قرارات السيسي الاقتصادية.. تساؤلات عن الجدوى والتوقيت
القاهرة – لا حديث يعلو في مصر على الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي تهدد مسيرة 8 سنوات من ما تصفه الحكومة المصرية بالإصلاح الاقتصادي، وذلك على وقع الحرب الروسية على أوكرانيا، وما نجم عنها من تأثيرات اقتصادية سلبية.
ويبدو أن ذلك ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إعلان حزمة قرارات اقتصادية لمواجهة الأزمة، فهل تساعد تلك القرارات في معالجة ارتفاع الأسعار والحد من موجة التضخم وتصحيح المسار الاقتصادي؟
وخلال حفل إفطار الأسرة المصرية في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، جاءت أبرز تكليفات السيسي الاقتصادية إلى الحكومة بشأن التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية كالآتي:
- تكليف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات.
- تكليف الحكومة بتعزيز كافة أوجه الدعم المقدم لمزارعي القمح.
- إطلاق مبادرة لدعم وتوطين الصناعات الوطنية.
- عرض حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية قبل نهاية العام الجاري.
- عرض حصص من شركات مملوكة للجيش في البورصة.
- تعزيز دور القطاع الخاص في توسيع القاعدة الصناعية للصناعات الكبرى والمتوسطة.
- تكليف الحكومة بعرض رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة المصرية.
- تكليف الحكومة بعقد مؤتمر صحفي عالمي لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية.
توصيات سابقة ومتكررة
تأتي هذه القرارات استجابة لتوصيات سابقة ومتكررة لخبراء ومؤسسات ودوريات اقتصادية عالمية، خاصة مع تهميش دور القطاع الخاص في مصر، والاعتماد على القروض بشكل واسع لتأمين الموارد المالية سواء للمشروعات القومية أو الموازنة العامة.
وفي خطوة كشفت عمق الأزمة المالية التي تمر بها مصر، قرر البنك المركزي في نهاية مارس/آذار الماضي اتخاذ سلسلة إجراءات قاسية تمثلت في خفض قيمة الجنيه أمام العملات الصعبة نحو 19% ورفع سعر الفائدة 1% وعرض شهادات ادخارية بفائدة مرتفعة بلغت 18% لمدة عام، طلبت الحكومة المصرية على إثرها رسميا دعما من صندوق النقد الدولي للمساعدة في تخفيف التداعيات الاقتصادية.
ومنذ عام 2016 وافق صندوق النقد الدولي على منح مصر 3 قروض بلغت قيمتها مجتمعة 20 مليار دولار أميركي، لكن يبدو أنها لم تكن كافية لوضع الاقتصاد المصري على الطريق الصحيح، وجعله قادرا على امتصاص الأزمة الاقتصادية العالمية.
تصريحات جديدة لقرارات قديمة
قرارات السيسي، وفق خبراء ومحللين اقتصاد، هي جزء من تعهدات متكررة قدمها في أكثر من مناسبة؛ لكن لم تكن هناك خطوات جدية لتطبيقها على أرض الواقع، وذلك في ظل تدفقات المستثمرين الأجانب في أدوات وسندات الدين بسخاء، وعقد المزيد من اتفاقيات القروض الدولية، وبالتالي بقاء الوضع كما هو عليه.
لكن يبدو أن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، قد وفرت إحساسا جديدا بضرورة تنفيذ المقترحات، وفقا لتقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times) قبل أيام، حيث أجبر الصراع مصر على خفض قيمة عملتها في مارس/آذار الماضي وطلب الدعم من صندوق النقد الدولي لتوفير بعض الطمأنينة للمستثمرين.
وأوضحت الصحيفة أن نفوذ المؤسسة العسكرية الآخذ بالاتساع في الاقتصاد، قد أعاق بعض المستثمرين من القطاع الخاص والأجانب بسبب مخاوف بشأن المنافسة مع أقوى مؤسسة في البلاد، مشيرة إلى أن الجيش يمتلك العشرات من الشركات في مجموعة من القطاعات من إنتاج الغذاء والتعليم إلى الصناعة والعقارات.
فهل تنجح مبادرة السيسي في ترميم الشروخ الكبيرة في الاقتصاد، أم هي دعوة لتقاسم الخسائر بعد أن نفذت الحيلة والوسيلة؟ وهل هناك وقت كاف لتطبيق تلك القرارات التي سارت الحكومة فيها ببطء شديد في الوقت الذي تضييق فيه الأزمة الخناق على الاقتصاد المصري المتدهور كما تصفه مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا.
عدم الكفاءة وتدهور الاستثمار
السيسي أعرب في وقت سابق عن إحباطه من أداء حكومته، وذكر عند افتتاح مصنع كيميائيات جديد في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الدولة ليست جيدة في إدارة الاقتصاد، وقال "إننا بحاجة إلى القطاع الخاص، لقد ثبت أننا غير أكفاء في الإدارة"، وفق مجلة "إيكونوميست" (The Economist) البريطانية.
