شلل تام في العاصمة السورية بسبب استمرار أزمتي شح المحروقات وانقطاع الكهرباء
خاص- تشتد أزمة شح المحروقات والمشتقات النفطية مجددا هذا العام في مناطق سيطرة النظام، لتشهد مختلف المناطق والمحافظات السورية أزمات خدمية ومعيشية خانقة، حيث شُلت حركة النقل والمواصلات خاصة في العاصمة دمشق وريفها، وازدادت -بالتالي- ساعات القطع الكهربائي لتصل إلى 22 و23 ساعة يوميا.
وإلى جانب ندرة المحروقات في السوق السوداء مع الارتفاع المستمر في أسعارها، تعطلت شبكات الهاتف المحمول والإنترنت في العديد من المناطق.
وتنعكس آثار هذه الأزمة بشكل حاد على معظم شرائح المجتمع السوري، لا سيما الطلبة والموظفين الذين كانوا يعانون -في الأساس قبل تفاقم الأزمة خلال الأيام القليلة الماضية- من غلاء المواصلات وصعوبة الوصول إلى وظائفهم وجامعاتهم ومدارسهم.
في حين تقف حكومة النظام في دمشق عاجزة عن إيجاد أي حلول لهذه الأزمة المتجددة منذ أعوام، وهو ما بدا واضحًا من تصريح وزير النفط والثروة المعدنية بسام طعمة -قبل أيام لوسائل إعلام حكومية- الذي أشار فيه إلى قلة حيلة النظام في السيطرة على الواردات من المشتقات النفطية.
تكلفة خيالية
وتشهد مواقف ومحطات الركاب الرئيسية في دمشق وريفها اكتظاظا غير مسبوق على وقع استمرار أزمة شح المازوت والبنزين، وتخفيض الحكومة مخصصات "الميكروباصات" من مادة المازوت، والميكروباص هو أرخص وسائل النقل في العاصمة وريفها ومن أكثرها حيوية.
ويضطر معظم الطلبة والموظفين وسائر الركاب إما للعودة إلى منازلهم بعد ساعات الانتظار الطويلة في المواقف، أو إلى التشارك في أجرة تاكسي، إذ تضاعفت أجرة التاكسي خلال الأسبوع الماضي لتصل إلى 7 آلاف ليرة (1.2 دولار) للراكب الواحد من الريف إلى دمشق، بعدما كانت تكلفتها 3500 ليرة (نصف دولار تقريبا).
وتقول راما (22 عاما)، وهي طالبة هندسة معلوماتية من ريف دمشق، للجزيرة نت: "لقد اضطررت هذا الأسبوع للغياب مرتين عن المحاضرات في الجامعة، بعد أن أنفقت مصروفي البالغ 50 ألفا (نحو 8 دولارات) بأكمله لدفع أجرة المواصلات في الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع".
وتضيف "إن استمر وضع المواصلات على هذه الحال فلن نتمكن، أنا والكثير من زملائي، من متابعة دراستنا الجامعية".
وبدورهم، اشتكى أصحاب السيارات الخاصة والعامة من تأخر وصول رسائل تعبئة البنزين عبر "البطاقة الذكية" لأكثر من 25 يومًا.
في حين أعلنت العديد من شركات النقل بين المحافظات، منذ الأربعاء الماضي، توقف رحلاتها لعدم توفر البنزين.
وأشارت تقارير صحف محلية إلى أن معظم المصانع الكبيرة خفضت، خلال الأيام القليلة الماضية، عدد سيارات التوزيع الخاصة بمنتجاتها بسبب عدم توفر الوقود، بينما أغلقت مصانع أخرى أبوابها حتى إشعار آخر.
الحكومة: ليس باليد حيلة!
وإضافة إلى أسابيع التأخر في صرف الحكومة لمخصصات المواطنين والسائقين والمرافق العامة من البنزين والمازوت، فإن المادتين منقطعتان منذ نحو أسبوع في السوق السوداء بشكل جزئي عن بعض المناطق، وبشكل كلي في أخرى، مثل مدينتي السويداء وحلب.
وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المادتين بشكل كبير مؤخرًا في السوق السوداء، حيث سجل سعر لتر البنزين 10 آلاف ليرة (1.7 دولار)، بينما تراوح سعر لتر المازوت بين 6500 و8 آلاف ليرة (بين 1.1 و1.3 دولار) في السوق السوداء.
ورسميًا، رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام -أمس الاثنين- سعر لتر البنزين إلى 4900 ليرة بعدما كان بـ3400 ليرة، ولتر المازوت الصناعي إلى 5400 ليرة بعدما كان بـ2500 ليرة.
