ما تداعيات ارتفاع أسعار النفط على الدول المستوردة؟ وما موقف الدول من حظر الخام الروسي؟
قررت أميركا حظر واردات النفط الروسية، وقالت تركيا إنها ستواصل الشراء، في حين أكدت بريطانيا أنها ستوقف الواردات، أما المفوضية الأوروبية فأعلنت أن الاتحاد سيخفض واردات الغاز الروسي بالثلثين. فما هي التداعيات؟
أميركا .. لا ضغط على الحلفاء بشأن حظر النفط الروسي
قالت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم أمس الثلاثاء إن الولايات المتحدة لا تضغط على حلفائها ليحذوا حذوها في حظر واردات النفط والطاقة الروسيين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsصندوق النقد الدولي: العواقب الاقتصادية للأزمة الأوكرانية بالغة الخطورة
العملات الرقمية.. هل تستخدمها روسيا سلاحا للالتفاف على العقوبات؟
توقعات بانكماش الاقتصاد 15%.. روسيا تواجه ضربة قوية جراء العقوبات
وأضافت في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" (CNBC) "نحن لا نعتمد كثيرا على النفط الروسي ولا نعتمد على الغاز الروسي على الإطلاق. نعلم أن حلفاءنا في جميع أنحاء العالم قد لا يكونون في الموقف نفسه. ولذا فإننا لا نطلب منهم فعل الشيء نفسه".
وفرض الرئيس الأميركي جو بايدن أمس الثلاثاء حظرا فوريا على واردات النفط والطاقة الأخرى من روسيا ردا على عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وتُصدر روسيا ما بين 7 و8 ملايين برميل يوميا من النفط الخام والوقود للأسواق العالمية.
السحب من الاحتياطات والبحث عن البدائل
وفي الولايات المتحدة أيضا قال المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية آموس هولشتاين أمس الثلاثاء إن الولايات المتحدة ودولا أخرى ستدرس سحب المزيد من براميل النفط من الاحتياطيات إذا لزم الأمر.
وأضاف هولشتاين "إذا احتجنا إلى القيام بشيء ما مرة أخرى على أساس عالمي مع حلفائنا، فسنقوم بذلك".
ووافقت الولايات المتحدة، بالاشتراك مع أعضاء آخرين في وكالة الطاقة الدولية، على بيع 60 مليون برميل من الخام إجمالا في محاولة لوقف ارتفاع أسعار النفط.
كما نقلت رويترز عن مصدرين أن المسؤولين الأميركيين طالبوا فنزويلا بتوريد جزء على الأقل من صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة كشرط لتخفيف العقوبات على كراكاس.
وقالت المصادر نفسها إن المسؤولين الأميركيين أوضحوا أن أولويتهم هي تأمين الإمدادات للولايات المتحدة النفطية وأن أي تخفيف للعقوبات الأميركية سيكون مشروطا بتصدير فنزويلا نفطها مباشرة إلى الولايات المتحدة.
الموقف التركي من حظر النفط الروسي
في تركيا قال وزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار إن أنقرة ستواصل شراء النفط الروسي وتأمل في رفع العقوبات عن إيران، مما يجلب إمدادات إضافية لتلبية الطلب العالمي.
وأضاف -في تصريحات على هامش مؤتمر سيراويك للطاقة- إن تركيا تعتمد على روسيا بـ%45 من طلبها على الغاز الطبيعي و17% من النفط و40% من البنزين.
وقال "العالم بحاجة لمزيد من النفط… يجب أن يأتي من مكان ما، من الولايات المتحدة.. من فنزويلا.. من إيران.. المملكة العربية السعودية، أو من أي مكان نريده".
وتابع أن تركيا لا يمكنها بسهولة أن تعوض إمداداتها النفطية الروسية من أماكن أخرى، مضيفا أنها "مورد قديم موثوق به".
وسبق أن استوردت تركيا نحو 200 ألف برميل يوميا من الخام الإيراني قبل أن تقرر واشنطن في 2018 انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وعاودت فرض عقوبات على طهران.
