بعد خروج "الأموال الساخنة".. توقعات بانخفاض قيمة الجنيه المصري

بضع مئات من الجنيهات نصيب كل مصري من 30 مليار جرى سحبهم من البنوك مؤخرا. (تصوير خاص لأوراق من فئة خمسين ومائة جنيه ـ مصر
الشارع المصري يعاني من ارتفاعات كبيرة في أسعار المنتجات المختلفة (الجزيرة)

"ما الذي يحدث للجنيه المصري؟ وهل فقد قيمته حقا؟" تساؤلان يشغلان بال أغلب المصريين، تزامنا مع موجة ارتفاع بالأسعار في الأسواق قبيل شهر رمضان المبارك، ووسط توقعات محللين تتفق على وجود تأثيرات محسوسة على الطبقة الوسطى والكادحة خاصة وأن التأثيرات شملت أسعار مختلف المنتجات الأساسية بالأسواق المصرية.

وتوجد العديد من المؤشرات الهامة التي تنبأت بانخفاض قيمة الجنيه المصري، أبرزها توقعات البنك الأميركي "جيه بي مورغان" (JP Morgan) للاستثمار باتجاه مصر إلى خفض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، مؤكدا في تقرير صدر مطلع الشهر الجاري أن قيمة الجنيه حاليا أعلى بـ15% من قيمته الفعلية، مضيفا أن هناك 3 سيناريوهات أمام مصر، وهي: إما الإبقاء عليه دون تغيير، وإما خفضه بنسب معينة، وإما الاتجاه إلى السيناريو الأكثر صعوبة وخفضه بنسبة 15% في إطار برنامج مع صندوق النقد الدولي.

الأموال الساخنة

ويأتي ما يتعرض له الجنيه المصري بالتزامن مع خروج كميات هائلة من سندات الأجانب التي تعرف بـ"الأموال الساخنة" بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط الماضي، ومع أزمات متتالية على القطاع المصرفي العالمي وخسائر بالبورصات العالمية تقدر بمليارات الدولارات، الأمر الذي انعكس على الوضع بمصر بالتبعية.

فبجانب خسائر البورصة المحلية المتتالية على مدار أيام متتالية، والتي بلغت 13.5 مليار جنيه في الثامن من مارس/آذار الجاري خلال يوم فحسب، بلغ إجمالي السندات التي سحبها المستثمرون الأجانب خلال 3 أيام فحسب نحو 1.19 مليار دولار، حسب ما ذكرته وكالة رويترز في تقريرها الذي رصدت خلاله خروج التخارج من خلال تحديث بيانات البورصة للسادس من مارس/آذار، بعد أن كانت سجلت استثمارات الأجانب في أدوات الدين (الأذون والسندات) نحو 34 مليار دولار منذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي، حسب تقرير فيتش للتصنيف الائتماني الصادر يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ويبدو أن مصر استبعدت توقعات وجود تأثيرات على السيولة بالقطاع المصرفي من خلال وزير المالية المصري الدكتور محمد معيط، الذي أدلى بتصريحات رسمية خلال مؤتمر صحفي لمجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي، أكد خلالها على وجود احتياطي نقدي يقدر بـ170 مليار جنيه، قائلا إن موازنة الدولة قادرة على التعامل مع الأزمة، كما أن مصر تخطت ظروفا صعبة مماثلة، حسب قوله.

بيد أن الخبير المالي والرئيس الأسبق للجمعية المصرية للاستثمار هاني توفيق يرى أن قرار خفض الجنيه المصري ضروري وملح، معتبرا أن تدهور قيمة كافة العملات الأخرى أمام الدولار من شأنه التأثير على الدولار بالسوق المحلي وخلق سوق موازية في مصر، إذا لم يتم تحريك سعر الدولار تدريجيا بالبنوك، ومنحه المرونة اللازمة للاستجابة لقوى العرض والطلب تحت الظروف السلبية المحلية والعالمية الحالية.

وأشار خلال منشور له عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" (Facebook)، إلى أن انسحاب نسبة ضخمة من الاستثمارات الأجنبية من مصر يأتي لكي تعود هذه الاستثمارات إلى ملاذاتها الآمنة في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية، وهو ما أدى إلى انخفاض حاد في صافي الأصول الدولارية بالبنوك المحلية، مضيفا أنه لابد في تلك الظروف ومع تدهور وضع العملة أمام الدولار أن يتم منحه المرونة اللازمة للاستجابة لقوى العرض والطلب تحت الظروف السلبية المحلية والعالمية الحالية خصوصا مع تدهور الأوضاع في البورصات العالمية.

ولفت توفيق إلى أن انخفاض قيمة رأس مال البورصة المصرية بعشرات المليارات من الجنيهات أمر يمكن تفهمه بسبب معوقات الاستثمار المعروفة حاليا، ولكن ما لا يمكن تفهمه هو مبيعات الأجانب التي زادت خلال الأيام الأخيرة، قائلا "ما يقلق هو مبيعات الأجانب بالذات الذين باعوا أسهما بـ800 مليون جنيه في يومين، فهل هم يرون شيئا لا نراه نحن؟".

 

 

الشارع المصري والتضخم

ويعاني الشارع المصري من ارتفاعات كبيرة في أسعار المنتجات المختلفة، فبحسب بيان لجهاز التعبئة والإحصاء الحكومي يوم الخميس الماضي، فهناك زيادة بمستوى التضخم بنسبة 7.3% مقارنة بيناير/كانون الثاني الماضي، ووصف الجهاز في بيانه الزيادة بالأعلى منذ منتصف عام 2019، مبررا ذلك بزيادة أسعار المنتجات الغذائية، ومعتبرا أن حساب معدل هذا التضخم يأتي قبل احتساب تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على السوق المصري.

