بيع أصول حكومية مصرية للإمارات.. هل هي خطوة خاطئة؟
الأزمة الحالية في مصر ستدفع نحو تسريع عملية عرض أصول مصر الجذابة للبيع للمستثمرين

القاهرة– مهدت أزمة نقص الموارد الدولارية في مصر الطريق أمام خطط الإمارات الاستثمارية لشراء المزيد من الشركات والبنوك المصرية؛ نتيجة خروج استثمارات الأجانب غير المباشرة من السوق، وتزايد ضغوط تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا سلبا على فاتورة استيراد القمح والحبوب والنفط وتراجع إيرادات السياحة.
لكن الجديد في الأمر، أن خطط الإمارات الاستثمارية تجاوزت الشركات والبنوك الخاصة إلى أصول الحكومة المصرية في عدد من أكبر وأنجح البنوك والشركات، في توجهٍ يبدو بديلا عن سياسة إقراض النظام المصري التي استمرت طوال السنوات الماضية، خاصة أنها إلى جانب السعودية، أحد أكثر الداعمين ماليا وسياسيا له.
ويبدو -حسب مراقبين- أن الأزمة الحالية ستدفع نحو تسريع عملية عرض أصول مصر الجذابة للبيع للمستثمرين، وتضع حدا لتردد الحكومة المصرية في طرح حصص عدد من شركاتها وشركات القوات المسلحة للبيع والتي أعلنت عنه في عام 2018 (23 شركة) لجمع عشرات مليارات الجنيهات، ولكن لم ينفذ إلا جزئيا.
ومن أجل تعزيز أوضاعها المالية، اتفقت الحكومة المصرية مع صندوق ثروة سيادي في أبو ظبي على بيع أصول مملوكة لها في عدد من الشركات؛ وهي أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو"، (أهم شركتين في قطاع الأسمدة)، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، بقيمة ملياري دولار، إلى جانب شراء 18% من أسهم البنك التجاري الدولي (CIB) البنك الأكبر بالقطاع الخاص في مصر، وحصة في شركة فوري للمدفوعات الإلكترونية، بحسب مصادر تحدثت لوكالة بلومبيرغ الأميركية.
وأظهر أحدث نتائج الأعمال المجمعة للبنك التجاري؛ ارتفاع صافي أرباحه إلى 13.2 مليار جنيه خلال العام المنتهي في ديسمبر/كانون الأول 2021، مقارنة بصافي أرباح قدره 10.2 مليارات جنيه خلال عام 2020. (الدولار يعادل 18.28 جنيها مصريا).
الإمارات تستحوذ على نسبة 18% من أكبر بنك مدرج في البورصة المصرية "CIB" بحسب تقرير "بلومبيرغ" pic.twitter.com/oPXqzGmR2X
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) March 23, 2022
ترحيب حكومي بالبيع
وأعلنت رئاسة مجلس الوزراء المصري، الاثنين الماضي في بيان، أن صندوق مصر السيادي نجح في جذب استثمارات بقيمة ملياري دولار في المرحلة الأولى بصورة مباشرة ومن خلال البورصة المصرية، وسيتم الإعلان عن تفاصيل تلك الاستثمارات خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وأشادت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد بالخطوة، وقالت إن "تلك الصفقات الاستثمارية ستسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية للبلاد، وترسيخ وضع مصر كإحدى الوجهات الاستثمارية الرائدة في العالم، ومع النمو الاقتصادي الذي تشهده مصر"، موضحة أنه "سيتم تنفيذ المزيد من الشراكات والصفقات الاستثمارية المماثلة".
صفقة الاستحواذ لشركة القابضة (ADQ) أبو ظبي ليست الأولى، إنما تأتي بعد القيام بالعديد من صفقات الاستحواذ في مصر مؤخرا، إذ استحوذت مع شركة الدار العقارية على شركة التطوير العقاري الرائدة سوديك، وكذلك شركة آمون فارما، و75% من شركة الإسماعيلية للاستثمارات الزراعية والصناعية المالكة للعلامة التجارية "أطياب".
وفي عام 2019، أسست مصر والإمارات منصة استثمارية إستراتيجية بقيمة 20 مليار دولار للاستثمار في العديد من القطاعات والأصول الحيوية على أن تتم إدارتها من قِبل الصندوق السيادي المصري و"القابضة ADQ".
ضغوط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية
وتواجه مصر ضغوطا متزايدة على مواردها الدولارية في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما نجم عنها من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي والمحلي.
وشهد سوق أدوات الدَّين خروج نحو 15.8 مليار دولار من مصر، بحسب العديد من التقارير الاقتصادية، فضلا عن تحول صافي أصول البنوك الأجنبية من فائض 6.8 مليارات دولار فبراير/شباط 2021 إلى عجز 7.1 مليارات دولار بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، ما يعني أن التزامات البنوك بالنقد الأجنبي تفوق ما تملكه منه.
والشهر الماضي، قدم بنك أبو ظبي الأول عرضا ماليا للاستحواذ على حصة أغلبية في شركة "هيرميس"، أقوى وأكبر بنك استثماري بمصر.
وفي حال تمت الصفقة سيصبح البنك الإماراتي المرجع الرئيسي في قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية على مستوى المنطقة، وستكون هذه ثاني صفقة كبرى للبنك الإماراتي، الذي استحوذ على بنك عودة مصر العام الماضي، وبذلك أصبح أحد أكبر البنوك الأجنبية في مصر من حيث الأصول التي تتجاوز 130 مليار جنيه (8.5 مليارات دولار).
لا قروض إنما أصول
من غير المتوقع أن تلجأ الحكومة المصرية إلى الحصول على ودائع جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أن هناك رغبة بين صانعي السياسات لتمديد الودائع الخليجية في البنك المركزي المصري، والتي يعتقد أنها تبلغ نحو 15 مليار دولار، وفقا لمصادر مطلعة لموقع "إنتربرايز" المتخصص، وبدلا من ذلك، سيعمل صناع السياسة على تسريع عملية عرض أصول الدولة الجذابة للبيع للمشترين الخليجيين.
ويبلغ رصيد الودائع الخليجية في البنك المركزي المصري 12 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول من العام الماضي، منها 5.7 مليارات دولار للإمارات، 4 مليارات للكويت، و2.3 مليار دولار للسعودية، وفق تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي الذي كشف عن مد أجل استحقاق وديعة سعودية لدى مصر قيمتها 2.3 مليار دولار حتى 2026.
أستاذ الاقتصاد بأميركا الدكتور مصطفى شاهين: شراء حصص وأصول الحكومة في الشركات والبنوك، يؤثر على قرارات مصر الاقتصادية والسياسية ويرهنها لدى حكومات أخرى
ما حقيقة الأزمة بمصر؟
ويرى خبراء اقتصاد، تحدثوا للجزيرة نت، أن أزمة نقص الموارد الدولارية في مصر ليست سببها كما تروج الحكومة والإعلام المصري، الحرب الروسية في أوكرانيا وما أسفر عنها من تداعيات سلبية، وإنما هي نتاج سياسات اقتصادية خاطئة امتدت لسنوات لم تصنع اقتصادا قويا قادرا على مواجهة أزمة تبعد عنه آلاف الأميال وكأنها حدثت في مصر.
وقال أستاذ الاقتصاد بأميركا الدكتور مصطفى شاهين، إن "مصر ليس أمامها في الوقت الحالي إلا الاقتراض أو بيع بعض أصول، في ظل عزوف الدول الداعمة مثل الإمارات والسعودية عن مدها بودائع ضخمة، حيث لم تسفر زيارات السيسي للسعودية والإمارات مؤخرا عن أي دعم نقدي في ظل الأزمة الراهنة التي تواجهها البلاد".
ورأى، في تصريح للجزيرة نت، أن تلك الدول تفضل بدلا من الدعم النقدي والقروض شراء حصص وأصول الحكومة في الشركات والبنوك، ولكنه قد يؤثر على قرارات مصر الاقتصادية والسياسية ويرهنها لدى حكومات أخرى، ولن تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية للبلاد؛ لأن الحكومة المصرية سوف تستغل الإيرادات إما في دعم الموازنة أو سداد بعض التزاماتها الخارجية.
استثمارات الإمارات في مصر
مطلع الشهر الجاري، أعلنت شركة غلف كابيتال لإدارة الأصول، ومقرها الإمارات، اعتزامها استثمار نحو 250 مليون دولار في مصر على مدى السنوات الخمس المقبلة، في قطاعات التكنولوجيا والرعاية الصحية والتجارة الإلكترونية، حسبما نقلت جريدة "حابي" عن الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة.
وكانت أذرع الإمارات الاستثمارية قد استحوذت قبل سنوات على عدد من المستشفيات الكبرى الخاصة في مصر، حيث تصل إلى 15 مستشفى، مثل: النيل بدراوي، وكليوباترا، والقاهرة التخصصي.
وسيطرت شركة "أبراج كابيتال" الإماراتية على سلسلتين من أكبر سلاسل معامل التحاليل، وهما "البرج" التي تضم 926 فرعا و55 معملا بيولوجيا، ومعامل "المختبر" التي تضم 826 فرعا في كافة المدن والمراكز المصرية.
ويتخطى عدد الشركات الإماراتية العاملة في مصر حاليا 1100 شركة بحجم استثمارات يزيد على 7 مليارات دولار -وفق تقديرات حكومية- في قطاعات النفط والغاز والموانئ البحرية والصحة والعقارات والاتصالات والزراعة والتعليم وتجارة التجزئة وغيرها.
يتخطى عدد الشركات الإماراتية العاملة في مصر حاليا 1100 شركة بحجم استثمارات يزيد على 7 مليارات دولار وفق تقديرات حكومية
اختيار خاطئ
وصف الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف، بيع أصول الحكومة بأنه "أكثر اختيار خاطئ".
وقال إن "سياسات بيع الأصول لجلب موارد مالية تنم عن الوضع المتردي للاقتصاد المصري، ولن تصلح من وضع الاقتصاد، وهي حلول مؤقتة مثل المسكنات للمريض ليس أكثر".
وأكد، في تصريحات للجزيرة نت، أن الأزمة هي مشكلة هيكلية في الاقتصاد المصري الذي يعتمد على الجباية والقروض وإقامة مشروعات ليس لها مردود مالي، وليس أدل على ذلك من أن مصر تعاني من عجز كبير ودائم في الميزان التجاري يبلغ نحو 40 مليار دولار سنويا، وتستورد 60% من غذائها من الخارج، وإهدار القيمة الحقيقية لثروات البلاد من خلال اتفاقيات مجحفة في مجال الغاز الطبيعي، وغيرها من الأخطاء الإستراتيجية.
واستدرك يوسف بالقول إن الاقتراض بنهم من الخارج لتمويل عجز الموازنة ومشروعات غير إنتاجية مهّد بلا شك للأزمة الحالية، والتي حذرنا منها مرارا، وأكدنا أن مصر سوف تواجه عجزا كبيرا في مواردها بالنقد الأجنبي ما لم تعتمد على إستراتيجية الإنتاج والتصنيع وتقوم بترشيد المشروعات غير التنموية إلى وقت لاحق.
ويلخص رئيس قسم إدارة الأبحاث الشرق الأوسط للخدمات المصرفية الخاصة في مجموعة "كريدي سويس"، ومقره دبي، فهد إقبال، بالقول "إن تحرك البنك المركزي يشير إلى أن الظروف في مصر أسوأ مما توقعنا، ولا يمكننا استبعاد خطر المزيد من خفض قيمة العملة في مرحلة لاحقة".