رغم الاكتفاء الذاتي.. لماذا يختفي الأرز في مصر؟

A farmer shows rice grains after harvesting it from a field in the province of Al-Sharkia, northeast of Cairo, Egypt, September 21, 2021. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
الأرز يعد من السلع التموينية التي تقوم الحكومة بصرفها لنحو 23 مليون بطاقة تموين ضمن بعض المواد المدعومة (رويترز)

القاهرة – برزت أزمة اختفاء الأرز وارتفاع سعره إلى الواجهة في مصر مع اقتراب انتهاء موسم الحصاد، رغم زرع مساحات تكفي الاستهلاك المحلي دون الحاجة للاستيراد من الخارج لثاني أهم سلعة غذائية للمصريين بعد القمح.

واختفى الأرز في العديد من فروع المتاجر والأسواق الكبيرة في محافظات القاهرة الكبرى، بعد أن تجاوز سعره 20 جنيها للكيلوغرام الواحد في بعض الأماكن، بدلا من 10 جنيهات (الدولار يساوي 24.50 جنيها).

وفي ظل تزايد الأزمة، قررت الحكومة المصرية اعتبار سلعة الأرز من المنتجات الإستراتيجية، وبالتالي حظر حبسها عن التداول، سواء عبر إخفائها أو عدم طرحها للبيع أو الامتناع عن بيعها أو بأي صورة أخرى.

وألزم القرار الصادر أمس الأربعاء، حائزي الأرز لغير الاستعمال الشخصي من المنتجين والموردين والموزعين والبائعين ومن في حكمهم بالمبادرة إلى إخطار الجهات المسؤولة بنوعية وكميات الأرز المخزنة لديهم، على أن يتم الالتزام بضوابط وإجراءات التوريد التي يصدر بتحديدها قرار من وزير التموين والتجارة الداخلية.

وأكد عدد من تجار التجزئة والجملة أن هناك نقصا كبيرا في الأرز، والكميات التي تأتي تنفد خلال ساعات، وقال أحد المشرفين للجزيرة نت عند سؤاله عن عدم وجود الأرز إن سلطات التموين صادرت الكمية القادمة للمتجر عند إحدى نقاط التفتيش رغم وجود فاتورة بالكمية المحملة بسيارة البضائع.

وما يشير إلى وجود الأزمة هو أن السلاسل التجارية -في حال وجود الأرز لديها- لا تسمح للزبائن بشراء أكثر من كيلوغرامين من الأرز وفق السعر الذي حددته وزارة التموين وهو 15 جنيها للأرز المعبأ، كما اختفت الأكياس عبوة 5 كلغم و10 كلغم و20 كلغم.

في حين تتوافر أنواع أخرى مستوردة من الأرز الآسيوي (البسمتي) الذي لا يفضله المصريون إلا في أضيق الحدود، نظرا لاختلاف طعمه عن الأرز البلدي، وارتفاع ثمنه عدة أضعاف مقارنة بالأرز المحلي.

سلاسل تجارية تحدد 2 كيلو أرز للعميل فقط (الجزيرة نت)
سلاسل تجارية في مصر تحدد كيلوغرامين فقط من الأرز للعميل الواحد (الجزيرة)

نفي حكومي وردود شعبية

ومطلع الأسبوع الجاري، نفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، على صفحته بموقع فيسبوك، ما تداولته بعض المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي من أنباء عن عجز في الكميات المعروضة من الأرز الأبيض بالأسواق والمنافذ التموينية.

ونقل المركز عن وزارة التموين توفر الأرز الأبيض بسعر 10.5 جنيهات للكيلوغرام بالمجمعات الاستهلاكية والمنافذ التموينية، في حين يتراوح سعره بالأسواق بين 12 و15 جنيها للكيلوغرام، كما يتوافر مخزون إستراتيجي من الأرز يكفي الاستهلاك المحلي لمدة عام، مشددة على شن حملات تفتيش دورية على كافة الأسواق لمنع أي تلاعب بالأسعار أو ممارسات احتكارية.

وجاءت الردود على نفي المركز الإعلامي لمجلس الوزراء سريعةً على لسان المواطنين الذين أكدوا في تعليقاتهم التي نشروها تعقيبا على المنشور الحكومي أن الأرز غير متوفر في أماكن إقاماتهم، مشيرين إلى أن هناك أزمة في الأسعار والأنواع والكميات.

