تفاقم أزمة الغاز بأوروبا.. الأسعار تقفز وروسيا تخفض الضخ وخلافات حول تقليل الاستهلاك
أعلنت شركة "غازبروم" الروسية، اليوم الأربعاء، وقف عمل توربين آخر من طراز "سيمينز"، لإجراء صيانة دورية عليه، وربطت أي تعديل للكميات بإصلاح توربينات الضخّ، بالتزامن مع اعتماد اتفاق أوروبي على خفض طارئ لاستهلاك الغاز الروسي.
وجراء هذه الخطوة، سينخفض -مجددا- حجم الضخ اليومي للغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" إلى 31 مليون متر مكعب يوميا، من أصل 60 مليون متر مكعب، وذلك وفقا لشركة "غازكاد" المشغلة لخط أنابيب "نورد ستريم 1".
وكان الكرملين قد أعلن أمس الثلاثاء أن مشكلة تقنية تواجه أحد التوربينات في خط "نورد ستريم 1″، بعد إصلاح توربين آخر في كندا، هو الآن في طريقه إلى موقعه، وأشار إلى أن المشاكل التقنية في خط الأنابيب المذكور معقدة للغاية، بسبب القيود والعقوبات المفروضة على روسيا، وحذر من تداعيات العقوبات الغربية على استكمال عمليات الصيانة.
لكن الأوروبيين يرفضون المبرر التقني ويتهمون موسكو باستخدام الغاز كسلاح اقتصادي وسياسي، وقالت متحدثة باسم الحكومة الألمانية إنها "لعبة قوة" وتخفيض "ليس له سبب تقني".
خفض إنتاج وارتفاع أسعار
وكان الإعلان الروسي عن خفض جديد لتدفق الغاز الطبيعي أدى إلى ارتفاع في أسعار الكهرباء في أوروبا إلى مستويات قياسية.
ووفقا لوكالة "بلومبيرغ"، فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة تزيد على 21%، كما وصلت أسعار العقود الآجلة للفحم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وارتفعت أسعار العقود الآجلة للكهرباء في ألمانيا بأكثر من 10%، وفي فرنسا بأكثر من 6%. وقالت بلومبيرغ إن هذه الارتفاعات ستزيد من معاناة المستهلكين، والشركات، والقطاع الصناعي الذي يعاني أصلا من تداعيات ارتفاع نفقات معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
وكان الاتحاد الأوروبي أقر، خلال اجتماع وزراء الطاقة في بروكسل، خطة خفض طوعية لتخفيض استهلاك الغاز الروسي بنسبة 15% بداية من الشهر المقبل وحتى 31 مارس/آذار 2023 مقارنة بمتوسط استهلاكها في السنوات الخمس الماضية.
وجاء في بيان للاتحاد الأوروبي أن الاتفاق رد على روسيا التي تستخدم إمدادات الطاقة سلاحا ضد دول الاتحاد. وأوضح بيان الاتحاد أن خفض الاستهلاك هدفه توفير الاحتياجات اللازمة لفصل الشتاء، استعدادا لقطع محتمل للغاز من روسيا.
من جهته، قال وزير الصناعة والتجارة التشيكي جوزيف سيكيلا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخفق في تقسيم الاتحاد الأوروبي، متعهدا بعدم السماح بتهديد أمن الأوروبيين بقطع إمدادات الغاز.
وأضاف سيكيلا، في مقابلة مع الجزيرة، أن الأوروبيين اتفقوا على الحد من الاعتماد على الغاز الروسي بنسبة 15%، واتخاذ إجراءات في حال قطع إمدادات الغاز.
خلافات أوروبية
انخفاض تدفق الغاز الروسي نحو أوروبا يأتي في وقت تشكل فيه واردات الغاز الروسي لأوروبا نحو 68% من مجمل صادرات شركة "غازبروم" الروسية، وفق بيانات الشركة لعام 2020.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية فإنّ الدخل الناتج من صادرات الغاز والنفط شكّل في يناير/كانون الثاني 2022 ما نسبته 45% من الميزانية الفدرالية الروسية، وتدفع دول الاتحاد الأوروبي يوميا 400 مليون دولار لروسيا ثمنا للغاز.
وفي الاتحاد الأوروبي هناك دول يمثل الغاز والنفط الروسيان عصب حياة لها كالمجر التي تستورد 65% من نفطها من روسيا و80% من الغاز الذي تستخدمه.
وقبيل اعتماد خطة الدول الأوروبية بشأن خطة تخفيض الغاز، عبرت دول أوروبية عدة عن رفضها للخطة.
المجر كانت أشد المعارضين للخطة، وقد صوتت ضدها، وذهب وزير خارجيتها إلى روسيا لبحث صفقات غاز جديدة مع موسكو.
فرنسا كانت قد أعلنت أيضا رفضها للخطة، وقالت أنياس بانييه روناشير، وزيرة انتقال الطاقة الفرنسية، في وقت سابق، إنها لا تتمنى اعتماد أهداف موحدة لا تتكيف مع واقع كل طرف.
