أكبر شركة عقارية مثقلة بالديون في العالم.. هل تتجنب إيفرغراند الصينية التخلف عن السداد؟

المجموعة تواجه إحدى أصعب فتراتها، مع إعلانها قبل أسبوع، عجزها عن سداد دفعات مستحقة عليها، لعدم امتلاكها السيولة

إيفرغراند الصينية توظف 200 ألف شخص وتوجد في أكثر من 280 مدينة (رويترز)

قالت مجموعة إيفرغراند الصينية للعقارات (Evergrande) أكبر مطور عقاري مدين بالعالم، اليوم الأربعاء، إنها توصلت مع أحد الدائنين إلى اتفاق يجنبها التخلف عن سداد قروض مستحقة عليها بحلول عام 2025.

وذكرت إيفرغراند -التي تستحق عليها ديون بقيمة إجمالية 302 مليار دولار بحسب إفصاح لبورصة هونغ كونغ- أن أحد فروعها اتفق مع دائنين على آلية سداد ديون تستحق عام 2025، مما يجنبها التخلف عن دفعها.

وفي حين لم تذكر قيمة الديون التي تم الاتفاق على آلية سدادها، فإن المجموعة تواجه إحدى أصعب فتراتها، مع إعلانها قبل أسبوع عجزها عن سداد دفعات مستحقة عليها، لعدم امتلاكها السيولة.

ووفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ، الأربعاء، فإن المجموعة ستسدد 232 مليون يوان (35.5 مليون دولار) من الديون تستحق غدا.

تأثيرات على أسواق المال العالمية

وألقى إعلان المجموعة الصينية، عدم قدرتها على السداد، بتبعات سلبية على أسواق المال العالمية التي سجلت تراجعات متفاوتة خلال تعاملات الأسبوع الجاري، بانتظار معرفة مصير الديون.

وتسببت المخاوف، من حدوث انهيار وشيك للمجموعة، في تذبذب سعر سهم "إيفرغراند" بصورة حادة مجددا الثلاثاء.

ووفق بياناتها في البورصة، بلغت القيمة السوقية لإيفرغراند نهاية 2020 نحو 320 مليار دولار، إلا أنها سجلت تراجعات حادة اعتبارا من الشهر الجاري، لتستقر قيمتها السوقية دون 4 مليارات دولار، وفق ما أوردت وكالة الأناضول.

هل نحن أمام بوادر أزمة جديدة؟

ما تزال الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرار بإنقاذ المجموعة -ثاني أكبر شركة عقار خاصة في الصين- مما قد يهدد بانهيارها ويعيد للذاكرة أزمة انهيار عملاق وول ستريت مصرف "ليمان براذرز" (Lehman Brothers) خلال الأزمة المالية العالمية 2008.

وتوظف إيفرغراند 200 ألف شخص ولها وجود بأكثر من 280 مدينة، وتفيد بأنها تستحدث 3.8 ملايين وظيفة صينية بشكل غير مباشر، وفق تقرير وكالة الصحافة الفرنسية.

وعلى الرغم من أن القسم الأكبر من نشاط إيفرغراند ينحصر في التطوير العقاري، فقد مارست عمليات استحواذ ضخمة منذ أكثر من عقد.

وقد اشترت نادي قوانغتشو لكرة القدم وحولته إلى نادٍ ناجح جدًا، وأسست علامة مياه إيفرغراند سبرنغ المعدنية الشهيرة، وافتتحت متنزهات ترفيهية تفاخر بأنها "أكبر" من حدائق ديزني. كما أن لديها وحدة للسيارات الكهربائية بالإضافة إلى استثمارات بالسياحة والعمليات الرقمية والتأمين والصحة.

Chinese 100 yuan banknotes are seen in a counting machine while a clerk counts them at a branch of a commercial bank in Beijing, China, in this March 30, 2016 file picture. REUTERS/Kim Kyung-Hoon/Files
مجموعة إيفرغراند عليها ديون بقيمة 302 مليار دولار بحسب بورصة هونغ كونغ (رويترز)

ما المشكلة؟

دفعت إيفرغراند فواتير الإنفاق هذه من خلال قيام مؤسسها هوي كان يان باقتراض مبالغ ضخمة حتى باتت الآن مدينة بأكثر من 300 مليار دولار -أي ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي للصين- وهي تواجه مشكلة في سداد هذه المبالغ.

وبرزت مشكلة تراكم الديون العام الماضي عندما بدأت الحكومة، كجزء من حملة لمعالجة الديون الضخمة المقلقة التي راكمتها الشركات العقارية، في الكشف عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى ضبط اقتراضها.

وأدى ذلك إلى الحد بشدة من قدرة إيفرغراند على إنهاء بناء العقارات وبيعها لسداد ديونها. وتخلت البنوك عن توقعها بأن تقوم المجموعة بسداد قروضها.