وقال بيرقدار "فجأة نزلنا إلى الصفر (توقف الإمدادات من إيران)… والآن لا يمكن أن يكون لدينا اضطراب آخر في الإمدادات، هذه المرة في روسيا".
وتأمل تركيا أن تتوصل واشنطن وطهران إلى اتفاق قريبا يعيد إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015.
الموقف الأوروبي
في بريطانيا أعلن وزير الأعمال والطاقة البريطاني كواسي كوارتنغ أمس الثلاثاء أن بلاده ستوقف واردات النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية بحلول نهاية عام 2022 ردا على التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
جاء ذلك بالتزامن مع تقديم الاتحاد الأوروبي خطة جديدة لتقليل اعتماده على مصادر الطاقة الروسية، وسط ارتفاع أسعار الطاقة إلى حد كبير.
وقالت وزارة الأعمال البريطانية في بيان إن وقف واردات النفط الروسي لن يكون فوريا، بل سيتم بشكل "يمنح بريطانيا وقتا كافيا لتعديل سلاسل الإمداد ودعم الصناعة والمستهلكين"، حيث ستعمل الحكومة مع الشركات لدعمها في إيجاد البدائل.
وأضاف البيان أن قرار بريطانيا جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والشركاء الدوليين الآخرين.
كما قال رئيس الوزراء بوريس جونسون إن حظر واردات النفط الروسية هو خطوة أولى فقط.
من جهتها قالت المفوضية الأوروبية في بيان إن الاتحاد الأوروبي سيخفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين هذا العام وسيتخلص تماما من احتياجاته الإجمالية من النفط والغاز الروسي قبل عام 2030.
وأوضحت المفوضية أن الاتحاد يخطط للقضاء على اعتماده على الغاز الروسي عن طريق تنويع إمدادات الغاز من خلال زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب من موردين غير روسيين.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في حوالي 40% من غازه الطبيعي، وترتفع هذه النسبة عند بعض الدول مثل ألمانيا (55%) التي أكدت بأنه لا يوجد بديل "في الوقت الراهن". كما تزود روسيا الاتحاد بحوالي 27% من النفط كل عام.
ولا يزال الطلب الأوروبي على الغاز المار عبر أوكرانيا مرتفعا، وبلغ أمس الثلاثاء حده الأقصى، وفقا للعقود طويلة الأجل (40 مليار متر مكعب سنويا، أو 109 ملايين متر مكعب في اليوم).
ووصل السعر المرجعي الأوروبي للغاز الطبيعي الهولندي "تي تي إف" إلى 2437 دولارا لكل ألف متر مكعب.
ماذا عن الموقف الروسي؟
هدد ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي بأن روسيا قد تقطع إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب "نورد ستريم" إلى ألمانيا.
وقال إن لدى موسكو كل الحق في اتخاذ قرار بفرض حظر على ضخ الغاز.
ونبه نوفاك إلى أن أوروبا ستحتاج إلى أكثر من عام لتوفير بدائل للنفط والغاز الروسيين، وأن التكلفة ستكون أكبر.
وبرغم ذلك قال سيرجي كوبريانوف المتحدث باسم "غازبروم" للصحفيين إن "غازبروم تواصل توريد الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية بشكل طبيعي، ووفقا لطلبات المستهلكين الأوروبيين"، مضيفا أن الكميات المتوقع ضخها اليوم تقدر بـ109.5 ملايين متر مكعب.
وفي موسكو أيضا وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما بشأن تطبيق إجراءات اقتصادية خاصة في مجال التجارة الخارجية من أجل ضمان أمن روسيا.
وأمر بوتين بحظر استيراد وتصدير منتجات ومواد خام من روسيا وإليها العام الجاري وفقا للقوائم التي يحددها مجلس الوزراء.
وينص المرسوم على أن الحظر المفروض لن يؤثر على المنتجات والمواد الخام التي تدخل ضمن احتياجات المواطنين اليومية.
وكلف بوتين مجلس الوزراء بأن يحدد خلال يومين الدول التي ستتأثر بالحظر المفروض على استيراد وتصدير أنواع معينة من المنتجات والمواد الخام.