كما أظهر "مؤشر مديري المشتريات" (مقياس يظهر ظروف العمل والتشغيل في القطاع الخاص غير المنتج للنفط) انكماش الإنتاج الخاص في جميع الأشهر الـ 60 الماضية باستثناء 9 أشهر، وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر من 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2016-2017 إلى 1.3% في السنة المالية 2020-2021.
ومن المنتظر أن تعلن الحكومة المصرية تفاصيل "وثيقة سياسة ملكية الدولة"، في إطار إعداد إستراتيجية قومية لتمكين القطاع الخاص، وتحديد أنشطة وجود الدولة والقطاع الخاص بغرض بث رسالة اطمئنان للمستثمر المحلي، وأن تكون عنصر جذب للاستثمار الأجنبي، وتساهم في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية.
في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة هاني جنينة، أن تطبيق تلك القرارات الاقتصادية سيكون لها أثر إيجابي في تقليل الضغط على الموازنة العامة للدولة، وتمكينها من تقليص عجز الموازنة تدريجيا؛ وبالتالي السيطرة على معدلات الدين العام.
وأوضح جنينة -في تصريحات صحفية- أن زيادة دور القطاع الخاص سيضع حدا لتدهور الاستثمار الخاص بعد عام 2010، حيث انخفضت نسبة الاستثمار الخاص من حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009-2010، إلى نحو 2.5% من الناتج المحلي في عام 2020-2021 وذلك مع إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار.
قرارات كبيرة وتحركات بطيئة
وفي إجابته عن سؤال إذا ما كانت حزمة قرارات السيسي الاقتصادية الأخيرة تشكل انفراجة للقطاع الخاص ومؤشرا على تخلي الدولة عن هيمنتها على مفاصل الاقتصاد، وإنعاش الوضع المتأزم، قال الخبير الاقتصادي والإستراتيجي علاء السيد، إن "تغيير مسار الاقتصاد التقليدي الذي تهيمن عليه الدولة والمؤسسة العسكرية لا يتحقق في يوم وليلة، ومردودها الاقتصادي يحتاج إلى وقت فيما تداهم الأزمة الاقتصادية البلاد بقوة ومن الصعب تخلي الدولة عن سيطرتها".
ورهن السيد -في حديثه للجزيرة نت- حدوث أي انفراجة حقيقية باتخاذ خطوات عملية نحو تصويب أوضاع خاطئة كثيرة وبث رسائل مطمئنة للمستثمرين المحليين والأجانب، مثل الإفراج عن مؤسس شركة جهينة للألبان والعصائر ورئيس مجلس إداراتها صفوان ثابت ونجله سيف، بعد الزج بهما في السجن من أجل السيطرة على شركتهما، على حد قوله.
وتطرقت مجلة "إيكونوميست" إلى قضية عائلة ثابت كمثال على تحكم الجيش بالاقتصاد وقيام السلطات بالتضييق على رجال الأعمال والقطاع الخاص، الأمر الذي تسبب في سوء الاقتصاد والإخفاق في بناء قاعدة تصنيعية، وكبح قدوم المستثمرين الأجانب، وفق وصف المجلة.
وقالت المجلة البريطانية في تقرير لها نهاية أبريل/نيسان الماضي، إن جهينة لتصنيع الألبان والعصائر -وهي أكبر شركة من نوعها في البلاد- يباع إنتاجها من الحليب والزبادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، وكانت واحدة من أكثر الشركات قيمة في بورصة القاهرة ومثار إعجاب المستثمرين الأجانب، ومع ذلك واجهت، في ظل الحكم الحالي "ابتزازا على غرار المافيا" وفق تعبير المجلة.
ورأى السيد أن حزمة القرارات الأخيرة هي بمثابة محاولة للهروب للإمام، لكنها قرارات مكررة لم تتخذ فيها السلطات المصرية أي خطوات حقيقية على أرض الواقع، ومحاولة لكسب الوقت وكسب ثقة معدومة تجاه ما سماه بخطورة الاستثمار المباشر في دولة يتحكم الجيش في اقتصادها، وفق تعبيره.
وأعرب الخبير الاقتصادي عن اعتقاده أن هذه القرارات التي مفادها إفساح الطريق أمام عودة القطاع الخاص، جاءت بعد أن أصيبت شركات الجيش بالتخمة من حجم الأعمال والمشروعات التي حصل عليها بالأمر المباشر، ولم يعد لديها القدرة البشرية ولا المادية لأخذ المزيد، أو إنجاز المتبقي معها، ولا توجد سيولة في الدولة لاستكمالها، وهذا مربط الفرس، وفق اعتقاده.