أزمة نقص الغاز.. هل تجمد برودة الشتاء الصناعات الإيرانية؟
طهران- لم تكن تعرف الأوساط الإيرانية عند عزفها قبل أشهر على وتر نقص الطاقة في أوروبا وتحذير قادتها من شتاء قاس وبرد قارس ينتظر بلادهم، أن أزمة الطاقة ستدق ناقوسها في الجمهورية الإسلامية قبيل الشتاء إثر تفاقم الاستهلاك المنزلي والتجاري فيها.
وبعد وقف تدفق الغاز الروسي نحو أوروبا عقب العقوبات الغربية المفروضة على موسكو جراء حربها على أوكرانيا، كانت إيران تعوّل على قساوة الشتاء لحث الجانب الأوروبي على بذل جهد أكبر في سبيل إنقاذ الاتفاق النووي، إلا أن اعتدال الطقس في الخريف الجاري، ساعد على ملء خزانات الغاز في دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب استمرار تدفقات الغاز إليها من بعض دول العالم.
ومع وصول مفاوضات فيينا النووية إلى طريق مسدود، لم تعد إيران -التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز، وتصنف بأنها ثالث أكبر منتج له في العالم- تُخفي أنها أمست تواجه مشكلة في توفير الغاز للقطاعات الصناعية في ظل تراجع درجات الحرارة وتفاقم استهلاكه على المستوى الوطني.
نقص الغاز
ومع الاستقرار النسبي الذي يشهده قطاع الطاقة في أوروبا، بدأ الشتاء القارس يحط رحاله في إيران، مما ضاعف استهلاكها المنزلي والتجاري والإداري من الغاز على حساب القطاعات الصناعية التي شهد تدفق الغاز إليها تقنينا في المرحلة الأولى، وقد تتفاقم المعضلة إلى قطعه كليا.
وتحت عنوان "بدء قطع الغاز في القطاعات الصناعية"، نقلت صحيفة "مردم سالاري" عن عباس جبال بارزي نائب رئيس اللجنة الصناعية في غرفة إيران للتجارة قوله إن تدفق الغاز إلى مصانع الصلب في إيران تراجع إلى الثلث؛ مما يعني توقف بعض الأقسام الصناعية عن العمل.
في حين ذكر موقع "صداي بورس" الإخباري عن صدور أوامر بقطع الغاز عن 10 مجمعات لإنتاج البتروكيماويات بسبب تزايد الاستهلاك المنزلي في فصل الشتاء، مؤكدا أن سهم انقطاع الغاز أصاب كذلك بعض مصانع الإسمنت خلال الأيام الماضية.
من جانبه، يرى الباحث الإيراني في شؤون الطاقة عسكر سرمست أن عجز الطاقة -لا سيما نقص الغاز في الشتاء ونقص الكهرباء في الصيف- ليس جديدا على بلاده، بسبب أن الاستهلاك المنزلي يستحوذ على حصة الأسد في سلة الاستهلاك؛ مما يتطلب خططا لترشيد الاستهلاك فيها.
تهالك المنشآت
وكان وزير النفط الإيراني جواد أوجي توقع أن تشهد البلاد نقصا يقدر بنحو 230 إلى 250 مليون متر مكعب من الغاز في ذروة الاستهلاك خلال فصل الشتاء المقبل.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح سرمست أن بلاده تصدر الفائض من الغاز والكهرباء إلى دول الجوار، وأنها لا تعاني من نقص سوى في مواسم محددة، مؤكدا أنه بإمكان طهران تجاوز مشكلة النقص في الطاقة عبر التوافق مع زبائنها الأجانب على خفض كميات صادراتها في تلك المواسم.
ولدى إشارته إلى احتياطي بلاده من الغاز والنفط، رأى الباحث الإيراني أن القطاع بحاجة إلى استثمارات للنهوض بالبلاد اقتصاديا بدل أن يكون هاجسها الرئيسي إدارة الاستهلاك المنزلي، واصفا أسعار الطاقة المتدنية بأنها أحد الأسباب وراء تفاقم الاستهلاك المنزلي في بلاده.
وبسبب العقوبات الأميركية المستمرة منذ سنوات، دخل قطاع النفط والغاز في إيران طور التهالك، وأضحى بحاجة ماسة للتحديث والتطوير واستقدام تقنيات حديثة، مما دفع الشركة الوطنية الإيرانية للنفط إلى توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "غازبروم" الروسية لتطوير 3 حقول غاز إيرانية و6 أخرى للنفط بقيمة 40 مليار دولار.
وتأتي الصفقة حلقة من سلسلة الحلول العاجلة التي تبحث عنها طهران للاستثمار في قطاعي النفط والغاز؛ إذ حذر وزير النفط الإيراني من تحول بلاده إلى مستورد للمنتجات النفطية والغازية في حال عدم استقطابها 240 مليار دولار خلال الأعوام الـ8 المقبلة للاستثمار في قطاعي النفط والغاز، وذلك بسبب تراجع الضغط في عدد من الحقول وللحفاظ على الطاقة الإنتاجية في الحقول الأخری.
تنافس سلبي
ولم تقتصر محن قطاعي النفط والغاز في إيران على تهالك المنشآت وتفاقم الاستهلاك الداخلي في فصل الشتاء مما يعرقل تدفق صادراتها من الغاز إلى العراق وتركيا، وإنما أصبحت صادرات نفطها تكتوي بفعل العقوبات الغربية على روسيا، وفق الباحث الاقتصادي داود عالمي بور.
ويؤيد عالمي بور التقارير التي تتحدث عن تراجع صادرات النفط الإيراني إلى شرق آسيا بعد توجه موسكو لبيع نفطها في الأسواق التقليدية للنفط الإيراني، مؤكدا للجزيرة نت أن تحديد الجانب الأوروبي سقفا لأسعار النفط الروسي ومواصلة النقاش في الاتحاد الأوروبي بشأن خطته الرامية لوضع سقف سعر للغاز في أسواقه سينعكس سلبا على صادرات النفط الإيراني.
وأشار الباحث الإيراني إلى أن تحديد سقف للنفط الروسي انعكس سلبا على أسعاره التي تراجعت إلى 53 دولارا للبرميل خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكدا أن الخطوة الأوروبية ستدفع روسيا إلى بيع كميات أخرى بأسعار متدنية؛ مما سيضيق الخناق على النفط الإيراني في أسواق الطاقة.
وخلص عالمي بور إلى أن تخفيف العقوبات الأميركية على قطاع النفط الفنزويلي سينعكس إيجابيا على بناء صناعتها النفطية والسماح لنفطها الخام بالتدفق إلى الأسواق العالمية على حساب حاجتها للنفط الإيراني المنهك من العقوبات.
وبالعودة إلى أزمة نقص الغاز هذه الأيام في إيران، يقترح الباحث الإيراني اعتماد نظام التدفئة بالماء الساخن بدل المواقد المعدنية التي تستهلك كميات كبيرة جدا من الغاز خلال فصل الشتاء في إيران.