منها"، حسب وصفه.

مؤشرات وقلق

ورغم النفي الرسمي الذي حافظت عليه الحكومات المصرية منذ عام 2012 ، شهد الأمر لغطا أكثر في الفترات الأخيرة في ظل إجراءات يرى صحفيون أنها مؤشر على اتجاه رسمي للتصفية.

ففي أواخر مايو/أيار الماضي راجت أنباء في الدوائر الإعلامية المحسوبة على المعارضة عن "نقل ملكية أصول 3 من أكبر المؤسسات الصحفية القومية إلى إحدى الجهات السيادية، في إطار مخطط الاستحواذ على أصول كل المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة تدريجيا للاستفادة من أماكنها المميزة"، لكن الهيئة الوطنية للصحافة نفت الأمر في بيان رسمي.

وأوضحت الهيئة أنها بدأت استثمار عدد من الأصول غير المستغلة المملوكة لمؤسسات الأهرام ودار التحرير للطبع والنشر وروز اليوسف، وذلك في إطار خطتها الهادفة لاستثمار واستغلال الأصول المملوكة للمؤسسات الصحفية القومية الثماني، عبر مشروعات استثمارية أعدّتها هذه المؤسسات وفقا لدراسات جدوى وعلى الأراضي المملوكة لها.

وقدمت أمثلة على ذلك بإنشاء جامعة تابعة لمؤسسة أخبار اليوم، واستكمال كليات جامعة الأهرام الكندية، وذلك بهدف تنمية مواردها المالية في مواجهة الاحتياجات المالية العاجلة، وتحسين أوضاع العاملين المالية والخدمية.

وقبل عامين ثار حديث واسع حول نية الحكومة استثمار أصول الصحف القومية، دفع الهيئة الوطنية للصحافة إلى الاجتماع مع نقابة الصحفيين، ليصدر عن الاجتماع بيان مشترك يؤكد "دعم خطط استغلال أصول المؤسسات الصحفية القومية غير المستغلة في مشروعات استثمارية تخصص عائداتها لتنمية موارد المؤسسات وتطويرها".

لكن البيان اشترط أن يكون إقرار أي استغلال أو بيع للأصول "من خلال مجالس إدارات المؤسسات الصحفية وجمعياتها العمومية وبموافقة الهيئة"، وفق نص البيان الذي جعل بيع الأصول مرهونا بموافقة الجمعيات العمومية.

دمج وتصفية

وفي مطلع يونيو/حزيران الماضي فؤجئ الصحفيون بإلغاء مجلتي الكواكب وطبيبك الخاص وضمّهما لمجلة حواء، وسط استياء مهني واسع.

ووصف نقيب الصحفيين الأسبق يحيي قلاش قرار الإلغاء بأنه قرار إعدام تقف خلفه "عقلية جاهلة بتاريخ مصر ومعادية لدور الصحافة المصرية وتاريخها"، وفق ما نشره على حسابه بالفيسبوك.

ولم يكن هذا القرار الأول من نوعه، فقد سبقه في يوليو/تموز من العام الماضي قرار بوقف طباعة 3 صحف ورقية يومية، على أن تتحول الصحف الثلاث إلى إصدارات إلكترونية فقط، هي إصدارات الأهرام المسائي، والأخبار المسائي، بالإضافة إلى المساء.

وتزامن مع ذلك استمرار قرارات الفصل التعسفي داخل المؤسسات القومية، حسب تقرير المرصد العربي لحرية الإعلام مطلع يوليو/تموز الجاري.

ووفق المرصد المعني بمتابعة شؤون الإعلام المصري، قررت مؤسسة أخبار اليوم الحكومية فصل 9 صحفيين "هربا من تعيينهم وإدراجهم على القوائم المرشحة لنقابة الصحفيين، على الرغم من قضاء بعضهم أكثر من 9 سنوات عمل داخل المؤسسة".

ويكرر مسؤولون مصريون في مناسبات عدة أن القطاع الحكومي متخم بنحو 6 ملايين موظف، في حين يحتاج تسيير العمل الحكومي إلى نحو مليون موظف فقط.

ديون متراكمة

وحسب إحصائيات غير رسمية نشرها موقع مصراوي الإخباري نقلا عن مصادر لم يسمها، فإن ديون المؤسسات الصحفية القومية تتخطى حاجز 20 مليار جنيه ( الدولار=18.87 جنيها)، تشمل ضرائب وتأمينات وجمارك، فضلا عن ديون بنكية.

ووفق آخر بيانات رسمية، كشفت الهيئة الوطنية للصحافة أن مديونية المؤسسات الصحفية تبلغ 13.9 مليار جنيه.

وأعلن رئيس الهيئة عبد الصادق الشوربجي -في تصريحات صحفية- أن الحكومة تدعم رواتب العاملين بالمؤسسات الصحفية القومية بنحو 33%، كما تدعم مصروفات المؤسسات بنحو 25% من مصروفاتها.

أما  وزير الدولة للإعلام السابق أسامة هيكل فأعلن أمام مجلس النواب في 2021 أن الديون بلغت 22 مليار جنيه.

وتحدث هيكل وقتئذ عن ضعف الإعلام المصري وانصراف الجمهور عنه، وعرّضه ذلك لحملة واسعة من الانتقادات بلغت حدّ إذاعة حديث هاتفي قديم له عبر التلفزيون الرسمي الذي يشرف عليه.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان