مصر تواجه خفض تصنيفها الائتماني لأول مرة منذ 2013.. ما دلالات ذلك؟

البنك المركزي المصري
"موديز" تعدل نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية (الأوروبية)

القاهرة– انعكست الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر على تصنيفها الائتماني بعد أن غيرت وكالة "موديز" (Moody’s) النظرة المستقبلية إلى سلبية بدلا من مستقرة، ولكنها أبقت تصنيفها عند "بي 2" (B2)، محذرة من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض تصنيف البلاد للمرة الأولى منذ مارس/آذار 2013.

وتراجعت الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي المصري بنسبة 10% لتصل إلى 37.1 مليار دولار منذ فبراير/شباط الماضي مع تدخّل البنك المركزي لتعويض التدفقات الأجنبية الخارجة وسداد خدمة الديون وشراء السلع الإستراتيجية.

ومنذ بداية العام، شهدت مصر خروج رؤوس أموال (أموال ساخنة) بقيمة 20 مليار دولار وتحديدًا منذ بدء الفدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة، إلا أنها تلقت دعما عاجلا بنحو 12 مليار دولار من الدول الخليجية في شكل ودائع واستثمارات، حسب مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري.

A man withdraws money from an ATM machine at the National Bank of Egypt (NBE) in Cairo, Egypt, April 23, 2020. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلي سيؤدي إلى تفاقم مخاطر السيولة وتحديات القدرة على تحمل الديون (رويترز)

لكن ماذا تعني النظرة المستقبلية السلبية لموديز؟

تعني ارتفاع مخاطر تراجع قدرة الدولة السيادية على امتصاص الصدمات الخارجية في ظل التراجع الكبير في احتياطي النقد الأجنبي لمواجهة مدفوعات خدمة الدين الخارجي القادمة.

ورغم أن الموقف الخارجي للاقتصاد لا يزال مدعومًا بالالتزامات المالية الكبيرة التي تعهدت بها الحكومات المصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي واحتمال وجود برنامج جديد لصندوق النقد الدولي، بحسب موديز، فإن تشديد شروط التمويل العالمي يزيد من خطر حدوث تدفقات أضعف مما تتوقع الوكالة حاليًا.

إلا أن موديز أشارت إلى مخاطر أبعد تشمل المخاطر السياسية "لا سيما في سياق الزيادة الحادة في تضخم أسعار المواد الغذائية، التي إذا لم يتم تخفيفها، يمكن أن تزيد التوترات الاجتماعية، وفقًا لتقييم موديز، لأهمية المخاطر الاجتماعية للائتمان السيادي".

وأكدت الوكالة أن "ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلي، في حال استمراره، سيؤدي إلى تفاقم مخاطر السيولة وتحديات القدرة على تحمل الديون، وكلاهما من نقاط الضعف طويلة الأمد في ملف الائتمان في مصر".

وتُعدّ موديز أول من يخفض نظرته المستقبلية لمصر إلى سلبية؛ إذ أبقت وكالتا "فيتش" (Fitch) و"ستاندرد آند بورز" (S&P) أبريل/نيسان الماضي على التصنيف الائتماني لمصر عند "بي بي" (BB) و"بي+" (+B) على التوالي، مع نظرة مستقبلية مستقرة، رغم الضغوط على ميزان المدفوعات بسبب الحرب في أوكرانيا.

وتشير البيانات الحكومية إلى ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنهاية العام الماضي إلى 145.5 مليار دولار، ويمثل مجموع أقساط الدين والفوائد 86% من إيرادات الدولة في موازنة العام المالي الحالي.

حسب موديز، لا يزال التصنيف "بي 2" (B2) مدعومًا بالاستجابة الاستباقية للحكومة للأزمة وسجل حافل في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي والمالي على مدى السنوات الست الماضية، ورجحت أن تساعد قاعدة التمويل المحلية الواسعة والمخصصة في مصر في التغلب على شروط التمويل المتشددة.

 الموقف المصري الرسمي

الحكومة المصرية استقبلت التقرير بحفاوة في ما يتعلق بتثبيت التصنيف الائتماني لمصر، ولكنها تجاهلت الشق الآخر المتعلق بتغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، وقال نائب وزير المالية، أحمد كجوك، إن التقرير يعكس وجود قدر متنوع من الإيجابيات، أهمها السياسات الاستباقية التي اتخذتها الحكومة المصرية في التعامل مع تداعيات الأزمات المركبة الحالية والتي تواجه الاقتصاد العالمي بشكل عام.

وأوضح كجوك، في بيان يوم الجمعة الماضي، أن التقرير أشاد بمعدلات النمو المرتفعة والقوية المحققة، وقدرة مصر على جذب مزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على ضوء قرار الدولة المصرية بالتوسع وتنشيط عملية التخارج من بعض الأنشطة وطرح العديد من المشروعات والأصول للقطاع الخاص.

