لماذا رفعت مصر سعر الفائدة؟ وماذا عن تداعيات تراجع الجنيه؟
القاهرة – عقب اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية صباح اليوم الاثنين، أعلن البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 100 نقطة أساس.
طبقا لذلك تحرك سعر عائد الإقراض لليلة واحدة إلى 10.25%، وسعر عائد الإيداع لليلة واحدة إلى 9.25%، بعدما ظلت ثابتة عند مستوى 8.25% للإيداع و9.25% للإقراض.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرويترز: مصر تشهد موجة نزوح للدولار منذ بداية حرب أوكرانيا
ارتفاع أسعار النفط والقمح والسلع يضغط على الحكومة المصرية.. ما خياراتها؟
الجنيه المصري على المحك.. فما السبب؟
بالتزامن مع ذلك تحرك سعر صرف الدولار الأميركي داخل البنوك المصرية ليساوي 18.25 جنيها للبيع و18.15 جنيها للشراء -حتى كتابة هذا التقرير- دون صدور بيان رسمي من الجهات المعنية يفيد بتعويم جزئي للعملة المحلية أو تحديد لذلك التعويم.
وسجل متوسط سعر الدولار أمس الأحد 15.74 جنيها للبيع و15.66 جنيها للشراء.
وقد طرح بنكا مصر والأهلي -أكبر مصرفين حكوميين- بعد نحو ساعة فقط من قرار البنك المركزي شهادة ادخار جديدة بفائدة 18% لأجل عام بعائد ثابت يصرف شهريا.
وكان من المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية الخميس المقبل، غير أن الاجتماع عقد بشكل فجائي صباح اليوم الاثنين بعد سلسلة من التصريحات لإعلاميين محسوبين على السلطة، خلال الأيام الماضية، تمهد لقرارات اضطرارية مرتقبة من قبل الحكومة للسيطرة على التداعيات الاقتصادية جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
امتصاص الصدمات
وعبر بيان رسمي، قال البنك المركزي إنه في ضوء التطورات المتلاحقة وبالنظر إلى معدل التضخم المستهدف والبالغ 7% -بمعدل انحراف 2% هبوطا وصعودا- في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022؛ اتخذت لجنة السياسة النقدية قرار رفع أسعار الفائدة.
وأضاف أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية الناتج عن المزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد وزيادة الشعور بالابتعاد عن المخاطرة، زاد من الضغوط التضخمية المحلية وكذلك الاختلالات الخارجية.
ويأتي على رأس تلك الضغوط الارتفاع الملحوظ في الأسعار العالمية للسلع الأساسية، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن، بالإضافة إلى تقلبات الأسواق المالية في الدول الناشئة، مما أدى إلى ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجي، حسبما ذكر البنك المركزي في بيانه.
وأكد على إيمانه بأهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر، لافتا إلى التزامه بالحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي للبلاد مع الحفاظ على مكتسباته.
وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمجموع 4% خلال النصف الأول من عام 2020، في حين ثبت أسعار الفائدة خلال آخر 10 اجتماعات له، منها 8 اجتماعات عقدت خلال العام الماضي.
إجراء متوقع
قال محافظ البنك المركزي المصري إن العملة المحلية -الجنيه- شهدت تصحيحا اليوم الاثنين وإن سعرها ينسجم مع التطورات العالمية والمحلية، مضيفا أن التصحيح يعزز قدرتها التنافسية، وفق رويترز.
وأضاف المحافظ طارق عامر في مؤتمر صحفي أن قرارات البنك المركزي رفع سعر الفائدة الرئيسية 100 نقطة أساس إنما تستهدف المحافظة على سيولة النقد الأجنبي وحماية موارد الدولة في ظل الضغوط الاقتصادية الناجمة عن أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتراجع الجنيه المصري نحو 14%، بعد أن ظلت العملة تحت ضغوط على مدار أسابيع في ظل سحب المستثمرين الأجانب مليارات الدولارات من أسواق أدوات الخزانة المصرية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
بدوره، اعتبر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري مصطفى سالم رفع سعر الفائدة بنسبة 1% إجراء متوقعا في ظل عوامل خارجية وداخلية يتأثر بها الاقتصاد المصري.
