مع فرض ضرائب جديدة.. ماذا ينتظر تونس العام المقبل؟

الحكومة التونسية تفرض ضرائب جديدة لتعبئة موارد الموازنة/قصر الحكومة بالقصبة/العاصمة تونس/ديسمبر/كانون الأول 2022 (صفحة رئاسة الحكومة)
الحكومة التونسية تفرض ضرائب جديدة لتعبئة موارد الموازنة (الصحافة التونسية)

تونس – "ماذا ينتظر تونس العام المقبل؟"، من المفترض أن يجيب عن هذا السؤال قانون المالية لسنة 2023 المشبع -حسب البعض- بتدابير موجعة ستخلق معدلات تضخم أكبر وستنهك الأشخاص والشركات، لكن حكومة الرئيس قيس سعيد تنكر ذلك.

وعكس ما دأبت عليه الحكومات بعد الثورة من تمرير مشروع قانون المالية لمناقشته في البرلمان نُشر قبل أيام هذا القانون بالجريدة الرسمية دون مشاورات مستفيضة، نظرا لتجميد البرلمان من قبل الرئيس قيس سعيد قبل عام ونصف.

والنتيجة هي أن قانون المالية للعام المقبل جاء ضعيفا بالنسبة للبعض، نظرا للإجماع الكبير من الخبراء والمنظمات والأحزاب على عدم استجابته لمطالب التونسيين بحلحلة الأوضاع الاقتصادية، بل جاء ليصب الزيت على النار، حسب تقدير مراقبين.

فتيل الاحتجاجات

يقول الخبير الاقتصادي رضا قويعة للجزيرة نت إن قانون المالية للعام المقبل قادر على أن يشعل فتيل الاحتجاجات، وبرر ذلك بالإجراءات المتضمنة فيه، والتي لا يختلف اثنان على أنها ستزيد نسبة ارتفاع الأسعار المشتعلة أصلا في البلاد.

وتمر تونس بأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية منذ اندلاع الثورة قبل 11 عاما، لكنها اليوم وسط مفترق طرق وانسداد أفق عقب التدابير الاستثنائية التي يحكم بها سعيد البلاد، خاصة جراء الغلاء ونقص السلع.

ومما سيزيد التضخم الكم الهائل من الإجراءات الهادفة لزيادة الموارد الضريبية للدولة، فمن موازنة تبلغ نحو 70 مليار دينار (22.3 مليار دولار) تبلغ الضرائب المباشرة 40 مليار دينار (12.75 مليار دولار).

ويقول قويعة إن لزيادة الضرائب على الأشخاص والشركات بشكل كبير انعكاسات خطيرة على ارتفاع الأسعار، هذا فضلا عن تأثيراتها السلبية في تعطيل الاستثمار وخلق الثروة والنمو الاقتصادي ودفع عجلة التشغيل والتنمية.

وبالنسبة إليه، فإن الأوضاع ستزداد صعوبة العام المقبل على التونسيين مع بلوغ مستوى تضخم متعدد الأبعاد، بسبب التوجه العام القادم لزيادة أسعار أغلب السلع والمنتجات الزراعية والصناعية، ولا سيما مع ذهاب الحكومة لخفض نفقات الدعم.

وخفضت الحكومة نفقات الدعم الحكومي على المحروقات والمواد الأساسية لخفض عجز الموازنة إلى حدود 7.5 مليارات دينار، ومثلما رفعت الحكومة سعر المحروقات العام الجاري 5 مرات لن يختلف الأمر العام المقبل.

ومن المقرر أن يتراجع دعم المحروقات في موازنة تونس 2023 بنسبة 26% مقارنة بسنة 2022، وسيفضي التراجع إلى مواصلة اعتماد زيادات دورية في أسعار الوقود من خلال تفعيل آلية التعديل الآلي للمشتقات النفطية.

ولا يتضمن قانون المالية حوافز لدفع الاستثمار أو التنمية أو تحسين مناخ الأعمال أو كبح جماح التضخم وفق قويعة الذي يرى أن نسبة النمو المتوقعة 1.8% العام المقبل مخجلة ولا تلبي مطالب الشباب في التشغيل.

إثقال كاهل المواطنين

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي للجزيرة نت إن قانون المالية للعام المقبل وُضع لإثقال كاهل الأشخاص والشركات عبر تسليط أعباء إضافية من الضرائب، فيما لم تصب إجراءاته البنوك بأي سوء.

ويضيف "الغريب أن البنوك التي حققت أرباحا خيالية بعد الثورة جراء إقراض الدولة بفوائض مهمة لم يشملها أي إجراء"، في المقابل ستواصل الحكومة الاقتراض من السوق الداخلية عبر البنوك بحجم يصل 9.5 مليارات دينار (3 مليارات دولار).