من جانبه، قال وزير الطاقة البرتغالي خواو غالامبا إن الحكومة البرتغالية لن تدعم الخطة الهادفة إلى خفض الطلب الأوروبي من الغاز بنسبة 15%.
بلجيكا، بدورها، تعارض الخطة، وفق ما ذكرت صحيفتا "ليكو" و"دي تيجد" البلجيكيتان، وقالت الصحيفتان إن بروكسل طلبت استثناءها من الطبيعة الإلزامية لهذه للخطة.
في المقابل، أشاد سفين غيغولد، وزير الدولة في وزارة البيئة الألمانية، بالاتفاق على الخطة، وقال إنه تم بأغلبية عظمى، وبمعارضة المجر فقط، على حد تعبيره، وكانت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك قد قالت أمس الثلاثاء "من المهم جدا بالنسبة لنا وقف الاعتماد على وارادات الوقود الأحفوري الروسي".
من جهتها، أشادت إسبانيا بالخطة، بعد أن كانت وزيرة البيئة الإسبانية تيريزا ريبيرا قالت، في وقت سابق، إنه "مهما حدث، فلن تنقطع الكهرباء أو الغاز عن العائلات الإسبانية، وستدافع إسبانيا عن صناعتها"، على حد تعبيرها.
اليورو والدولار
وارتفع اليورو بشكل طفيف مقابل الدولار، دون أن يتمكن من تعويض خسائره أمس الناجمة عن وقف إمدادات الغاز الروسية لأوروبا عبر خط "نورد ستريم 1".
يأتي ذلك بعد أن سجل اليورو أمس هبوطا بأكثر من 1%، نتيجة القلق من تأثير اضطراب إمدادات الغاز الروسية على الاقتصادات الأوروبية. ويشهد اليورو هبوطا زادت من حدته تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، وقد انخفض قبل نحو أسبوعين دون سعر التساوي مع الدولار، وسط مخاوف من تفاقم التضخم واحتمال دخول دول الاتحاد في ركود اقتصادي.
من جانب آخر، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن أوروبا وضعت العقبات أمام مشاريع الطاقة الروسية نورد ستريم 1 و2، وأضاف خلال لقائه ممثلي السلك الدبلوماسي الأفارقة في العاصمة الإثيوبية أن أوروبا حرمت نفسها من 50% من الغاز الروسي الرخيص دون سبب وجيه، فقط بهدف استبعاد مشاريع الطاقة الروسية.
خطة أميركية
في هذه الأثناء، بحثت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين مقترحا لفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي.
ورد ذلك في مكالمة هاتفية أجرتها أمس مع وزير المالية البريطاني ناظم الزهاوي، في خطوة تهدف للحد من تأثير الحرب في أوكرانيا على أسعار الطاقة العالمية.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، إن الوزيرين ناقشا الحاجة إلى مواصلة تسريع دعم ميزانية أوكرانيا، وفرص تشديد العقوبات المفروضة على روسيا.
تفاقم أزمة الغاز
وانخفضت شحنات الغاز عبر خط الأنابيب "نورد ستريم" اليوم الأربعاء إلى حوالي 20% من سعته حسب بيانات الهيئة الألمانية المشغلة، مما يعزز خطر حدوث نقص هذا الشتاء في أوروبا.
وقالت الهيئة المشغلة "غاسكاد" إن نحو 14.4 غيغاواتا/ساعة من شحنات الغاز الروسي تصل إلى ألمانيا منذ الساعة التاسعة (7.00 ت غ) مقارنة بنحو 29 غيغاواتا/ساعة في المتوسط في الأيام الأخيرة.
وكانت المجموعة الروسية للطاقة "غازبروم" أعلنت، الاثنين الماضي، عن هذا الانخفاض الحاد الجديد في حجم الشحنات الذي يأتي في أجواء أزمة الطاقة بين موسكو والغرب منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
في الوقت نفسه، أعلنت مجموعة إيني الإيطالية أن غازبروم أبلغتها أن شحنات الغاز ستكون محددة بـ27 مليون متر مكعب الأربعاء في مقابل 34 مليونا "في الأيام الأخيرة".
وقبل الحرب في أوكرانيا، كان "نورد ستريم" ينقل حوالى 73 غيغاواتا في الساعة لتزويد ألمانيا -التي تعتمد خصوصا على الغاز الروسي- وكذلك الدول الأوروبية الأخرى عبر الخط الذي يمر تحت بحر البلطيق.
لكن الإمدادات انخفضت إلى 40% عن المعدل الطبيعي بحلول منتصف يونيو/حزيران قبل إغلاق الخط بشكل كامل لمدة 10 أيام لأعمال الصيانة السنوية بين 11 و21 يوليو/تموز. ومنذ ذلك الحين استؤنف تدفق الغاز.
ويؤدي النزاع إلى ارتفاع أسعار الغاز الأوروبي التي سجلت الثلاثاء أعلى مستوى لها منذ مارس/آذار.