هل ارتكب الاحتياطي الفدرالي الأميركي خطأ تاريخيا بشأن التضخم؟

الانكماش الأميركي يخيم على الاقتصاد العالمي كجزء من خطر ثلاثي، إلى جانب أمن الطاقة في أوروبا وصراع الصين لقمع كوفيد-19.

Federal Reserve Building, Washington DC, USA.
خلال الستين عاما الماضية، نجح بنك الاحتياطي الفدرالي في 3 مناسبات فقط في إبطاء الاقتصاد الأميركي بشكل كبير دون التسبب في انكماش (شترستوك)

يقول تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" (The Economist) البريطانية إن الاحتياطي الفدرالي الأميركي ارتكب خطأ تاريخيا بشأن التضخم، وما سيأتي بعد ذلك سوف يمهد الطريق للاقتصاد العالمي.

وأوضح أن المفترض هو أن تمنح البنوك المركزية الثقة في الاقتصاد بإبقاء التضخم منخفضا ومستقرا. فقد عانى الاحتياطي الفدرالي في أميركا من فقدان السيطرة بشكل مروع.

وفي مارس/آذار الماضي كانت أسعار المستهلك أعلى بنسبة 8.5% عن العام السابق، وهو أسرع ارتفاع سنوي منذ عام 1981. والآن يقول ما يقرب من خُمس الأميركيين إن التضخم هو أهم مشكلة في البلاد؛ إذ أطلق الرئيس جو بايدن النفط من الاحتياطيات الإستراتيجية في محاولة لكبح أسعار البنزين؛ ويبحث الديمقراطيون عن أشرار يلومونهم، من الرؤساء الجشعين إلى فلاديمير بوتين.

ويضيف التقرير أنه ومع ذلك، فإن الاحتياطي الفدرالي هو الذي يمتلك الأدوات لوقف التضخم وفشل في استخدامها في الوقت المناسب. والنتيجة هي أسوأ حالة من الانهاك في اقتصاد كبير وغني في حقبة 30 عاما من استهداف البنوك المركزية للتضخم. والنبأ السار هو أن التضخم ربما بلغ ذروته أخيرا.

لكن هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2% سيظل بعيد المنال؛ مما يفرض خيارات مؤلمة على البنك المركزي.

ويشير المدافعون عن صانعي السياسة الأميركيين إلى ارتفاع الأسعار السنوي بنسبة 7.5% في منطقة اليورو و7% في بريطانيا كدليل على وجود مشكلة عالمية، مدفوعا بارتفاع أسعار السلع، خاصة منذ حرب روسيا على أوكرانيا.

ويُعزى ما يقرب من 3 أرباع التضخم في منطقة اليورو إلى الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة والغذاء.

هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2% سيظل بعيد المنال مما يفرض خيارات مؤلمة على البنك المركزي (شترستوك)

المعدلات المرتفعة

وقال التقرير إن أميركا تستفيد من وفرة الغاز الصخري، وتعني دخولها المرتفعة أن المواد الأساسية لها تأثير أقل على متوسط ​​الأسعار، مشيرا إلى أنه إذا استبعدنا الطاقة والغذاء سيصل التضخم في منطقة اليورو إلى 3%، لكن في أميركا سيبلغ 6.5%.

إضافة لذلك، من الواضح أن سوق العمل في أميركا، على عكس أوروبا، يعاني من فرط النشاط، حيث تنمو الأجور بمعدل متوسط ​​يبلغ 6% تقريبا. وربما تعني الانخفاضات الأخيرة في أسعار النفط والسيارات المستعملة والشحن أن التضخم سينخفض ​​في الأشهر المقبلة. لكنها ستبقى مرتفعة للغاية، بالنظر إلى الضغط التصاعدي الأساسي على الأسعار.

ومضى التقرير يقول إن أميركا كانت على طريق فريد من نوعه بسبب التحفيز المالي المفرط الذي قدمه بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار، والذي أقر في مارس/آذار 2021.

وقد أضاف جاذبية إضافية إلى الاقتصاد الذي كان يتعافى بسرعة بالفعل بعد جولات متعددة من الإنفاق، ورفع إجمالي التحفيز الوبائي إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى نسبة في العالم الغني.

ومع اقتراب البيت الأبيض من زيادة السرعة، كان يتعين على بنك الاحتياطي الفدرالي استخدام المكابح. لكن لم يفعل ونشأ تردده جزئيا من صعوبة التنبؤ بمسار الاقتصاد أثناء الوباء، وكذلك من ميل صانعي السياسة إلى خوض الحرب الأخيرة.

وخلال معظم العقد الذي أعقب الأزمة المالية العالمية في 2007-2009، توقف الاقتصاد عن العمل وكانت السياسة النقدية متشددة للغاية.

