دمج الموانئ المصرية وطرحها في البورصة.. هل تنجح الحكومة في وقف نزيف اقتصادها؟

مصر تستهدف جذب نحو 40 مليار دولار استثمارات من القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي.

يوجد بمصر 15 ميناء تجاري و27 ميناء تخصصي- مواقع التواصل الاجتماعي
مصر يوجد بها 15 ميناء تجاريا و27 ميناء تخصصيا (مواقع التواصل)

القاهرة– بدعوى تنشيط سوق الأوراق المالية وزيادة تنافسيتها، أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، حزمة من الإجراءات الاقتصادية من بينها دمج أكبر 7 موانئ بحرية تحت مظلة شركة واحدة استعدادا لطرحها في البورصة.

وقال رئيس الوزراء إن الحكومة تستهدف زيادة نسبة القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة إلى 65% خلال 3 سنوات مقارنة بـ30% في الوقت الراهن.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي، عقد مطلع الأسبوع الجاري، وصفته وسائل إعلام محلية بالمؤتمر العالمي لطرح آليات الحكومة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وأشار المسؤول الحكومي إلى أن بلاده تستهدف جذب نحو 40 مليار دولار استثمارات من القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي للمشاركة في الأصول المملوكة للدولة، بواقع 10 مليارات دولار سنويا على مدار 4 سنوات مقبلة.

وأعلن وزير النقل، كامل الوزير، الموانئ المؤهلة للطرح بالبورصة، وهي دمياط والإسكندرية وشرق بورسعيد وغرب بورسعيد والعين السخنة وسفاجا والأدبية.

وأكد -في تصريحات متلفزة- أن الاتجاه الجديد في التعامل مع الشركات الحكومية لا يعني بيعها لجهات أجنبية.

ومنذ مارس/آذار الماضي، يتحدث مسؤولون رسميون عن طرح إستراتيجية لتخارج الحكومة من مؤسسات اقتصادية كاملة لصالح القطاع الخاص تحت مسمى "وثيقة ملكية الدولة".

تطوير الموانئ

يأتي التوجه لدمج الموانئ الوطنية ومن ثم طرحها في البورصة في ظل مساعي حكومية لتطوير تلك الموانئ عبر الدخول في شراكات مع كيانات دولية متخصصة.

الأسبوع الماضي، وقع وزير النقل اتفاقا مع تحالف عالمي يعمل بمجال الخطوط الملاحية العالمية لبناء وإدارة وتشغيل واستغلال محطة الحاويات الثانية بميناء دمياط .

ويضم التحالف الذي سيتولى تطوير الميناء المصري 3 شركات هي "يوروجيت ألمانيا"، و"كونتشيب إيطاليا"، و"هاباغ لويد"، إلى جانب شركتين محليتين، وإجمالي استثمارات المرحلة ‏الأولى من المشروع يصل إلى 500 مليون دولار يتم ضخها بمجرد توقيع العقد، وفق تصريحات وزير النقل.

وأبريل/نيسان الماضي، شهد وزير النقل توقيع الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر مذكرة الشروط والأحكام لمنح حق الالتزام لإدارة وتشغيل وإنشاء البنية الفوقية للمحطة متعددة الأغراض بميناء سفاجا البحري، مع تحالف مجموعة موانئ أبو ظبي التابعة لشركة أبو ظبي القابضة وشركة المجموعة المصرية للمحطات متعددة الأغراض.

كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر وشركة أبوظبي للموانئ بشأن التعاون في مجال تطوير وإدارة وتشغيل أرصفة ومحطات للسفن السياحية في موانئ شرم الشيخ والغردقة وسفاجا وتقديم خدمات ذات صلة بأعمال السفن السياحية.

وأكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت موانئ دبي العالمية ومؤسسة تمويل التنمية والمستثمرين المؤثرين في المملكة المتحدة "سي دي سي" (CDC)، دخولهما في شراكة طويلة المدى بهدف تسريع القدرات التجارية في قارة أفريقيا، مستهدفة موانئ السخنة في مصر، وداكار في السنغال، وبربرة في الصومال.

وذكرت مجموعة "سي دي سي" -في بيان لها- أن ميناء السخنة سيدعم نمو صناعات التصدير، وسيدفع التوسع والتطوير المستمر بالميناء إلى زيادة الوصول إلى السلع والمواد الغذائية الأساسية لـ16 مليون شخص داخل مصر.

ويوجد في مصر 15 ميناء بحريا تتبع 4 هيئات لإدارة الموانئ وهي هيئة ميناء الإسكندرية، وهيئة موانئ البحر الأحمر، وهيئة ميناء دمياط، والمنطقة الاقتصادية.

كما يوجد 27 ميناء تخصصيا، موزعة بين 14 ميناء بتروليا، و6 موانئ تعدينية، و7 موانئ سياحية.

قوة وتهديد

بوجه عام فإن كافة عمليات الدمج تحقق وفورات كثيرة وتعطي قوة كبيرة للكيان الاقتصادي الجديد، وفق ما أكد الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب.

وبيّن أن عمليات دمج كيانات متعددة تؤدي إلى زيادة أصول الشركة الجديدة، إلى جانب تقليل رقم الخصوم إلى إجمالي الأصول.

وأضاف عبد المطلب -في حديثه للجزيرة نت- أن الدمج ليس جديدا على قطاع الأعمال المصري، فمنذ صدور قانون القطاع العام رقم 203 لسنة 1991، تم دمج وتجميع عدد كبير من شركات القطاع العام المصري في عدة شركات قابضة، تتبعها شركات تابعة، وما سيحدث مع الموانئ هو المنهج نفسه، حسب قوله.

وحول إذا ما كان طرح الموانئ بالبورصة قد يشكل خطرًا على الأمن القومي للبلد، قال الخبير الاقتصادي إن الموانئ نوافذ للاتصال مع العالم الخارجي، ومن خلالها يمكن خروج ودخول البضائع والأشخاص بشكل شرعي وغير شرعي.

واستطرد "يمكن لأي كيان معاد أن يلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد والأمن القومي المصري إذا تمكن من التحكم في موانئ البلاد"، لافتا إلى أن أضرار وفوائد عمليات الطرح بالبورصة تتوقف على نسبة هذا الطرح والكيانات أو الأشخاص المستحوذين على النسبة الأكبر من أسهم هذه الشركات.

وأردف "أما إذا ظلت إدارة هذه الموانئ تحت سيطرة الدولة، ورقابة الأجهزة المعنية، بمحاربة التهريب، ومنع الأعمال غير المشروعة في الموانئ، فلا أعتقد أنه سيكون هناك خطر كبير على الاقتصاد أو على الأمن القومي".

وبالنسبة للربط بين دمج الموانئ ومساعي الحكومة  للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، رأى عبد المطلب أن الإجراءات التي تستعد لها الحكومة حاليا عبارة عن خطوات استباقية لعقد اتفاق القرض القادم مع صندوق النقد الدولي.

أي أن دمج الموانئ والاستعداد لخصخصتها، أو خصخصة جزء منها هو تنفيذ لتوصيات صندوق النقد أو توجيهاته في اللقاءات التي تحدث حاليا من دون أن يتم الإعلان عما يدور فيها، وفق قول الخبير الاقتصادي.

وتوقع رئيس الوزراء المصري، خلال المؤتمر الذي عقده الأحد الماضي، التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على حزمة دعم جديدة في غضون أشهر قليلة.

وكانت صندوق النقد الدولي وافق في الربع الأخير من عام 2016 على منح القاهرة قرضا بقيمة 12 مليار دولار، تتحصل عليه في شكل شرائح خلال 3 أعوام.

