الاقتصاد والاستثمار في أوكرانيا.. أول ضحايا الأزمة مع روسيا

Ukrainian economy
قيمة العملة الأوكرانية تراجعت بنسبة تقارب 12% أمام الدولار منذ بداية العام الجاري (شترستوك)

كييف – يبقى سيناريو الغزو الروسي لأوكرانيا في دائرة الاحتمال، وتبقى النوايا الروسية حبيسة الكرملين في هذا الصدد؛ لكن الحديث عنه، والتصعيد الدائر وسط حشود روسيا العسكرية على حدود أوكرانيا، كانا كفيلين بإيقاع الاقتصاد والاستثمار ضمن أول الضحايا.

وتبرز هذه المؤشرات من خلال أسعار الصرف والسندات ونسب التضخم، والأخطر قد يأتي بإحجام المستثمرين عن دخول السوق الأوكرانية، واضطرار كييف لطرق أبواب المانحين وصندوق النقد مجددا.

منذ بداية العام الجاري، تراجعت قيمة العملة المحلية "هريفنيا" بنسبة تقارب 12% أمام الدولار، ونسب التضخم قفزت في المتوسط بواقع 10.2%، في حين انخفضت أسعار سندات اليورو السيادية الأوكرانية أمام الدولار الأميركي فجأة بنسبة 11% إلى 14%، مما يهدد أوكرانيا -عمليا- بعدم الوصول إلى سوق المال الدولي.

التصعيد الأكثر خطورة

وهنا قد يتساءل البعض عما يميز التصعيد الراهن عن سابقيه ليجعله الأكثر خطورة، لا سيما وأن أوكرانيا تشهد حربا مع الموالين لروسيا، وعلاقات متوترة مع موسكو، منذ 2014.

يشرح المدير التنفيذي لمركز الإستراتيجية الاقتصادية هليب فيشلينسكي للجزيرة نت، فيقول "الفرق الرئيسي عن الوضع في 2014-2015 هو أن السوق الآن يتفاعل مع التهديدات مباشرة، بحكم أن الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، وليس مع الإجراءات الفعلية على الأرض، وهذا التفاعل يشمل سوق السندات وحجم الاستثمار".

ويضيف أن مثل هذا الوضع -على المدى الطويل- قد يؤدي إلى تراجع قدرة الحكومة الأوكرانية على دخول سوق الاقتراض. فقبل انتشار أخبار التصعيد من قبل روسيا، بلغت فائدة السندات الأوكرانية 6-8% سنويا بالدولار، والحصول على قروض بنسبة فوائد تبلغ 25% سنويا سيؤدي إلى الإفلاس.

ويتابع أن ضغط المعلومات سيزيد من خطر ابتعاد الاستثمارات طويلة الأجل عن أوكرانيا، ويبطئ النمو الاقتصادي المتأثر أصلا بجائحة كورونا.

إحجام المستثمرين

ورغم ما حمله عام 2021 من تحديات، فإن الأوكرانيين يعتبرون أنه كان عاما استثماريا ناجحا، ضخ فيه المستثمرون نحو 6 مليارات دولار في اقتصاد البلاد، مما ساهم في تحقيق نمو نسبته 5.7% في الناتج المحلي خلال الربع الثاني من العام فقط، في حين أن صندوق النقد حدد توقعاته عند 3.2%.

لكن هذا الأمر مهدد اليوم بسبب التصعيد ونذر الحرب، لأن "مزاج المستثمرين والمزاج المالي العالمي تدهور في أوائل 2022″، حسب أندري دميترينكو المدير الإداري لشركة دراجون كابيتال.

ويوضح دميترينكو أن التصعيد يدفع المستثمرين الأجانب إلى تصنيف الاستثمار في أوكرانيا -حاليا- كنوع من مخاطر مفرطة، ولذلك هم ليسوا مستعدين لإقراض الحكومة الأوكرانية أو الشركات الأوكرانية بأي ثمن.

وأضاف أن هذا يفرض قيودا خطيرة على اقتصاد أوكرانيا، ومن المرجح أن يؤدي إلى تراجع فرص الانتعاش والنمو الاقتصادي إلى ما دون توقعات صندوق النقد الدولي المتواضعة أصلا لعام 2022، التي بلغت 3.6%.

شبح الاقتراض

ورغم التوتر، فإن أوكرانيا استطاعت تحقيق استقرار اقتصادي نسبي خلال السنوات الماضية، لكن هذا الاستقرار مهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى، وقد يدفعها مجددا إلى طلب قروض صندوق النقد الدولي، رغم صعوبة هذا الأمر.

قبل نهاية 2021، بلغت احتياطات أوكرانيا الدولية من النقد الأجنبي نحو 31 مليار دولار، في حين كانت عند حدود 7.5 مليارات دولار في 2014، مما أدى إلى خفض العجز في الميزانية إلى مستويات قياسية.

وبالفعل، أكد رئيس مجلس الوزراء دينيس شميهال أن أوكرانيا تعتزم مواصلة التعاون مع صندوق النقد الدولي مباشرة بعد انتهاء فترة برنامج "التعاون" السابق في صيف العام الجاري.

صعوبة الأمر، من وجهة نظر هليب فيشلينسكي، تكمن في قدرة أوكرانيا على إقناع الصندوق وباقي المانحين في ظل التصعيد.

ويشير فيشلينسكي إلى أن الحكومة الأوكرانية السابقة، بقيادة رئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك،  استغرقت عدة سنوات لإقناع العالم بتمويل البلاد بعد الأزمة المالية العالمية، وتكرر المشهد في أعوام الأزمة الراهنة الأولى (2014-2015).

وأضاف أنه في ظل استمرار الأزمة والتصعيد الراهن، قد تكون كييف بين نار التضخم والعجز، ونار شروط الحصول على القروض، المرتبطة -غالبا- برفع الأسعار إلى مستويات قد لا يقوى على تحملها الشعب.

General view of Bogorechanske gas storage facility in Ivano-Frankivsk region near Ukraines western borders
رغم التوتر فإن أوكرانيا استطاعت تحقيق استقرار اقتصادي نسبي خلال السنوات الماضية (رويترز)

أسعار الغاز

ويرتبط ذكر التصعيد العسكري الراهن بمقدمة سبقته عندما رفعت روسيا أسعار الغاز إلى مستويات قياسية خلال الشهور القليلة الماضية، وكذلك بمشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي مباشرة بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق.

يلفت الخبير فيشلينسكي إلى أن أوكرانيا ستشعر بصدمة الأسعار بعد انتهاء موسم التدفئة، والحاجة إلى ملء الخزانات وفق أسعار جديدة تضاعفت 7 مرات في أوروبا، وعندها -برأيه- ستتضاعف أسعار الغاز المنزلي والأسعار في محطات الوقود أيضا، مما يعني ارتفاعا في أسعار كل شيء تقريبا.

وأضاف في سياق آخر "إذا ما استطاعت روسيا -بهذا التصعيد- إجبار الغرب على الرضوخ، وفرض إطلاق مشروع نورد ستريم 2، الذي تعارضه أميركا وعدة دول أوروبية، فهذا سيكون كارثة على اقتصاد أوكرانيا ومكانتها في سوق نقل الغاز، الذي تجني منه نحو مليارين إلى 3 مليارات دولار سنويا".

المصدر : الجزيرة