وفي سبتمبر/أيلول 2020، قام بنك الاحتياطي الفدرالي بتدوين وجهات نظره الجديدة من خلال الوعد بعدم رفع أسعار الفائدة على الإطلاق حتى يصل التوظيف بالفعل إلى أقصى مستوى مستدام. لقد كفل تعهده أنه سيتخلف كثيرا عن المنحنى. وقد رحب به النشطاء اليساريون الذين أرادوا إضفاء روح المساواة على إحدى المؤسسات الوظيفية القليلة في واشنطن.

وكانت النتيجة فوضى يحاول بنك الاحتياطي الفدرالي الآن فقط إزالتها، إذ توقع في ديسمبر/كانون الأول الماضي ارتفاعا طفيفا قدره 0.75 نقطة مئوية في أسعار الفائدة هذا العام. واليوم من المتوقع زيادة 2.5 نقطة. ويعتقد كل من صانعي السياسة والأسواق المالية أن هذا سيكون كافيا لإيقاف التضخم. وربما كانوا متفائلين أكثر من اللازم مرة أخرى.

وتتمثل الطريقة المعتادة لكبح جماح التضخم في رفع أسعار الفائدة فوق مستواها المحايد -الذي يُعتقد أنه حوالي 2-3%- بأكثر من ارتفاع التضخم الأساسي. ويشير ذلك إلى معدل الأموال الفدرالية بنسبة 5-6%، غير مرئي منذ عام 2007.

إن المعدلات المرتفعة من شأنها أن تعمل على ترويض ارتفاع الأسعار، ولكن باستخدام الركود المصطنع.

وخلال الستين عاما الماضية، نجح بنك الاحتياطي الفدرالي في 3 مناسبات فقط في إبطاء الاقتصاد الأميركي بشكل كبير دون التسبب في انكماش. ولم يفعل ذلك أبدا وتسبب في أن يبلغ التضخم مستوى مرتفعا كما هو عليه اليوم.

federal reserve system sign on twenty dollars banknote closeup
التضخم يساعد الحكومة الفدرالية بالفعل بتقليص القيمة الحقيقية لديونه (شترستوك)

الانكماش الأميركي

ويقول التقرير إن الانكماش الأميركي يخيم على الاقتصاد العالمي كجزء من خطر ثلاثي، إلى جانب أمن الطاقة في أوروبا وصراع الصين لقمع كوفيد-19.

ولدى البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل على وجه الخصوص الكثير لتخسره من ارتفاع الأسعار بشكل حاد في الاحتياطي الفدرالي، الأمر الذي سيغري رأس المال ويضعف أسعار الصرف، خاصة إذا أدى الانكماش العالمي إلى إضعاف الطلب على صادراتها في نفس الوقت.

وتساءل التقرير عما إذا كان لدى الاحتياطي الفدرالي الجرأة لإلحاق مثل هذه الآلام الاقتصادية؟ وقال "يدافع العديد من الاقتصاديين عن تضخم أعلى، لأن أسعار الفائدة على المدى الطويل سترتفع جنبا إلى جنب، مما يرفعها بعيدا عن الصفر، حيث يصعب خفض أسعار الفائدة إلى ما دونها في حالة حدوث أزمة".

ويساعد التضخم الحكومة الفدرالية بالفعل بتقليص القيمة الحقيقية لديونها. ففي حوالي عام 2025، عندما يراجع بنك الاحتياطي الفدرالي إطار صنع السياسة الخاص به، ستتاح له الفرصة لرفع الهدف. ولا يوجد شيء مميز حول 2%، باستثناء حقيقة أن الاحتياطي الفدرالي قد وعد بذلك في الماضي.

كلمتي هي صكي

واستمر التقرير يوضح أن التضخم المستقر والمتواضع فوق 2% قد يكون مقبولا بالنسبة للاقتصاد الحقيقي، ولكن لا يوجد ضمان لموقف بنك الاحتياطي الفدرالي اليوم يمكن أن يحقق ذلك. وكسر الوعود له عواقب.

ويضيف التقرير أن ذلك يضر حاملي السندات طويلة الأجل، بما في ذلك البنوك المركزية الأجنبية والحكومات التي تمتلك ما قيمته 4 تريليونات دولار من سندات الخزانة.

كما أن عقدا من التضخم الذي بلغت نسبته 4% بدلا من 2% من شأنه أن يخفض القوة الشرائية للأموال المسددة في نهاية تلك الفترة بنسبة 18%.

وحتى إذا خالفت أميركا وعودها بشأن التضخم في الأوقات الصعبة، فقد يخشى المستثمرون من أن البنوك المركزية الأخرى التي ينظر الكثير منها إلى الحكومات المثقلة بالديون ستفعل الشيء نفسه.

ففي ثمانينيات القرن الماضي، أرست فترات الركود التي سببها بنك الاحتياطي الفدرالي بقيادة بول فولكر الأسس لأنظمة استهداف التضخم في جميع أنحاء العالم. وكل شهر يتزايد التضخم بشدة، ويتلاشى جزء من تلك المصداقية التي تحققت بشق الأنفس.

 

المصدر : إيكونوميست