هل ترتفع الأسعار إلى 300 دولار للبرميل؟
قال مات سميث، كبير محللي النفط بشركة "كبلر" (Kepler)، إن الولايات المتحدة تستورد كميات ضئيلة جدا من النفط من روسيا، غير أن الحظر يمثل "سببا إضافيا آخر لخسارة إمدادات".
وتابع "إنه مجرد تصعيد آخر ضمن سلسلة أحداث دفعت أسعار النفط الخام والمنتجات للارتفاع".
وقال محللون في شركة "ريستاد إنيرجي" (Rystad Energy) الاستشارية ومقرها أوسلو إن حظر الواردات الروسية ربما يرفع أسعار النفط العالمية إلى 200 دولار للبرميل.
وقبل إعلان الحظر الأميركي، رفع غولدمان ساكس توقعاته لسعر خام برنت في 2022 إلى 135 دولارا للبرميل من 98 دولارا، ولعام 2023 إلى 115 دولارا للبرميل من 105 دولارات، قائلا إن الاقتصاد العالمي ربما يواجه "أكبر صدمات على الإطلاق في إمدادات الطاقة" بسبب دور روسيا الرئيسي.
وكان ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي قد حذر من أن أسعار النفط قد ترتفع إلى 300 دولار للبرميل في حال حظر إمدادات النفط الروسية.
وتأتي اضطرابات الإمدادات في وقت يستمر فيه انخفاض المخزونات على مستوى العالم.
ما تداعيات ارتفاع الأسعار النفط على الدول المستوردة؟
قال مسؤول بالبنك الدولي إن استمرار ارتفاع أسعار النفط الناجم عن حرب روسيا على أوكرانيا قد يقلص نمو الاقتصادات النامية الكبيرة المستوردة للخام، مثل الصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا، بواقع نقطة مئوية كاملة.
وأضاف إندرميت جيل، نائب رئيس البنك للنمو العادل والتمويل والمؤسسات -في مدونة نشرها- أن الحرب ستوجه المزيد من انتكاسات النمو للأسواق الناشئة المتراجعة بالفعل على مسار التعافي من جائحة كوفيد-19 والتي تجد صعوبة في مواجهة مجموعة من أوجه عدم اليقين، من الديون إلى التضخم.
وتابع جيل "أدت الحرب إلى تفاقم حالة عدم اليقين بطرق ستتردد صداها في جميع أنحاء العالم، وتضر بالأشخاص الأكثر ضعفا في الأماكن الأكثر هشاشة". واستطرد "من السابق لأوانه معرفة الدرجة التي سيغير بها الصراع التوقعات الاقتصادية العالمية".
ويعتمد بعض البلدان في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا وأوروبا اعتمادا كبيرا على روسيا وأوكرانيا في الغذاء، إذ يشكل البلدان معا أكثر من 20% من صادرات القمح العالمية.
وقال جيل إن التقديرات الصادرة عن نشرة مقبلة للبنك الدولي تشير إلى أن زيادة في أسعار النفط 10% تستمر سنوات عدة يمكن أن تخفض النمو في الاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأساسية بمقدار عُشر نقطة مئوية.
وتضاعفت أسعار النفط خلال الأشهر الستة الماضية، وارتفعت نحو 30% منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأمس الثلاثاء ارتفعت أسعار النفط بنحو 4% عند التسوية مع فرض الولايات المتحدة حظرا على واردات النفط الروسية وتصريحات بريطانيا بأنها ستتوقف تدريجيا عن استيراد النفط ومنتجاته من روسيا بنهاية العام.
وسجلت العقود الآجلة لخام برنت 127.98 دولارا للبرميل عند التسوية بارتفاع 3.9%، بينما بلغت العقود الأميركية الآجلة 123.70 دولارا للبرميل بزيادة نسبتها 3.60%.
وقال جيل "إذا استمر هذا، فقد يقلص النفط النمو في مستوردي النفط، مثل الصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا، بواقع نقطة مئوية كاملة".
وأضاف "قبل اندلاع الحرب، كان من المتوقع أن تنمو جنوب أفريقيا بنحو 2% سنويا في عامي 2022 و2023 ، وتركيا 2% أو 3% والصين وإندونيسيا 5%".