واللافت بالنسبة إليه هو تضخم حجم الموازنة بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، فقد مرت من نحو 57 مليار دينار إلى 70 مليار دينار (22.3 مليار دولار)، مؤكدا أن قانون المالية هو عبارة عن قانون جباية، إذ ستتأتى أغلب الموارد من الضرائب الجديدة.

ولزيادة عائداتها الضريبية أقرت الحكومة إجراءات، أبرزها ضريبة ثروة جديدة بنسبة 0.5% على العقارات، كما رفعت ضريبة القيمة المضافة من 13 إلى 19% لبعض المهن الحرة مثل المحامين والأطباء.

وصيغ قانون المالية على فرضيات عدة، منها استخلاص ضرائب مباشرة بقيمة 40 مليار (12.75 مليار دولار) دينار، و6 مليارات دينار ضرائب غير مباشرة عبر خصخصة بعض المؤسسات العمومية، وفق الشكندالي.

ويرى أن زيادة الضغط الجبائي ستعكر مناخ الأعمال والاستثمار المتعثر جراء الأزمة بالبلاد، مؤكدا أن الحكومة غير قادرة على تحصيل الضرائب المفترضة، بسبب لجوء الأشخاص والشركات إلى التهرب الضريبي.

وتمت صياغة الموازنة على فرضية الاقتراض من الخارج بنحو 15 مليار دينار (5 مليارات دولار)، لكن الشكندالي يرى أن هذا مستبعد، لأن تونس لم تحصل على أي قرض من أي مؤسسة مالية رغم حصولها على اتفاق مبدئي منذ شهرين مع صندوق النقد.

وبالنسبة للرئيس التونسي وحكومته يبدو الوضع ضبابيا بشأن القدرة على توفير الموارد اللازمة للموازنة على ضوء الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، كما تبدو الأوضاع داخليا مربكة مع توجه الحكومة إلى فرض زيادات على المحروقات.

ويقول الشكندالي إن البلاد تتجه إلى الهاوية مع دخولها في دوامة مفرطة من الاقتراض دون خلق الثروة، مما يؤدي إلى مزيد من التضخم، وهو العدو الأول للقدرة الشرائية للتونسيين الذين أصبحوا يعانون وضعا اجتماعيا مستفحلا.

ووجهت نقابات عمالية مثل اتحاد الشغل واتحاد عمال تونس انتقادات لقانون المالية سنة 2023، معتبرة أنه لا يستجيب لتطلعات التونسيين في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية "بقدر ما هو إذعان لشروط صندوق النقد".

وبلغ الأمر ببعض المنظمات الطلابية مثل الاتحاد العام لطلبة تونس إلى اعتبار قانون المالية لسنة 2023 "حربا على الفقراء" بدعوى أنه غير قادر على حل أدنى متطلبات حياة التونسيين، خاصة مشكلة التضخم البالغ نحو 10%.

وقد عبرت عدد من الهيئات التونسية مثل هيئة المحامين وهيئة الخبراء المحاسبين ونقابة أطباء القطاع الخاص عن رفضها ما جاء في قانون المالية، بسبب ما اعتبرتها زيادة كبيرة في الضرائب تسببت في وضع اقتصادي صعب.

دعم الفئات الضعيفة

من جهة أخرى، قالت وزيرة المالية سهام نمصية في مؤتمر صحفي عقدته مؤخرا بحضور مجموعة من الوزراء لتقديم قانون المالية إن القانون يهدف إلى تحسين القوة الشرائية للتونسيين وتخفيف العبء الجبائي عليهم، رافضة الانتقادات الموجهة إليه.

وأكدت نمصية أن قانون المالية أقر قانون الموازنة لدعم تمويل المشاريع للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل، ودعم تمويل المشاريع الصغرى لفائدة حاملي الشهادات العليا، ولترشيد نفقات الدعم الحكومي وتوجيهه نحو مستحقيه وغيرها.

ويسعى قانون الموازنة الجديد إلى تحقيق تراجع في عجز الميزانية بالاستناد إلى ارتفاع منتظر في المداخيل الضريبية وتراجع نفقات الدعم، وهي جزء من الإصلاحات الاقتصادية التي طالب بها صندوق النقد الدولي، وفق الوزيرة.

وأكدت وزيرة المالية أن إصدار قانون المالية لسنة 2023 سيسهل التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على 4 سنوات بناء على اتفاق سابق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقالت إن تأخر المفاوضات مع صندوق النقد لم يكن له تأثير على احترام الدولة تعهداتها، ولا سيما بتأمين دفع الأجور وتخصيص اعتمادات الدعم وسداد كل الأقساط المبرمجة للقروض الخارجية في آجالها واحترام التزاماتها تجاه المانحين.

المصدر : الجزيرة