وواصل سعر الجنيه المصري تراجعه أمام الدولار إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 5 سنوات، وتحديدا منذ فبراير/شباط 2017، وسجل سعر شراء الدولار الواحد في تعاملات البنوك المحلية، اليوم الأحد، 18.58 جنيها، وسعر البيع 18.63 جنيها.

وخسر الجنيه المصري منذ 21 مارس/آذار الماضي نحو 19% من قيمته، مما أدى إلى تصاعد معدلات التضخم -الذي سجل 13.1% في أبريل/ نيسان الماضي- ودفع البنك المركزي إلى رفع معدلات الفائدة 3% في اجتماعين متتاليين بهدف السيطرة على التضخم وجذب الاستثمارات الأجنبية لأدوات الدين المصرية.

إلا أنه بعد ارتفاع التضخم السنوي إلى 13.1%، تحولت معدلات الفائدة على الجنيه المصري إلى سلبية -عند تعديلها وفقا للأسعار- للمرة الأولى منذ عام 2018، حسب موقع "بلومبيرغ" الاقتصادي.

وتُقدر مصر كلفة الأثر المباشر للحرب الروسية الأوكرانية على موازنتها بنحو 130 مليار جنيه سنويا (نحو 7.1 مليارات دولار)، حسب رئيس الوزراء المصري الذي أوضح أيضا أن كلفة الأثر غير المباشر للحرب الروسية الأوكرانية على موازنة مصر تقدّر بنحو 335 مليار جنيه سنويا (18.3 مليار دولار).

حقيقة التصنيف B2

يقول مستشار التمويل والاستثمار الدولي، الدكتور علاء السيد، "في البداية علينا شرح أن هذا التصنيف (B2) يعد ترتيبه الـ15 بين 20 ترتيبا بقائمة التصنيف الائتماني للحكومات طويلة الأجل الخاصة بمؤسسة موديز، وهي مقسمة لعدة مجموعات ولكل مجموعة منها سمات ودلائل تتعلق بدرجات اليقين في القدرة على السداد و درجات المخاطرة".

وأوضح، في تصريحات للجزيرة نت، أن التصنيفات الخاصة بمؤسسة موديز الأميركية من الدرجات "بي 1، بي 2، بي 3" (B1, B2, B3) تعني أن الالتزامات الائتمانية لهذه الدولة أو المؤسسة المصنفة بهذه الدرجات التزامات غير يقينية (مخاطرة) أو معتمدة على مجرد التخمين وتعد مخاطرها الائتمانية مرتفعة.

علاء السيد يرى أن خطر تعديل التصنيف إلى سلبي سيتسبب في رفع الفائدة على القروض الأجنبية الجديدة المتوقعة للدولة ولمؤسساتها، بل وللبنوك والشركات المصرية؛ بسبب ارتفاع درجة المخاطرة وانعدام اليقين في السداد

وأضاف السيد، "هذا التصنيف يعد طاردا للاستثمارات الأجنبية ومثبطا للاستثمارات المحلية، والأخطر… أنه تصنيف طارد لجهات التمويل".

ولفت إلى أن خطر تعديل التصنيف إلى سلبي سيتسبب في رفع الفائدة على القروض الأجنبية الجديدة المتوقعة للدولة ولمؤسساتها، بل وللبنوك والشركات المصرية؛ بسبب ارتفاع درجة المخاطرة وانعدام اليقين في السداد.

الحقيقة المرة -وفقا للخبير الاقتصادي- هي أن النزول بالتصنيف إلى سلبي يعد أخطر ضربة دولية للاقتصاد المصري منذ سنوات طويلة وستكون له آثار بالغة السلبية ربما لن تتحملها الحكومة ولا الشعب الذي يعاني تداعيات الركود التضخمي وتسونامي الأسعار والبطالة المقنعة.

الديون تلتهم الموازنة

وأدى توسع الحكومة المصرية في الاقتراض الداخلي والخارجي إلى استحواذ فوائد الدين الحكومي وأقساطه على نسبة 54% من إجمالي الإنفاق بالموازنة الجديدة للعام المالي 2022/2023 الذي يبدأ مطلع يوليو/تموز القادم.

في غضون ذلك، ذكر تقرير لـ"رويترز" أن ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة وحذر المستثمرين الأوسع نطاقا من الأسواق الناشئة تشير إلى أن مصر ربما تدفع مبالغ باهظة لتمويل عجز متوقع قدره 30 مليار دولار في ميزانية السنة المالية التي تبدأ يوليو/تموز المقبل.

وفي عام 2021، احتلت مصر المرتبة 158 بين 189 دولة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والمرتبة 100 في نصيب الفرد من الديون.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، بلغت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي 91.6%، ارتفاعا من 87.1% في عام 2013.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية