مع تحسن الأجواء السياسية.. توقعات بنمو الاستثمارات والتجارة بين مصر وتركيا
القاهرةـ يتوقع محللون اقتصاديون تزايد التعاون الاقتصادي المصري التركي، عقب زيارة لوفد من اتحاد الغرف التجارية المصرية لنظيره التركي مؤخرا.
ويتجاوز التقدم في التعاون الاقتصادي الخلافات السياسية، التي تقلصت مؤخرا بعد تصريحات متبادلة من قيادات الدولتين تشير إلى تحسن الأجواء بعد سنوات من الخلافات، التي تنحصر اليوم في عدد من الملفات، منها تقاسم ثروات الغاز بالبحر المتوسط.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالأجانب يواصلون البيع بالبورصة المصرية.. ماذا يلوح في الأفق؟
ما الأسباب الحقيقية وراء طرح شركات الجيش المصري بالبورصة؟
مصر.. هل تعاني البنوك من أزمة سيولة نقدية؟
كما يتنافس البلدان تجاريا في مجالات يتميزان فيها مثل الملابس الجاهزة والأقمشة والمحاصيل الزراعية، مما استدعى قرارات حكومية مصرية استهدفت منتجات تركية برسوم إغراق.
ورغم الحديث عن تحسن في العلاقات السياسية الثنائية بين البلدين، فلا تزال وسائل إعلام محلية مصرية تحذر من تزايد التعاون الاقتصادي التركي المصري؛ نظرا لانخفاض قيمة العملة التركية (الليرة) مؤخرا، مما يعد ميزة لصالح الصادرات التركية لمصر.
ميل كفة تركيا
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين إن التجارة لم تتوقف بين الدولتين رغم الخلافات السياسية، موضحا أن تركيا تمكنت من النفاذ للسوق المصري نظرًا للإلمام الجيد جدا لدى الأتراك بثقافات الشرق الأوسط، لأنها دولة شرق أوسطية في النهاية، مع تميز إنتاجها خاصة الأدوات المنزلية والملابس والأحذية، حتى بات كثير من المصريين يطلبون البضائع التركية بالاسم.
وأكد شاهين في حديثه للجزيرة نت أن حجم تجارة مصر مع تركيا مقارنة مع حجم تجارتها مع العالم يعد كبيرا، والعكس بالنسبة لتركيا التي يعد حجم تجارتها مع مصر مقارنة بالعالم ضئيلا، لافتًا إلى أن الأتراك ينوعون مراكز الصادرات.
وأكد المتحدث أن المتوقع بعد التحسن في العلاقات أن تزيد الصادرات التركية بشكل أكبر إلى السوق المصري، خاصة مع تراجع قيمة الليرة، مشيرا إلى أن أمام مصر كذلك فرصة لزيادة النفاذ للأسواق التركية بسلع تناسب الأجواء الدافئة مثل الموالح والزيتون والرمان والتمور التي لا تتم زراعتها في الجو البارد.
ويقول تقرير لشركة برايم لتداول الأوراق المالية إنه في حال استمرار الوضع الحالي لميل الكفة للصادرات التركية، فإن الصادرات والخدمات المصرية ستواجه احتدامًا في المنافسة الإقليمية خارج تركيا.
وأوضح التقرير أنه قد يؤدي ضعف الليرة التركية إلى نوع من هجوم الواردات التركية على مصر، مما قد يؤثر على الميزان التجاري بين البلدين.
ووفقا للتقرير فإن حجم التجارة بين مصر وتركيا يمثل نحو 3.7% بقيمة 3.7 مليارات دولار من إجمالي التجارة في مصر من البضائع.
وبلغت قيمة العجز في الميزان التجاري منذ دخول اتفاقية التجارة بين البلدين حيز التفعيل حتى عام 2020 نحو 16.2 مليار دولار، حسب بيانات شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية.
رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصري إبراهيم العربي -الذي زار تركيا مؤخرا على رأس وفد من أعضاء الغرفة- حث المستثمرين على الاستثمار المتبادل، داعيا من أنقرة الشركات المصرية للاستثمار في تركيا.
وعدّ العربي التعاون المتبادل "فرصة لفتح مجالات جديدة تمكّن المستثمرين من الانفتاح على أفريقيا والوطن العربي وأميركا وأوروبا، مشيرًا إلى أنه كلما زادت الاستثمارات فإن مجالات التعاون ستتنوع.
ولفت إلى أن التعاون الاقتصادي المصري التركي من شأنه تذليل العقبات بين مستثمري الدولتين، ومنها إمكانية التصدير من دون جمارك.
وأضاف في تصريحات صحفية "قد تكون هناك مشاكل تواجه الشركات التركية في مصر، نحن كاتحاد نبذل قصارى جهدنا لمساعدتها".
وحسب بيان لوزارة التجارة التركية السبت الماضي، فإن الجانبين يأملان تعظيم التعاون، ويشير البيان إلى أن قيمة الصادرات التركية إلى مصر خلال العام الماضي بلغت 4.5 مليارات دولار، بزيادة 44.2% مقارنة بـ2020، في حين بلغت قيمة وارداتها من مصر 2.2 مليار دولار بزيادة 28.4%.
