هل تستمر الهيمنة الاقتصادية الأميركية بعد حرب أوكرانيا؟

القوة المالية الأميركية يمكن أن تفرض عقوبات كافية لفرض تغيير في الإجراءات الروسية في أوكرانيا (غيتي)

كانت الحرب الروسية على أوكرانيا مثل صاعقة كبيرة من الكهرباء لإعادة شحن كل من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه ميت دماغيا قبل بضع سنوات فقط، وكذلك تنشيط مجموعة السبع، وهي من بقايا السبعينيات، إلى كتلة الديمقراطيات العشر الرائدة، حيث اجتمع الشركاء الآسيويون والأوروبيون للولايات المتحدة في فرض عقوبات صارمة على الكرملين.

يقول الكاتب نيكولاس جفوسديف -في تقرير له بصحيفة "ناشونال إنترست" (The National Interest)- إن هذه اللحظة الجديدة من العلاج بالصدمات الكهربائية لن تدوم، ويجب ألا يكون تركيز الجهود الأميركية للمضي قدما ينصب على تصحيح أخطاء التسعينيات، بل يجب أن يكون منصبا على تشكيل محور للعالم الناشئ في منتصف القرن 21.

وأوضح الكاتب أن تحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي سبقته جائحة كوفيد-19، "دفع الغرب إلى مواجهة نقاط الضعف المتمثلة في الاعتماد المفرط على سلاسل التوريد للمواد الخام الأكثر أهمية والمكونات النهائية التي تمر عبر أكبر دولتين استبداديتين في العالم، الصين وروسيا".

وتحدث عن فرصة سانحة تتيح للجمهور المحلي في أميركا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا دفع تكاليف أعلى لإعادة توجيه الروابط الاقتصادية الرئيسية بعيدا عن موسكو وبكين والاستثمار في تقنيات الجيل التالي، لا سيما حلول الطاقة والأدوية، وإنتاج الغذاء وتصنيعه، ورأى أن ذلك سيؤدي إلى ترقية التحالفات الأميركية الحالية من كونها تدور في المقام الأول حول الدفاع العسكري إلى تعريف أوسع وموسع للأمن لا يشمل السلامة من الهجوم المسلح فحسب، بل يشمل كذلك تعزيز الحماية للمناخ والصحة والاقتصاد.

وأشار إلى أنه خلال الثمانينيات، كان بإمكان الولايات المتحدة الاستفادة من البراعة التكنولوجية لشركائها، وحيويتهم الاقتصادية، لإضافة قدراتها الخاصة لتطويق واحتواء الاتحاد السوفياتي.

وقبل بضع سنوات فقط، كان الاتحاد الأوروبي عازما على السعي لتحقيق تكامل اقتصادي أوثق مع الصين، بينما كان انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادي يتسبب في تحوط شركاء الهند وآسيا الرئيسيين بشأن علاقتهم بواشنطن.

ويلفت الكاتب إلى أنه لتحقيق التوازن السلمي مع صعود الصين، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل مجتمع ديمقراطي لا يقوم فقط على القيم المشتركة والجغرافيا السياسية، ولكن يكون قادرا أيضا على تقديم فوائد واضحة وملموسة لأعضائه، ويجب أن تفعل ذلك قبل أن تعود العادات القديمة مرة أخرى، سواء كان ذلك عودة إلى الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية المنخفضة التكلفة أو تكاليف إعادة توجيه سلاسل التوريد خارج مركز التصنيع الصيني.

واعتبر الكاتب أن الأزمة الأوكرانية أظهرت الحافز لاتخاذ إجراءات فورية، كما أظهرت احتمال التراجع على المدى الطويل مع استمرار الصراع وارتفاع التكاليف على المدى القصير.

القوة المالية الأميركية

من جانب آخر، ذكر الكاتب أن الحرب الروسية قد تكون علامة بارزة على أدوات الردع والإجبار المالية الأميركية؛ فعلى عكس الاتحاد السوفياتي، تم دمج روسيا في النظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، بما في ذلك جني فوائد الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الفعلية والمعبر عن قوة وموثوقية النظام المالي الأميركي.

وخلال الفترة الماضية، جرى اختبار الاقتراح القائل بأن القوة المالية الأميركية يمكن أن تفرض عقوبات كافية، جنبا إلى جنب تسليم الأسلحة، لفرض تغيير في الإجراءات الروسية في أوكرانيا، ومع ذلك، وبغض النظر عن كيفية ظهور ذلك، فقد تم إخطار بقية العالم بأن الولايات المتحدة لم تقدم سلسلة من المنافع المالية العامة الدولية من منطلق الشعور بالإيثار، ولكن كوسيلة لإبراز القوة الأميركية.

وقال الكاتب إن روسيا قد تضطر إلى دفع أول ثمن باهظ، ولكن النتيجة النهائية هي أن الصين وبعض القوى الوسطى الأخرى التي لم تلتزم بعد بمجتمع ديمقراطي تقوده أميركا قد تبدأ في التحوط من رهاناتها؛ الاستمرار في استخدام الدولار الأميركي لراحته وتكلفته المنخفضة، مع إنشاء آليات بديلة للمحور حسب الحاجة، وأشار إلى أن عددا من شركاء الولايات المتحدة القدامى حين يفكرون في زيادة استخدام الرنمينبي (يوان)، فإن ذلك يشير إلى أنهم يرغبون في إبقاء جميع الخيارات مفتوحة.

وأشار إلى أن أزمة أوكرانيا أظهرت أن الإجماع القوي ضد الحرب الروسية من قبل أميركا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا لا يمتد إلى أجزاء أخرى مهمة من العالم، وهي البيئة التي ستحتاج فيها الولايات المتحدة إلى التحرك للأمام: أجندة تحويلية لأخذ الشراكات السابقة وممارسة مجتمع أكثر إحكاما وتماسكا لا يمارس فقط قوة ردع ضد الصين وأي مستوى من القوة التي تحتفظ بها روسيا، ولكن تعمل أيضا على جذب "المحايدين" بين القوى الوسطى للتوافق بشكل أوثق مع الولايات المتحدة أكثر من بكين، وسيتطلب هذا عملا مستداما عبر إدارات متعددة، ويتطلب إجماعا مستقرا من الحزبين على أن هذا يصب في المصالح الوطنية للولايات المتحدة، ولقد منحت أوكرانيا واشنطن فرصة لتعزيز وتوسيع القيادة العالمية الأميركية لبقية هذا القرن، وختاما يتساءل الكاتب هل الأمن القومي والنظام السياسي الأميركي على مستوى التحدي؟

المصدر : ناشونال إنترست