ماذا يعني طرح شركات الجيش المصري بالبورصة؟
القاهرة – عبر تصريحات متكررة من المسؤولين الحكوميين حيال كل ما يخص المؤسسة العسكرية، دافع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن النشاط الاقتصادي لجيش بلده، مجددا الحديث عن استهداف حكومته طرح العديد من الشركات المملوكة للدولة والقوات المسلحة بالبورصة خلال العام المقبل.
وقلل رئيس الحكومة، خلال لقاء تلفزيوني مع قناة "بي بي سي عربي" من حجم استثمارات القوات المسلحة، موضحا أنها لا تمثل شيئا في الاقتصاد، ومع الأرقام ونمو الاقتصاد فهي أقل من 1%، حسب قوله.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكفاية ضرائب.. نواب موالون يرفضون توسع الحكومة المصرية في فرض الضرائب ويصفونها بالجباية
ملمحا إلى ساويرس.. السيسي يرد على اتهامات احتكار شركات الحكومة والجيش للاقتصاد
بعد أسبوع من حديث السيسي عن إلغاء بطاقة التموين.. رفع أسعار 7 سلع تموينية في مصر
وزاد من دفاعه عن المؤسسة العسكرية بنفي إحجام الشركات التابعة للجيش والتي تعمل بقطاعات مدنية عن إعلان ميزانيتها، مشيرا إلى أن القطاع الخاص لا يغطي كافة احتياجات السوق، فضلا عن القطاعات الإستراتيجية التي تمس الأمن القومي.
إعلان طرح أسهم شركات يمتلكها الجيش بالبورصة ليس أمرا جديدا، فخلال الربع الأخير من 2019 توالت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي حول إدراج بعض شركات المؤسسة العسكرية بسوق الأسهم، معتبرا تدخل الجيش بشركاته في القطاع المدني "ضرورة لسد حاجات إستراتيجية أو لتخفيض الأسعار".
وتعاقبت بعد ذلك التصريحات من جانب مسؤولين رسميين حول استعدادات طرح شركات المؤسسة العسكرية بالبورصة، دون تحديد إطار زمني لذلك.
وتداول أسهم الشركات -التي تمتلكها المؤسسة العسكرية- بالبورصة يفتح الباب لعدة تساؤلات حول الأسباب التي دفعت السلطة لاتخاذ تلك الخطوة والآثار المتوقعة على أداء سوق الأسهم وموقف القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي، فضلا عن السبب الذي دفع رئيس الوزراء لتجديد الحديث حول طرح شركات الجيش بسوق الأسهم في هذا التوقيت.
اقتصاد الجيش
يصعب الوقوف على حجم استثمارات أنشطة الجيش الاقتصادية بشكل دقيق نظرا لعدم توفر بيانات رسمية معلنة، فضلا عن تضارب التصريحات الرسمية بشأن حجم أعماله في إطار الناتج القومي الإجمالي.
وقد صرح مدبولي أن حجم اقتصاد الجيش لا يزيد على 1% من الاقتصاد الكلي، وأكد رئيس الدولة أن القوات المسلحة لا تعمل بأكثر من 3%من الناتج القومي.
وهناك 60 شركة تابعة للجيش تعمل في 19 صناعة، من إجمالي 24 مدرجة على جدول تصنيف الصناعات، حسب تقديرات البنك الدولي.
ويسيطر جهاز مشروعات الخدمة الوطنية -التابع للمؤسسة العسكرية- على 32 شركة، تم إنشاء ثلثها بعد عام 2015، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times).
ويملك الجيش 51% من أصول شركة تتولى تطوير العاصمة الإدارية الجديدة -تقع على بعد 60 كيلومترا شرقي القاهرة- التي تقدر استثماراتها بنحو 45 مليار دولار.
وفي تقرير أصدره في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حذر معهد كارنيغي- الشرق الأوسط من تنامي تدخل الجيش المصري في الاقتصاد القومي، حيث بات يستهدف معظم القطاعات الحيوية في البلاد.
وأوضح أن الجيش يقدم مشروعات ضخمة للبنية التحتية، وينتج سلعا استهلاكية مثل الأغذية والأجهزة المنزلية، ويصنع الكيماويات ومعدات النقل، إلى جانب انخراطه بمجالات أخرى كالتنقيب عن الذهب وإدارة الأوقاف الدينية والحج.
الأفضلية للعسكري
الأمور لا تنحصر فقط في دخول الجيش بمنتجاته وخدماته سوق المنافسة، بل تتجاوز إلى مفهوم المنافسة غير العادلة بسبب إجراءات حكومية تساعد كل ما هو عسكري على حساب المدني، وفق مهتمين.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال رجل الأعمال نجيب ساويرس إن المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص غير عادلة.
وأضاف، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، إن الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك، لذلك فإن المنافسة مع القطاع الخاص من البداية غير عادلة، مؤكدا ضرورة أن تكون الدولة جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي.
وبعد أيام رد الرئيس السيسي تلميحا على ساويرس مشيرا إلى أن هناك رجل أعمال كبير يشتكي من سيطرة الدولة رغم أن شركاته حصلت على مشاريع بالمليارات.
وبموجب قوانين صدرت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، تحصل شركات القوات المسلحة على إعفاء من رسوم الاستيراد ومن ضريبة الدخل.
عام 2015، صدر مرسوم من وزير الدفاع يعفي حوالي 600 فندق ومنتجع ومنشآت تستخدم لهدف ربحي مملوكة للقوات المسلحة من الضرائب العقارية.
إلى ذلك صدر قانون ضريبة القيمة المضافة، عام 2016، مستثنيا القوات المسلحة وغيرها من المؤسسات الأمنية من دفع الضريبة المضافة المقررة على السلع والمعدات والآلات والخدمات والمواد الخام اللازمة لأغراض التسلح والدفاع والأمن القومي "ولوزارة الدفاع الحق في تقرير أي السلع والخدمات التي يسري عليها القانون".
استعدادات قبل الطرح
في ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت هالة السعيد وزيرة التخطيط ورئيس مجلس إدارة صندوق مصر السيادي عن اختيار شركتين تابعتين لجهاز الخدمة الوطنية، هما الشركة الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية (صافي) وشركة الوطنية للبترول، لطرحهما للقطاع الخاص للاستثمار فيهما كمرحلة أولى قبل طرحهما بالبورصة.
وذكرت السعيد -في بيان رسمي- استمرار التعاون مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في شركات أخرى سيعلن عنها تباعا.
في فبراير/شباط 2020، وقع صندوق مصر السيادي اتفاق تعاون مع جهازِ مشروعات الخدمة الوطنية للاستثمار بشركاته.
وأوضحت الوزيرة أن الشركات التابعة للجيش سيتم طرحها للقطاع الخاص وفق شروط وضوابط تضمن تحقيق أعلى العوائد للدولة وخلق فرص استثمارية للقطاع الخاص بالمرحلة الأولى، وتكون كذلك فرصة للمواطنين لامتلاك أسهم فيها والاستثمار بأسهمها.
وفي نفس الإطار، كشف الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، عن كون الخطة الأولية تستهدف بيع ما يقارب 100% من أسهم 10 شركات يمتلكها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، حيث سيساعد الصندوق في اختيار الأصول والترويج لها أمام المستثمرين.
وأوضح سليمان، في تصريحات لوكالة "بلومبيرغ" (Bloomberg)، احتمالية مشاركة صندوق مصر السيادي في الطروحات عبر الاستحواذ على حصص أقلية بتلك الشركات.
مستقبل الشركات
تستعد شركات الجيش لخوض المنافسة بسوق الأسهم أمام حالة المنافسة غير العادلة في سوق الأعمال، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول مستقبل وجود شركات عسكرية بالبورصة المصرية، وفق مراقبين.
من جانبه، تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب عن مستقبل شركات الجيش حال إدراجها بالبورصة، مؤكدا أنه سيتوقف على نسبة الأسهم المطروحة بسوق التداول.
واستطرد "لو كانت نسبة الأسهم أقل من 25% من رأس مال الشركة، فستوفر المزيد من السيولة لهذه الشركات، ولن يتغير كثير من أسلوب إدارتها. أما إذا كانت النسبة فوق 50%، فبذلك ستتحول شركات الجيش من شركات اكتتاب مغلق إلى شركات عامة مفتوحة، وستؤول ملكيتها إلى مكتتبين مما يعني تغيير طريقة وأسلوب الإدارة".
وعن الأسباب التي دفعت السلطة لطرح شركات المؤسسة العسكرية بالبورصة، أكد عبد المطلب -في حديثه للجزيرة نت- أن الأمر يعود لعام 2016 وقت اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وكان هذا الصندوق الدولي أوصى بإدراج أسهم كافة الشركات والمؤسسات المالية المملوكة للدولة، وأن تعمل بأنشطة مدنية في البورصة.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن يؤدي طرح شركات الجيش وغيرها من الشركات بالبورصة إلى إنعاش سوق الأسهم، وزيادة حجم التعاملات فيه، إلى جانب إقامة مشروعات جديدة مع التوسع بالمشاريع القائمة، مما يعني ارتفاع معدلات النمو.
واستمرارا للتوقعات، استبعد أن تكون هناك مزاحمة شركات الجيش للقطاع الخاص داخل البورصة، مرجحا أن يحدث العكس ويؤدي إدراج شركات المؤسسة العسكرية إلى تشجيع عدد أكبر من المستثمرين لدخول سوق المال.
وبالنسبة لتأثير طرح تلك الشركات بالبورصة على حجم التداولات اليومية وثقة المستثمر الأجنبي بسوق المال المصري، أوضح عبد المطلب أن الأمر يتوقف على أسلوب إدارة البورصة نفسه.
وتابع "إذا خضعت كافة الأسهم لمعايير الكشف والإفصاح وغيرها من آليات عمل البورصات العالمية، فسوف تزيد قوة البورصة، وسيزيد حجم التداول اليومي وكميته، وستنخفض إلى حد كبير الآليات الإدارية المستخدمة في التحكم بالتعاملات اليومية".
هل يتنازل الجيش عن شركاته؟
وتبدو رؤية هذا الخبير الاقتصادي حسنة النوايا بخطوة طرح شركات الجيش بالبورصة ومتفائلة بمستقبلها، وهو ما يختلف معه أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية الدكتور مصطفى شاهين، الذي استبعد من الأساس الإقدام على تلك الخطوة.
وقال شاهين، للجزيرة نت، إن المسؤولين الحكوميين يتحدثون منذ فترة طويلة بشأن طرح شركات الجيش بالبورصة لكن شيئا لم يحدث على أرض الواقع.
واستبعد أن يتنازل الجيش عن شركاته بهذه السهولة، وأردف "السلطة العسكرية تستهدف السيطرة على الاقتصاد بأكمله لصالح الجيش مما يعني أنه من غير المنطقي أن يفرط في تلك الشركات بإدراجها في البورصة".
لذلك، اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند تصريحات رئيس الوزراء بشأن شركات الجيش محاولة لتهدئة وطمأنة للمستثمر المحلي والأجنبي فقط.
واختتم حديثه بأن البورصة المصرية بشكل عام حققت خسائر كبيرة خلال الفترة الماضية جراء انعدام الشفافية، وعدم وجود ضمانات حقيقة للمستثمرين.