ماذا سيحدث؟

تتجه كل الأنظار إلى الحكومة. فقطاع العقارات يُعد محركًا مهمًا للاقتصاد الصيني، إذ يقدر بأنه يمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي وقد لعب دورًا رئيسيًا في التعافي بعد الوباء. وأي إفلاس لمثل هذه الشركات الكبرى ستكون له تداعيات كبيرة، بحسب ما ذكر تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

لكن، ولأنها شركة خاصة، قد تشعر بكين بأنه ليس لزامًا عليها أن تمنع سقوط إيفرغراند، وقد تجبرها على تقديم طلب للإفلاس واستخدامها للتحذير من أنه ما من شركة بمنأى عن أن تفشل وأنه لا يمكنها الاعتماد على الدولة لإنقاذها.

ولكن معظم الخبراء يتفقون على أن الدولة لن ترغب في خسارة أصحاب المساكن الصينيين مدخراتهم.

يقول لاري أونغ من مكتب ساينوإنسايدر للأبحاث "أفضل سيناريو أن تجد السلطات طريقة لمنع إيفرغراند من إعلان إفلاسها، ومنح دائني الشركة بصيص أمل بأنهم سوف يتفادون حدوث كارثة بالحصول على شيء ما على الأقل، وتجنب ما يمكن أن يتسبب في مزيد من الاضطرابات الاجتماعية".

ثم إن هناك احتمال إعادة الهيكلة مع سيطرة السلطات المحلية على أجزاء من إيفرغراند، في حين يُسمح للأقسام الاستثمارية في المجموعة بالتوقف عن العمل. لكن مثل هذا سيكون مهمة ضخمة.

يقول كيلفن وونغ من مكتب "سي إم سي ماركتس" (CMC Markets) "أعتقد أنه سيكون على الأرجح عملية إنقاذ هادئة، لأنهم أيضًا لا يريدون أن يقولوا صراحة: نحن هنا لنضخ مبلغ مليار لإنقاذكم. إنهم لا يريدون في الواقع تعريض السوق لمخاطر أخلاقية بأن يقولوا: استمروا، واصلوا عملكم كالمعتاد في تطوير العقارات، وسننقذكم نهاية الأمر".

ومن الجدير ذكره أن المجموعة وظفت خبراء من بينهم هوليهان لوكي الذي قدم المشورة بشأن إعادة هيكلة "ليمان براذرز" بعد انهياره في سبتمبر/أيلول 2008.

هل معرضة لمصير "ليمان"؟

يقول تقرير وكالة الصحافة الفرنسية بشأن ما إذا كانت إيفرغراند معرضة لمصير مصرف ليمان براذرز "على ما يبدو.. ليس كذلك".

وكان "ليمان براذرز" عملاقًا في وول ستريت، وأحد البنوك الاستثمارية الخمسة الكبرى. ومع ذلك، فقد سمحت السلطات الأميركية بأن يغرق بسبب خسائر فادحة مرتبطة بالرهون العقارية عالية المخاطر.

وأعقبت ذلك أزمة مصرفية، وتعرضت الأسواق لضربة قوية وفُقدت ملايين الوظائف ودُمرت حياة الكثيرين. لكن المحللين يقولون إن الظروف مختلفة هنا.

يقول كيلفن وونغ "لا أعتقد أن الأمر سيصل إلى ذاك الحد، لأنني لا أرى أي نوع من منتجات الأوراق المالية التي حُملت على دفاتر حسابات إيفرغراند نفسها. لذا فإن ما يمكن أن نراه الآن هو تأثير حلقة التغذية الراجعة السلبية، وهو تأثير نفسي ينتقل في الواقع إلى بقية العالم".

ومن جانبها تقول وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" (S & P) -في تقرير هذا الأسبوع- إنه من المرجح أن يتدخل المسؤولون الصينيون، لكن فقط إذا رأوا أن الأزمة قد تسبب مخاطر واسعة النطاق.

وأضافت "نعتقد أن بكين لن تكون مضطرة للتدخل إلا إذا كانت هناك عدوى بعيدة المدى تتسبب في فشل العديد من المطورين العقاريين الرئيسيين، وتطرح مخاطر على النظام الاقتصادي. إن فشل إيفرغراند وحده لن يؤدي إلى مثل هذا السيناريو".

رسالة تفاؤل رئيس المجموعة

قال شو جياين رئيس مجموعة إيفرغراند -المهددة بالانهيار- للعاملين لديه، في رسالة، إنه مقتنع بأنه من الممكن التغلب على "أحلك اللحظات".

وبعث برسالته التي تداولتها وسائل الإعلام الحكومية، أمس، بمناسبة "مهرجان منتصف الخريف" الصيني الشعبي، المعروف أيضا باسم "مهرجان القمر" وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.

وجاء فيها أن إيفرغراند ستكون قادرة على تسريع استئناف أعمال البناء والإنتاج على نطاق واسع، وتحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في ضمان تسليم المباني لكي تقدم استجابة مسؤولة لمشتري المساكن والمستثمرين والشركاء والمؤسسات المالية.

المصدر : وكالات