هل تصمد المائدة الرمضانية في السودان أمام الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار؟

ارتفع سعر السكر أكثر من 100% خلال شهر واحد قبل رمضان، وتجاوزت الزيادات في أسعار الزيوت 70% عن السابق، أما دقيق القمح فقد تجاوزت أسعاره 100%، وبات سعر رغيف الخبز يتراوح بين 40 إلى 50 جنيها للمستهلك.

الإنتاج المحلي من الحبوب هذا الموسم سيغطي احتياجات ثلثي سكان السودان فقط، بحسب تقرير منظمة الأغذية العالمية (الجزيرة)

الخرطوم- "إنه شيء لا يطاق، كل صباح نستيقظ على ارتفاع جديد في السلع الغذائية واحتياجاتنا اليومية الضرورية. أجلت شراء احتياجات شهر رمضان الأساسية، على أمل أن يتغير الوضع قليلا، وعادة ما نتسوق قبل الشهر الكريم بأسبوع أو اثنين، ولكني الآن عاجز عن شراء كثير مما تحتاجه أسرتي، وسنكتفي بالحد الأدنى"، هذا ما قاله علي جلال للجزيرة نت قبل خروجه من أحد المحال التجارية.

ربما يكون جلال -المقيم في أحد أحياء العاصمة الخرطوم الطرفية- محظوظا إذا ما توفرت له قيمة الحد الأدنى لشراء احتياجات شهر رمضان، في الوقت الذي حذرت فيه منظمات دولية من خطورة تأثيرات النزاعات والأزمة الاقتصادية في البلاد على حياة قطاع كبير من السكان، ورجّح كل من برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة الأممية أن يواجه أكثر من 18 مليون شخص خطر الجوع الحاد في السودان.

الباعة يشتكون

قبيل دخول شهر رمضان، أحدث التراجع الكبير للجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية اضطرابا واضحا في حركة البيع والشراء وركودا عاما في الأسواق، واشتكى الكثير من تجار الجملة والتجزئة من عدم قدرتهم على مجاراة الأسعار التي لا تستقر على حال، مما اضطر العديد منهم إلى التوقف عن عمليات البيع لحين استقرار الوضع.

وقال عثمان التوم، صاحب أحد محلات البيع بالجملة والتجزئة، إنهم يعيشون وضعا مرهقا كل صباح طوال الشهر الماضي جراء الارتفاع اليومي في أسعار السلع الاستهلاكية، خاصة السكر ودقيق القمح.

وأوضح التوم للجزيرة نت "مثلا، نبيع السكر اليوم بسعر ونضطر لشرائه غدا بسعر أعلى، مما يؤثر على رأسمال المحل، ونتضرر كثيرا من عدم ثبات واستقرار الأسعار".

انخفاض الجنيه

يذكر أنه في مطلع مارس/آذار الجاري، أعلن بنك السودان المركزي عن توحيد صرف الجنيه السوداني، وترك للبنوك والمصارف تحديد سعر صرف العملات الأجنبية دون تدخل منه، وأدى القرار -الذي حذر منه كثير من المراقبين- إلى انخفاض كبير للجنيه، إذ ارتفع سعر الدولار من نحو 450 جنيها -وهو سعر البنك المركزي قبل التوحيد- إلى نحو 800 جنيه في الأسبوع الثالث من الشهر نفسه، مما اضطر البنك المركزي إلى إعادة النظر في قراره والتدخل في سوق النقد الأجنبي لمعالجة ما أسماه بالاختلالات والتغيرات غير المرغوب فيها، وإعادة الاستقرار إلى سوق العملات.

وكانت الحكومة السابقة التي ترأسها عبد الله حمدوك قد طبقت زيادة سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية، وقفز سعر الدولار من 55 جنيها في البنك المركزي إلى 375 جنيها.

وشهدت الفترة من فبراير/شباط وحتى 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي استقرارا في أسعار صرف العملة وتراجعا في نسبة التضخم، قبل إعلان الجيش إجراء ما أسماه "إصلاح مسار الثورة" الذي أدى إلى وقف الدعم الدولي والقروض التي كان من شأنها دعم الإصلاح الاقتصادي.

موجة غلاء جنوني تضرب أسواق العاصمة الخرطوم
الكثير من تجّار الجملة والتجزئة يشتكون من عدم قدرتهم على مجاراة الأسعار التي لا تستقر على حال (الجزيرة)

رمضان يأتي بخيره

قال جلال، والعبوس يعتلي وجهه، إن رمضان يأتي بخيره رغم كل شيء، مشيرا إلى أسعار الخضروات والفواكه التي صادفت ذروة إنتاجها مع حلول شهر رمضان ونهايات فصل الشتاء، وهو الموسم الذي يكثر فيه إنتاج الخضروات وتتراجع أسعارها بدرجة ملحوظة.

هذا ما لاحظته جولة الجزيرة نت في الأسواق قبيل الشهر الكريم، فمع وفرة المعروض من الخضروات والفاكهة يضطر المنتجون إلى بيعها بأرخص الأسعار، ولكن في المقابل كانت أسعار السلع الأساسية في الأسواق ملتهبة، إذ ارتفع سعر السكر إلى أكثر من 100% خلال شهر واحد قبل رمضان، وتجاوزت الزيادات في أسعار الزيوت 70% عن السابق، أما دقيق القمح فقد تجاوزت أسعاره 100%، ويتراوح سعر رغيف الخبز بين 40 و50 جنيها للمستهلك.

مدير منظمة السودان للتنمية الطاهر باشري، قال للجزيرة نت إن من بشائر الخير في شهر رمضان العمل الدؤوب للجمعيات الخيرية السودانية، التي تنشط حملاتها بحلول شعبان لتحث الخيرين على التبرع من أجل تحضير "سلة رمضان" التي تحتوي على أصناف من السلع الغذائية الضرورية بغرض توزيعها على الأسر المحتاجة والمتعففة، وتدعو السودانيين في الخارج والداخل للمساهمة في هذا العمل الخيري.

إلى جانب ذلك، تخفف الموائد الرمضانية التي تقام في المساجد والخلاوي المنتشرة في بقاع السودان المختلفة، عن كثير من الصائمين لعنة غلاء الأسعار، حيث تحظى تلك المساجد والخلاوي بتبرعات مقدّرة من أفراد وشركات لتغطية احتياجات الشهر الكريم، ولكن تبقى العادة السودانية بتناول الإفطار الجماعي في الأحياء هي ما يرفع الحرج عن كثير من غير المقتدرين على مواجهة تلك الأزمة، فالكل يجود بما لديه.

استمرار الأزمة

يقول علي جلال "سنتجاوز رمضان رغم كل شيء، لكن ستظل الأزمة الاقتصادية والغلاء هو ما يقلقنا في ظل تزايد الاحتياجات الأسرية اليومية من غذاء وكساء ودواء، فقد رفعت الدولة يدها عن كل شيء وتركتنا نواجه مصيرنا لوحدنا".

وهذا ما حذرت منه المنظمات الدولية، إذ أشار تقرير بعثة تقييم المحاصيل والأمن الغذائي الصادر عن منظمة الأغذية العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، إلى أن الإنتاج المحلي للحبوب هذا الموسم سيغطي احتياجات ثلثي سكان السودان فقط، وذلك سيترك الكثيرين يعتمدون على المساعدات الغذائية الإنسانية، وعلى واردات الحبوب الأساسية ذات الأسعار التي تفوق قدرة معظم الناس.

المصدر : الجزيرة