ما مدى تأثير حرب روسيا وأوكرانيا على الاقتصاد العالمي؟.. خبير دولي يجيب للجزيرة نت
تزامن اندلاع الحرب في أوكرانيا مع بدء مختلف دول العالم مرحلة التعافي من تبعات انتشار وتفشي فيروس "كوفيد-19" على مدار العامين السابقين، وما تبع ذلك من آثار اقتصادية ضخمة وسلبية.
ولم يكد الاقتصاد العالمي يجد طريقة إلى التعافي من أزمات التضخم وارتفاع أسعار مصادر الطاقة واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، وتسببت حرب روسيا على أوكرانيا في عرقلة التعافي الاقتصادي العالمي، وهو ما انعكس في زيادات ضخمة بأسعار مصادر الطاقة والمحاصيل الزراعية، خاصة بعد فرض عقوبات غير مسبوقة على مختلف قطاعات الاقتصاد الروسي، وبنكها المركزي واحتياطاتها النقدية في الخارج.
ولمعرفة تفاصيل الآثار الاقتصادية على الاقتصاد العالمي، حاورت الجزيرة نت عدنان مزارعي، كبير الخبراء بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن، ونائب مدير منطقة الشرق الأوسط السابق بصندوق النقد الدولي.
ويمتلك الدكتور مزارعي خبرات طويلة في العمل على حل الأزمات المالية المختلفة في الأسواق الناشئة، بما في ذلك الأزمة المالية الروسية عام 1998، وبالإضافة إلى ذلك، أسهم في وضع إستراتيجية صندوق النقد الدولي المتعلقة بالهيكل المالي الدولي وقضايا الديون السيادية، وساعد في إعداد مبادئ سانتياغو التي وضعت أفضل الممارسات والمبادئ التوجيهية لإدارة صناديق الثروة السيادية، كما حصل مزارعي على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وقد ألف العديد من المقالات حول السياسة الاقتصادية وكتابا عن صناديق الثروة السيادية.

-
بداية.. ما تبعات الحرب التي دخلت أسبوعها الرابع على الاقتصاد العالمي بصفة عامة؟
انعكست تأثيرات الحرب حتى الآن على مختلف دول وأقاليم العالم، فقد أسهمت في ارتفاع نسب التضخم بصفة عامة مع الارتفاع الكبير في الأسعار، ودفع ذلك لتدخلات قوية من البنوك المركزية الكبرى حول العالم كبنك الاحتياط الفدرالي الأميركي، والبنك المركزي الأوروبي، ولتلعب هذه المؤسسات أدوارا جديدة، وهو ما يضعها في موقف شديد الصعوبة، وصاحب ذلك ممارسة الكثير من الضغوط على البنوك المركزية من أجل رفع أسعار الفائدة، لمواجهة ارتفاع نسب التضخم، لكن في الوقت ذاته، على مسؤولي البنوك المركزية الحذر كي لا تتسبب أسعار الفائدة المرتفعة في انخفاض النمو وإبطاء الأنشطة الاقتصادية.
-
هل تسببت الحرب في تبعات سلبية على حجم الأنشطة الاقتصادية الدولية والعابرة للدول؟
قد تؤدي الحرب إلى تزايد المواقف السلبية من فكرة العولمة والتكامل الاقتصادي العالمي وحرية التجارة التي يستفيد منها الجميع. وستؤدي الحرب إلى تبني المزيد من السياسات الحمائية خاصة مع عودة أزمات سلاسل الإمداد، والتي زاد من تأثيرها الكثير من العقوبات المفروضة على روسيا، والتهديد بفرض عقوبات على دول أخرى. ويتبع ذلك زيادة الشكوك في المؤسسات المالية الدولية، والآليات المتعارف عليها مثل آلية سويفت، وسياسيا سيدعم ذلك من حظوظ انتخاب زعماء سياسيين من أنصار الحروب التجارية والسياسات الحمائية، وهو ما يؤثر بالسلب على الجميع.
-
هل سيكون هناك خاسرون وفائزون من أزمة أوكرانيا؟
من المبكر الرد على هذا السؤال في هذه المرحلة التي يستمر فيها القتال، وسيتوقف ذلك بالأساس على فترة وطول الحرب ذاتها، لكن بصفة عامة الدول المصدرة للطاقة ستكون في عداد الفائزين على المدى القصير.
-
ما تأثيرات الحرب الجارية على الاقتصاد الأوكراني ذاته؟
أولا: هناك مخاوف كبيرة من عدم قدرة أوكرانيا على دفع ديونها الخارجية، وعلى الرغم من تفهم الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لصعوبات الموقف داخل أوكرانيا وتعاطفها الكبير معها، والذي سيجعلها لا تطالب بالديون المستحقة في هذه الظروف، ويختلف الأمر كلية مع المؤسسات المالية الخاصة من بنوك وصناديق استثمار خاصة، ولو أقدمت أوكرانيا على عدم دفع ديونها سيكون لذلك تبعات اقتصادية كبيرة، وسيمثل سابقة قد تجذب غيرها من الدول الناشئة للإقدام على عدم دفع ديونها بسبب الأزمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي.
من ناحية أخرى، هناك تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا، وعلى الرغم من استمرار القتال، وعدم معرفة متى يتوقف القتال، بدأ التفكير في سيناريو إعادة الإعمار، وقدر بعض الخبراء هذه التكلفة مبدئيا بما لا يقل عن 100 مليار دولار، ولم يذكر هؤلاء الخبراء من سيتحمل هذه التكلفة.
-
ما تبعات الحرب على الاقتصاد الروسي خاصة مع فرض كل هذه العقوبات عليه؟
بلا شك سيتضرر الاقتصاد الروسي ماليا وتجاريا بصورة كبيرة نتيجة العقوبات الواسعة التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، واليابان، ويرى البعض أن الاقتصاد الروسي سينمو بمعدلات سلبية في عام 2022 تبلغ (-8%)، في حين يذهب آخرون للتأكيد على فقدان الناتج القومي الروسي ما مقدراه 25% من قيمته مقارنة بالعام الماضي، وسيعاني ملايين الروس من سوء الأوضاع الاقتصادية، وسيزداد الأمر سوءا مع إطالة أمد الحرب واستمرار فرض العقوبات الغربية.
ولا تقتصر الصورة المتشائمة للاقتصاد الروسي على آراء الخبراء الغربيين، فقط، بل توقع البنك المركزي الروسي الكثير من الأضرار كذلك، ومن ناحية أخرى، تبدو الموازنة الروسية في وضع أفضل اعتمادا على ارتفاع إيرادات بيع النفط والغاز عقب ارتفاع أسعارهما بسبب الحرب.
لكن أكثر ما يقلقني من تأثير الحرب على الاقتصاد الروسي يتمثل في احتمال اتجاه الحكومة لإجراءات للسيطرة على الشركات والقطاع الخاص الذي نما بشدة داخل روسيا خلال العقود الأخيرة، ومثل هذه الخطوة ستؤثر وتضر بالاقتصاد الروسي على المدى الطويل.
-
ماذا عن دعوات تخلص أوروبا من الاعتماد على الغاز الروسي قبل نهاية عام 2022؟
أوروبا -ونتيجة اعتمادها الواسع على الغاز الروسي- لن تستطيع وقف كل وارداتها منه بهذه السرعة، نعم ستنخفض الكميات الواردة من روسيا لكنها لن تتوقف في المستقبل القريب، البنية التحتية الأوروبية غير مهيأة لاستخدام الغاز المسيل البديل للغاز الروسي والذي سيصلها عبر سفن ضخمة. وتغيير البنية التحتية لا يمكن أن يحدث سريعا، وسيأخذ وقتا طويلا.
في المستقبل ربما تستطيع قطر والجزائر وإيران تعويض الغاز الروسي، لكن الجزائر ليس في استطاعتها اليوم استخراج المزيد من الغاز، وإيران تحتاج لاستثمارات ضخمة لتحسين بنيتها التحتية المتدهورة وتطويرها قبل استخراج المزيد من الغاز.
-
الحرب تجري بعيدا عن الصين جغرافيا، لكن هناك تبعات اقتصادية تمس اقتصادها الضخم، ما هي؟
وضعت الحرب الصين في موقف شديد الصعوبة والحساسية نظرا للكثير من الاعتبارات السياسية والجيوإستراتيجية، فلزم عليها الحفاظ على علاقتها المتينة بروسيا في وقت لا يمكن أن تخاطر فيه بمصالحها الاقتصادية الضخمة مع أوروبا أو الولايات المتحدة.
كما تتأثر الصين، التي تعد أكبر مستورد لموارد الطاقة من غاز ونفط، من ارتفاع الأسعار الكبير. ولم تتأثر واردات الصين من موارد الطاقة الروسية، كما لم تتأثر علاقتها الضخمة الاقتصادية والاستثمارية مع الغرب. وقد يجعل ذلك الصين أحد الأطراف التي قد تخرج مستفيدة من الحرب على أوكرانيا، خاصة مع زيادة ثقة الدول الأفريقية والآسيوية في قوتها واستقرارها، كما أن دول الخليج ينظر لها كشريك شديد الأهمية في القطاع المالي وكوجهة مضمونة للاستثمارات المالية الضخمة.
على المدى القصير تعاني الصين من ارتفاع أسعار الطاقة، لكن أيضا سترتفع أسعار كل المواد المصنعة في الصين وتصدر لبقية دول العالم في الوقت ذاته.
-
ماذا عن استخدام الدولار الأميركي كسلاح ورغبة الصين في تقليل الاعتماد عليه؟
على المدى القصير لا أظن أن الدولار سيتضرر مركزه العالمي كأكثر العملات ثقة واستخداما في المعاملات بين الدول، فأغلب البنوك المركزية حول العالم لديها ثقة كبيرة في الدولار، ومن هنا تضع احتياطاتها الضخمة بالدولار.
ولو فكرت عدة دول في التخلي عن الدولار، سيتم ذلك بصوة مستقبلية على المدى البعيد، حيث من الصعوبة تبني هذه الإستراتيجية على الفور، وقد يتأثر الدولار منها قليلا في المستقبل.
وهناك رغبة من دول كالصين وروسيا والهند في تقليل الاعتماد على الدولار في المعاملات التجارية، وبالفعل ترتب الهند والصين لتحويل التجارة بينهما إلى الروبية الهندية واليوان الصين.
لكن ذلك سيستغرق فترات طويلة حتى يتم تطبيقه على أرض الواقع. ومنبع الثقة في الدولار يجيء من الثقة الكبيرة في الاقتصاد الأميركي وحجم وتنوع مؤسساته المالية بصورة تندر في أي دولة أخرى، لذا فوضعية الدولار لن تتغير سريعا كما يحلم البعض.
وحتى اليوم لا يوجد منافس للدولار بين عملات العالم يمكن له أن يصبح بديلا في أي وقت قريب.
-
ما تأثير حرب أوكرانيا على العلاقات الاقتصادية بين غرب أوروبا والولايات المتحدة؟
سينعكس التقارب السياسي والأمني بين الولايات المتحدة وأوروبا كما ظهر في تنسيق ردود الأفعال على الغزو الروسي، على الجانب الاقتصادي من علاقات الجانبين.
كما سنشهد في الوقت ذاته تعميق التعاون الاقتصادي بين دول القارة الأوروبية، وستتجه دولها لتكون أكثر اعتمادا على بعضها بعضا من ناحية، ومن ناحية أخرى ستعمق أوروبا علاقاتها الاقتصادية مع أميركا.
وأتوقع أن ترحب الكثير من دول العالم الثالث في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بالانقسام بين معسكر روسيا والصين، ومعسكر أوروبا وأميركا، حيث يسمح ذلك لها بالمناورة والحصول على بعض المنافع من المعسكرين المتنافسين.