وأرجع -في تصريحات صحفية- رفع سعر الفائدة إلى عدة عوامل، على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية التي "تؤثر على أسعار المواد البترولية والغذائية وسلاسل النقل والشحن والعديد من السلع وزيادة نسب التضخم بكل دول العالم"، وفق قوله.
كما لعبت التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي دورا في اتخاذ قرار البنك المركزي الأخير، من وجهة نظر سالم، لافتا في الوقت نفسه إلى ارتفاع معدل التضخم محليا.
وأشار إلى إقدام دول عربية مثل السعودية والكويت على رفع أسعار الفائدة كإجراء احترازي لدعم المدخرات المحلية والحفاظ على قيمة العملة المحلية.
وأردف وكيل لجنة الخطة والموازنة أن "مصر جزء من العالم ولدينا ارتباط قوي بالاقتصادات العالمية والقرارات الاقتصادية، لذلك ومع اتجاه العالم لاتخاذ إجراء رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم الذي أصاب الاقتصاد العالمي وتأترت به مصر، كان علينا اتخاذ هذا الإجراء".
ووفق بيان للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء -حكومي- ارتفع معدل التضخم السنوي في البلاد ليبلغ 10% خلال شهر فبراير/ِشباط الماضي مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019.
وأوضح جهاز الإحصاء أن معدل التضخم السنوي سجل 4.9% للشهر نفسه من العام السابق، مرجعا تلك الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 20.1% وعلى رأسها الخضروات والفاكهة والخبز والحبوب.
فاتورة الحرب
من جهته أوضح الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية بدأت في التمدد إلى السوق المصرية، معتبرا قرارات البنك المركزي الأخيرة أحد تلك التداعيات.
وفند -في تصريحات للجزيرة نت- الأسباب التى دفعت الحكومة لرفع سعر الفائدة والدولار، موضحا تخوفها من خروج الأموال الساخنة من الاقتصاد المصري، لذلك رفع البنك المركزي سعر الفائدة لإغراء تلك الأموال للبقاء داخل البلاد.
كما تم خفض سعر العملة المحلية ليكون عائقا أمام خروج الدولار من السوق المصري، إذ إن خروج أموال الأجانب يزيد من الطلب على العملة الصعبة، وفق قول الخبير الاقتصادي.
ولم يخف عبد المطلب خشيته من موجة غلاء تمتد إلى أسعار السلع، سواء المحلية أو المستوردة، كرد فعل لرفع سعر الدولار، خاصة وأن المصريين يستعدون لاستقبال شهر رمضان الذي تصاحبه عادات شرائية تتسم بزيادة الاستهلاك ومن ثم زيادة الأسعار.
واختتم حديثه قائلا "تبقى الكرة في ملعب الحكومة لتحافظ على استقرار الأسعار ولا تتركها للانفلات كما حدث مع التعويم الأول علم 2016".
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حررت الحكومة المصرية سعر صرف الدولار أمام الجنيه لتفقد العملة المحلية نحو 57% من قيمتها.
سياسة التعقيم
وفي الإطار نفسه، شرح أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين دوافع البنك المركزي لاتخاذ قراراته الأخيرة، موضحا أن الهدف الرئيسي هو الحد من شراء الدولار.
واستطرد "ما قام به المركزي يسمى سياسة التعقيم حيث رفع سعر الفائدة من أجل الحد من تكالب المصريين على شراء الدولار"، ولكن إذا ارتفع سعر العملة الصعبة عن نسب سعر الفائدة، فذلك يعني الاتجاه إلى المتاجرة في الدولار من جانب بعض المواطنين، وفقا لما قاله الأكاديمي المتخصص في شأن الاقتصاد.
وحذر -خلال حديثه للجزيرة نت- من تداعيات أن يكون تثبيت سعر الدولار من جانب البنك المركزي فقط دون السوق، وأردف "سيكون لذلك تداعيات قاسية على الاقتصاد وسترتفع الأسعار بشكل جنوني وسنواجه ظاهرة الاحتفاظ بالدولار والمضاربة على العملة الصعبة".
والأخطر من ذلك، حسب شاهين، هو شح الدولار سواء بطريقة اصطناعية جراء المضاربة عليه، أو بشكل حقيقي نتيحة لنقصه لدى البنك المركزي، متوقعا أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الدواء والمعدات والآلات.