وقالت إحدى السيدات في حي الهرم بالجيزة إنها تبحث عن الأرز في عدد من السلاسل التجارية، وفي كل مرة يقال لها إن الكمية نفذت، ولا تجده سواء بالسعر الرسمي أو السعر الموازي.

وأشارت في حديثها للجزيرة نت إلى أنه ليس أمامها خيار سوى الذهاب للمجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين، وأي حديث غير ذلك هو للاستهلاك الإعلامي، على حد قولها.

والأرز وجبة طعام رئيسية للمصريين، وأحد السلع التموينية التي تقوم الحكومة بصرفها لنحو 23 مليون بطاقة تموين ضمن بعض المواد المدعومة، مثل الزيت والسكر والمكرونة والشاي، إلى جانب الخبز المدعم.

 

 

قرارات حكومية صدرت الأزمة

في أغسطس/آب الماضي، أصدر وزير التموين المصري علي المصيلحي قرارا وزاريا لتنظيم التداول والتعامل مع الأرز الشعير المحلي لموسم الحصاد 2022 الذي بدأ يوم 25 أغسطس/آب الماضي ويستمر حتى 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ونص القرار على إلزام المزارعين بتوريد طن واحد من الأرز الشعير عن كل فدان مزروع (يعادل 25% من إنتاج الفدان) لحساب هيئة السلع التموينية، من أجل جمع 1.5 مليون طن من الأرز الشعير خلال موسم التوريد لهذا العام.

وبررت وزارة التموين إعادة سياسة التوريد الإجباري لمحصول الأرز بدعم إستراتيجية تعزيز الأمن الغذائي من السلع الأساسية، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز، وتأمين احتياجات بطاقات التموين من هذه السلعة الإستراتيجية.

وبلغ إجمالي المساحة المزروعة من الأرز الشعير الموسم الماضي 1.5 مليون فدان بإجمالي إنتاج بلغ 6 ملايين طن من الأرز الشعير، أي ما يعادل نحو 3.5 ملايين طن أرز أبيض، في حين يبلغ الاستهلاك المحلي 3.2 ملايين طن سنويا، وفقا لتصريحات المصيلحي.

محصول جمع الأرز
إجمالي المساحة المزروعة من الأرز الشعير بلغ الموسم الماضي 1.5 مليون فدان (الجزيرة)

طن الأرز نصف سعر طن الأعلاف

حددت الحكومة سعر الأرز الشعير الرفيع بـ6600 جنيه للطن، والأرز الشعير العريض بـ6850 جنيها للطن، واعتبرته مجزيا وبه هامش ربح عادل للمزارعين، وأنه جاء بعد حساب التكلفة الفعلية، رغم اعتراض البعض على السعر، فإن محصول الموسم الماضي كان يباع بـ10 آلاف في الأسواق.

واتخذت مصر سبيلا جديدا لتعزيز توريد المحاصيل الإستراتيجية العام الجاري، في ظل ارتفاع الأسعار العالمية، بدأته مع محصول القمح. وقال أحد المزارعين، ويدعى الحاج سلام، للجزيرة نت "كيف يباع طن الأرز بـ6600 جنيه في حين تصل أسعار بعض المحاصيل الأخرى التي يستهلكها الفلاح مثل الأعلاف 17 ألف جنيه، والفول (وجبة الغلابة) 20 ألف جنيه".

وأقرت الحكومة المصرية عقوبات على الممتنعين عن تسليم الحصة الإجبارية، شملت الحرمان من زراعة الأرز الموسم المقبل، والحرمان من الأسمدة والمبيدات المدعمة لجميع المحاصيل لمدة عام، فضلًا عن سداد 10 آلاف جنيه مقابل الطن الذي لم يُسلم.

الأرز سلعة للمضاربة

نفى النقيب العام للفلاحين حسين أبو صدام أن يكون الفلاح هو المسؤول عن أزمة نقص الأرز في الأسواق، وقال "غالبية الفلاحين يبيعون محصولهم لاحتياجهم للمال وسداد الالتزامات المالية والاستعداد للزراعات المقبلة، ولا يخزن إلا ما يحتاجه هو وأسرته طوال العام، ولا يوجد لدى الكثيرين أماكن لتخزين كميات كبيرة".