وكما توضح الأرقام، فإن الاقتصاد لم يتأثر بتجاذبات السياسة؛ فالشركات التركية لديها استثمارات تزيد على ملياري دولار في مصر، كما قال رئيس اتحاد الغرف التجارية والبورصات التركي هصارجيكلي أوغلو "نحن كمستثمرين أتراك لم نوقف استثماراتنا في مصر إطلاقا"، مؤكدا أنهم "مستعدون لبذل قصارى جهدهم للمساهمة في هذه المرحلة".
وعدّد هصارجيكلي خلال الاجتماع مع الجانب المصري المكاسب خلال عام 2021 فقط، لافتا إلى استثمار الشركات التركية نحو 250 مليون دولار إضافي في مصر، علاوة على أن 200 شركة تركية (40 منها كبيرة) تنتج في مصر وتوفر فرص عمل إضافية وتقوم بالتصدير، وتوفر فرص عمل لنحو 75 ألف مصري.
اتفاقيات داعمة
ووضعت اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين مصر بوصفها أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا، بحجم تجارة بين البلدين تجاوز 6 مليارات دولار خلال العام الماضي وزاد بنسبة 35% مقارنة بعام 2020.
وأنجز المقاولون الأتراك في مصر نحو 26 مشروعا؛ مثل المطار، ومشاريع مماثلة بقيمة 900 مليون دولار.
واتفق هصارجيكلي أوغلو مع دعوة إبراهيم العربي للمستثمرين بتوسيع نطاق العلاقات الثنائية وتعميقها، وحث الشركات المصرية على الاستثمار في تركيا، معربا عن استعداده لدعم تحسين العلاقات.
وذكر أن اتفاقية رحلات "الرورو" بين مينائي مرسين والإسكندرية، وبين مينائي إسكندرون ودمياط، سهلت بين الأعوام 2012 و2015 التجارة الثنائية وتنفيذ أعمال مشتركة في بلدان ثالثة، مؤكدا أن تجديد الاتفاقية سيعود بالنفع على تركيا ومصر.
ولم يكن اللقاء بين ممثلي اتحاد التجارة بالبلدين الأول، إذ سبقته في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي زيارة لرئيس اتحاد الغرف والتبادلات السلعية في تركيا بدعوة من نظيره المصري.
وحسب التقرير الذي أعده مستودع بيانات التجارة الخارجية بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية، حلّت تركيا في المركز الثالث ضمن قائمة أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية غير البترولية خلال عام 2021 بعد الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية.
منافسة
على رأس الواردات المصرية من تركيا الأدوات الصحية والمنزلية والملابس الجاهزة والمنسوجات والمفروشات والأحذية والمواد الكيميائية والسلع الهندسية والإلكترونية والحديد، وفقًا لشعبة المستوردين.
وهنا تطل الملابس الجاهزة بوصفها سلعا متبادلة تصديرا واستيرادا بين البلدين، حيث يتميزان فيها ويتنافسان في أسواقهما وخارج أسواقهما، إذ تواجه الملابس المصرية منافسة من نظيرتها التركية.
وساعدت غرفة الملابس الجاهزة المصانع على وضع أسعار استرشادية عادلة واستصدار قرار من وزارة التجارة بفرض رسوم إغراق على المستورد، ومنها الواردات التركية.
وتعد المنافسة في مجال الملابس الجاهزة على رأس الملفات الاقتصادية التي تشغل المصنّعين المصريين، رغم بوادر التحسن، إضافة إلى خلافات بين السياسيين حول حقوق التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، ووجود قرار وزاري بفرض رسوم مكافحة إغراق نهائية على الواردات المصرية من قطاعات "يو بي في سي" (UPVC) (مادة بلاستيكية كثيرة الاستعمال)، ذات المنشأ أو المصدرة من تركيا، على أن يُعمل بهذا القرار 5 أعوام ابتداء من تاريخ نشره بالوقائع المصرية (منذ ديسمبر/كانون الثاني 2021).
وفي تصريحات صحفية، شكا مستثمرون مصريون في المجال الزراعي من استمرار ارتفاع تكلفة الإنتاج بمصر بشكل كبير جدا، وتأخير صرف المساندة التصديرية للمصدرين المصريين ورد الأعباء التصديرية منذ 2016، مما يمثل عبئا إضافيا على الصادرات المصرية.
ويأمل المستثمرون أن يسهم التحسن في العلاقات المصرية التركية الآخذ في التزايد منذ العام الماضي في حل هذه الخلافات.
وواصل حجم التبادل التجاري نموه عابرا للخلافات السياسية بدعم من اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، التي دخلت حيز التنفيذ في 2007، حيث نما التبادل التجاري بين البلدين 3 أضعاف بين عامي 2007 و2020، أي من 4.42 مليارات دولار إلى 11.14 مليار دولار، لتسجل قيمتها الإجمالية منذ تطبيق الاتفاقية نحو 54.1 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي.
ويميل الميزان التجاري بشكل كبير لصالح الصادرات التركية داخل السوق المصرية على حساب قيمة الصادرات المصرية لأسواق تركيا.
وبلغت قيمة الصادرات المصرية لتركيا منذ تفعيل الاتفاقية نحو 19 مليار دولار، في حين وصل حجم وارداتها من المنتجات التركية إلى نحو 35.2 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، حسب بيانات وزارة التجارة الخارجية.