من جهته، قال وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام بسام طعمة -في لقاء على التلفزيون السوري الرسمي الأربعاء الماضي- إن سوريا تعتمد بنسبة 90% في استهلاكها من المحروقات على التوريدات القادمة من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، وهذه التوريدات تخضع لاعتبارات دولية وظروف بيئية.
وأضاف الوزير "نحن قليلو الحيلة في السيطرة على المتغيرات التي تتحكم في وصول التوريدات من المشتقات النفطية".
وعزا المسؤول أزمة شح المحروقات المتفاقمة مؤخرا إلى الفساد الذي يطور أساليبه في القطاع النفطي، وإلى العقوبات الغربية المفروضة على البلاد التي أصبحت مشددة مؤخرا، وإلى "العدوان التركي" الأخير على سوريا الذي خلف أضرارا كبيرة في المنشآت النفطية شمال شرقي البلاد، وفق تعبيره.
أزمة كهرباء تفاقم المعاناة وتجمد الأعمال
وإلى جانب أزمة المواصلات الخانقة وندرة المحروقات، تشهد سائر مناطق سيطرة النظام زيادة في ساعات انقطاع الكهرباء التي باتت تصل إلى 22 و23 ساعة قطع يوميا.
وانعكس ذلك سلبا على مختلف القطاعات الخاصة والعامة والخدمات الحيوية في البلاد، مما أدى إلى حالة من الجمود في العديد من الأشغال التي تعتمد على الكهرباء.
ويقول طلال (47 عاما)، صاحب ورشة نجارة خشب في ريف دمشق، للجزيرة نت: "لم أتمكن من العمل منذ 4 أيام، فالكهرباء بالكاد تصل لمدة نصف ساعة أو ساعة كل 10 ساعات، ولدي مولد كهربائي يحتاج إلى بنزين لكي يعمل، ولكن حتى الوقود غير متوفر".
وحال طلال هي حال معظم أصحاب الورش والمحال التجارية، وغيرهم من أصحاب المهن الذين يعتمدون على الكهرباء بشكل رئيسي في أعمالهم.
كما تفاقم أزمة الطاقة معاناة السوريين في منازلهم، حيث يضطرون إلى استغلال فترة وصول الكهرباء القصيرة لشحن بطاريات الإنارة والاستحمام والطهي، وذلك بعد ارتفاع ثمن جرة الغاز المنزلي في السوق السوداء إلى 250 ألف ليرة (43 دولارا).
ومن جهته، تحدث مصدر في وزارة الكهرباء -في تصريح لصحيفة الوطن (شبه الرسمية) الخميس الماضي- عن ارتفاع ساعات القطع إلى 10 ساعات مقابل ساعة وصل في بعض أحياء دمشق، وأرجع ذلك إلى انخفاض التوريدات من المشتقات النفطية، وارتفاع الحمولات على الشبكة الكهربائية الذي تسبب في خروج الكثير من مراكز التحويل عن الخدمة.
وفي إشارة إلى عجز الحكومة عن السيطرة على أزمة الطاقة، قال مدير توليد الكهرباء في المؤسسة العامة للكهرباء في دمشق، هيثم الميلع، الأحد الماضي عبر أثير إذاعة المدينة "إف إم" (FM) المحلية، إن واقع الكهرباء الحالي سيستمر "ونتمنى ألا يصبح أسـوأ".
أضرار جانبية واستمرار الأزمة
وتسببت أزمتا الكهرباء وشح المحروقات في انقطاع شبكات الهاتف الخلوي والإنترنت والهاتف الأرضي في العديد من المناطق بما في ذلك العاصمة وريفها.
وقالت الشركة السورية للاتصالات، في بيان لها الأربعاء الماضي، إن سبب خروج عدد من المراكز الهاتفية عن الخدمة يعود لصعوبة تأمين الوقود اللازم لعمل المولدات الكهربائية الضرورية لتأمين استمرارية تشغيل هذه المراكز.
ورغم ما نقلته صحيفة الوطن عن مصدر في طهران -نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اتخذ قرارًا بزيادة كميات التوريدات النفطية إلى سوريا من مليوني برميل شهريا إلى 3 ملايين برميل، وذلك لمساعدتها في تجاوز أزمة الطاقة، ورغم وصول ناقلة النفط الإيرانية "لانا" -التي كانت مصادرة من قِبل الولايات المتحدة في اليونان لأشهر- إلى الشواطئ السورية يوم الجمعة الماضي، فإن أزمة الكهرباء وشح المحروقات لا تزال مستمرة حتى الآن.