واعتبر أبو صدام، في حديثه للجزيرة نت، أن المسؤول في المقام الأول عن حالة الاضطراب في المعروض والأسعار هم تجار الأرز الكبار وبعض المضاربين الذين قاموا بشراء الأرز وتعبئته وتخزينه وعدم بيعه بالسعر الحكومي المعلن لتحقيق مكاسب أكبر وأفضل، لافتا إلى أن الأرز تحوّل إلى سلعة للمضاربة لأنه يسهل تخزينه.

ولم يعف أبو صدام الحكومة من المسؤولية، وأوضح أن الحكومة لديها بيانات كل التجار وعليها تشديد الرقابة عليهم جميعا؛ لأن المحصول لا يزرع إلا في عدد محدد من المحافظات، وبالتالي تتم زراعته وحصده وتجهيزه في عدد محدود من الأماكن، وإذا كانت الحكومة استشرفت وجود أزمة في نقص المحاصيل الزراعية على مستوى العالم كان عليها العمل بشكل أفضل لتأمين الأرز، أهم وجبة للمصريين.

 

 

إجراءات حكومية لاحتواء الأزمة

وفي إجراء آخر ضمن جهود الحكومة المصرية لتوفير الأرز، أعلنت استمرار العمل بقرار حظر تصدير الأرز من أجل تأمين احتياجات السوق المحلية، مع تشديد وإحكام الرقابة على المنافذ.

ورغم حديث وزير التموين قبل أكثر من شهر عن استمرار العمل على توفير الأرز بمختلف المجمعات الاستهلاكية على مستوى الجمهورية، للمساهمة في خفض أسعاره بالسوق المحلية بـ10 جنيهات للكيلوغرام من أجل التيسير على المواطنين في الحصول على احتياجاتهم من هذه السلعة الضرورية، فإن الأزمة تفاقمت.

ما يعكس حجم الأزمة واستمراها توجيه وزارة التموين أول أمس الثلاثاء إنذارا لمضارب الأرز (المسؤولة عن فصل القشرة عن حبة الأرز) المعتمدة من المديريات والتي لم تقم بالتعاقد مع ‏هيئة السلع التموينية، ومنحها مهلة 48 ساعة من تاريخ ‏الإنذار لإتمام التعاقد وإلا يتم إلغاء الاعتماد واتخاذ إجراءات الغلق فورا.

كما وافقت الحكومة على السماح لمضارب ‏القطاع الخاص المتعاقدة مع هيئة السلع التموينية بضرب ‏الأرز الخاص بها، وطرحه بالأسواق تحت إشراف مديرية التموين التابع لها ‏المضرب، وعدم جواز تعبئة الأرز الأبيض في عبوات تزيد ‏عن كيلوغرام واحد، إلا بموجب تصريح من مديرية ‏التموين، وعدم جواز نقل الأرز الأبيض خارج المحافظة المنتجة له ‏إلا بتصريح.

ووجه وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي الشركة القابضة للصناعات الغذائية بإتاحة وتوفير وزيادة المعروض من الأرز الأبيض داخل المنظومة التموينية بسعر 105 جنيهات للكيلوغرام، وكذلك البيع الحر للأرز الأبيض البلدي بسعر 145 جنيها للكيلوغرام في كافة فروع المجمعات الاستهلاكية.

واعتبر تجار أن تحديد الحكومة سعر الأرز بدلا من تركه للطلب والعرض هو السبب الرئيسي في تراجع المعروض، وطالبت شعبة الأرز بغرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية بتحرير سوق اﻷرز في مذكرة للبرلمان الشهر الماضي.

ورصدت المذكرة سوء الوضع الذي وصل إليه سوق الأرز بسبب قرارات وزارة التموين منذ بداية موسم الحصاد فيما يتعلق بالتسعير ومنع القطاع الخاص وشركات المضارب من جمع أي كميات من المحصول.

من جهته، كشف رئيس شركة مضرب الإخلاص ياسر اختيار، في تصريحات صحفية سابقة، أن السوق السوداء هي من تُسيطر حاليا على تسويق محصول الأرز، وأن الأسعار تتفاوت بصورة كبيرة من منطقة لأخرى.

المصدر : الجزيرة