يذكر أنه ارتفعت أسعار العديد من السلع الأساسية، أبرزها الخبز والدقيق والزيت واللحوم وغيرها، لتقوم مصر مؤخرا بالإعلان عن قرار بحظر تصدير 6 سلع كانت تصدّرها، وهي القمح والدقيق والعدس والفول المدشوش والحصى والمعكرونة، لمدة 3 أشهر تداولته وسائل الإعلام المصرية، وفق بيان رسمي لوزارة التجارة والصناعة الخميس الماضي.

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد صرح الأربعاء الماضي بأن السلع الأساسية متوفرة ولا يوجد بها نقص، كما يوجد فائض منها، مشيرا إلى وجود مغالاة في بعض السلع، في حين أن هناك سلعا أخرى ارتفاع ثمنها منطقي في ظل الأوضاع وحلول شهر رمضان مثل الدواجن، مؤكدا وجود احتياطي من السلع، مثل القمح الذي يتوفر منه احتياطي لمدة 4 أشهر كاملة.

تأثيرات ملموسة

"الأمر يزداد جنونا"، هكذا تقول أميرة، ربة منزل للجزيرة نت، معتبرة أن الجنيه انخفضت قيمته خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، الأمر الذي جاء بشكل ارتفاعات غير مبررة في الأسعار يتحملها المواطن المصري الذي يواجه بالفعل ضغوطا اقتصادية، على حد وصفها.

وتساءلت أميرة عن سبب ارتفاع أسعار كل المنتجات الأساسية الهامة التي اتجهت لشرائها منذ أيام قبل شهر رمضان مباشرة مثل الخضروات، إذ بلغ سعر كيلوغرام الفلفل على سبيل المثال 17 جنيها (دولار) بعد أن كان سعره 5 جنيهات (0.31 دولار)، بينما تجاوز كيلوغرام الخيار 10 جنيهات (0.63 دولار)، وكان سعره يقدر بـ5 جنيهات أيضا، وكذلك الباذنجان وصل 15 جنيها (0.95 دولار) بعد أن كان يسجل 7 جنيهات (0.44 دولار) للكيلوغرام.

ولفتت إلى أن أسعار المنتجات الأخرى الهامة على غرار المعكرونة والدقيق والأرز وزيت الطعام شهدت تحريكا في أسعارها، وهو الأمر الذي اعتبرته غير مفهوم خصوصا في ظل التأكيد على توافر هذه المنتجات عبر وسائل الإعلام المختلفة، مشيرة إلى ضرورة وجود رقابة على الأسواق.

 

 

إجراءات حكومية

وفي سياق متصل، أعلنت الحكومة متمثلة في وزارتي التموين والزراعة عن توفير السلع الاستهلاكية والأساسية، وطرح منتجات رمضان بأسعار مخفضة للمواطنين كوسيلة لمحاولة الحد من الغلاء الذي ظهر بالسوق المصري، مؤكدة على تنفيذ العديد من الحملات الرقابية على التجار الذين يرفعون أسعار السلع بعد ملاحظة شكاوى متكررة تجاه رفع الأسعار.

في حين استبعد خبير الأسواق المالية الدكتور وائل النحاس انخفاض قيمة الجنيه المصري، رغم التهويلات التي يتم التصريح بها حيال الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها المزعومة بارتفاع في الأسعار يشهده السوق المصري، معتبرا أن انخفاض قيمة الجنيه المصري نابع من ارتفاع أسعار المنتجات المختلفة في ظل ضعف دور الدولة الرقابي على التجار وعلى الأسواق.

ودلل النحاس خلال تصريحات خاصة للجزيرة نت على كلامه بقوله "مصر لم تقم حتى الآن باستيراد منتجات غذائية من الخارج وجميع الأسعار الحالية بالأسواق من داخل مخازن التجار مثل القمح على سبيل المثال الذي لم يتم استيراده منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم ذلك ارتفعت الأسعار بالمخابز في ظل إعلان المسؤولين عدم وجود مشكلة ما تتعلق بنقص القمح أو صعوبة توفيره، الأمر الذي تعاني منه أغلب السلع التي ارتفعت أسعارها دون مبرر، إلا وجود مضاربات يقوم بها التجار إما خوفا من تأثيرات الحرب وإما رغبة في تحقيق الربح من الأزمة على حساب المواطن الذي لم يزداد دخله في الأصل ليواجه تلك الزيادات الكبيرة في الأسعار".

وفيما يتعلق بخروج الأجانب من الاستثمار في سندات الدين وسحب استثماراتهم، كان لدى النحاس رؤية مختلفة، إذ رأى أن تخارج المستثمرين دفعة واحدة ما هو إلا لغرض سياسي ناتج عن أوضاع حقوق الإنسان بمصر والتي ينتقدها الغرب بصورة مستمرة، مشيرا إلى أن مصر تعرض أعلى سعر فائدة للمستثمرين الأجانب في الدين، وهو ما يعد حافزا كبيرا لهم للدخول بأموالهم كما كانت تقدم لهم ضمانات كبيرة.

وشدد النحاس على ضرورة تفعيل دور مجموعة لإدارة أزمة الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي تأثرت بلا شك بالأسواق العالمية المتضررة بالفعل من الحرب الروسية والأوكرانية، مشيرا إلى أن المواطن المصري تزيد عليه الأعباء المالية في ظل ثبات الدخل الخاص به، مما يزيد من المعاناة ونسب الفقر حال عدم وجود سيطرة على الأسعار والمضاربات بالأسواق.

المصدر : الجزيرة