وعام 2020، حصلت مصر على قرض آخر من صندوق النقد عبر برنامج الاستعداد الائتماني الذي امتد على مدار عام وشمل 3 شرائح بقيمة إجمالية 5.4 مليارات دولار، وفي العام التالي تسلمت 2.8 مليار دولار من خلال أداة التمويل السريع في أعقاب انتشار جائحة كورونا.

رأس المال الاجتماعي

وتعليقا على خبر طرح موانئ في البورصة تحت مظلة واحدة شركة واحدة، حذر رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق، عبد العظيم حماد، من المساس بما سماه رأس المال الاجتماعي.

واستطرد موضحا ماهية رأس المال الاجتماعي أنه "الأصول المملوكة للمجتمع كله -أحياء وأمواتا والذين لم يولدوا بعد- وهي تخدم كل فرد وكل طبقة وكل طرف في العلاقات الإنتاجية، وأهمها قاطبة الموارد المائية والثروات المعدنية والموانئ ثم المطارات والطرق والسكة الحديد وما يوازي ذلك من مرافق ومنشآت".

وأضاف حماد -عبر منشور مطول على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- أنه لا مانع من إدارة هذا النوع من رأس المال بأسلوب الشركات أو حتي بالامتياز شريطة أن يكون في حدود عدالة السعر والفرصة مع الرقابة الإدارية والبرلمانية.

إلى ذلك اعتبر الكاتب الصحفي إدخال الموانئ ضمن الأصول المطروحة للبيع مع شركات عامة سواء في صورة أسهم أو لمستثمر رئيسي خلطا غير علمي بين رأس المال الاجتماعي ثابت الملكية دائما للمجتمع والشركات التجارية متغيرة الملكية بطبيعتها، فضلا عن مخاطره السياسية إذا تملكه أجانب.

وتابع "لسنا ذاك الاقتصاد القوي الذي يستطيع أن يهضم ويمتص النفوذ الأجنبي في أحشائه، وليست لدينا الإدارات المتمرسة في مقاومة ذلك النفوذ، وليست لدينا تلك التقاليد البرلمانية التي تعيد كل شخص أو مؤسسة إلى الطريق المستقيم إذا حدث انحراف".

واختتم تحذيره قائلا "ابحثوا عن تمويل لمواجهة الشدة الحالية، بعيدا عن رأس مال مصر الاجتماعي".

 

 

زيادة الاستثمارات

المخاوف على الأمن القومي المصري وغياب الرقابة وما ينتج عنها من مساوئ، لم يجدها الخبير الاقتصادي، أحمد البكري، محلا للحديث عنها في ضوء خطوة دمج الموانئ.

بل عدها خطوة جيدة ستعمل على دعم قطاع الموانئ، مشددا على أن الحكومة تعي تماما أهمية قطاع الموانئ في دعم الاقتصاد القومي للدولة.

وقال -في تصريحات صحفية- إن قطاع النقل يعد من أهم القطاعات الاقتصادية التي تعتمد عليها الدولة في إطار تنمية الناتج القومي في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

وأضاف أن الحكومة تستهدف جذب رؤوس الأموال الأجنبية وزيادة الاستثمارات المحلية في إطار العمل على تنشيط حركة السوق المحلية، مما يسهم في إحداث تنمية مستدامة.

بيع للوطن أم استثمار

جدل واسع انتشر عبر منصات الإعلام الاجتماعي عقب الإعلان عن دمج موانئ مصرية، فأبدى كثيرون تخوفهم من تحالف جهات معادية للبلاد لشراء الموانئ، مما يهدد بشكل مباشر الأمن القومي، ورأوا أن ما يحدث "بيع للبلد".

في حين ارتأى آخرون أن عمليات دمج الموانئ وطرحها بالبورصة ليست سابقة تستأثر بها مصر حيث سبقتها إلى ذلك دول أخرى، من أجل تشجيع المناخ الاستثماري في ظل أزمة اقتصادية عالمية.

المصدر : الجزيرة