الأردن.. الفقر وضعف الرواتب والديون تدفع بمتقاعدين لبيع رواتبهم

عمليات بيع وشراء الرواتب التقاعدية تتم في سوق سوداء وبسرية تامة وبعيدة عن أعين القانون.

بعض متقاعدي الضمان بالأردن تحت خط الفقر حيث تقل رواتبهم عن 500 دينار (700 دولار) (غيتي إيميجز)

رواتبهم التقاعدية أغلى ما يملكون، يعرضونها للبيع أملا بالحصول على حياة كريمة، أو علاج لمريض، أو سداد دين، يصطادهم "سماسرة" عبر صفحات وسائل التواصل، يستغلون فقرهم ومرضهم وحاجتهم للمال.

المتقاعدة العسكرية سناء 42 عاما (اسم مستعار) كتبت على صفحتها على فيسبوك تقول "راتب تقاعد عسكري بقيمة 340 دينارا للبيع" وأرفقت رقم هاتفها، وقالت للجزيرة نت "الظروف المعيشية دفعتني لبيع الراتب التقاعدي".

وتضيف "أعيش في بيت بالإيجار مع 4 أطفال بعد انفصالي عن زوجي، وبعد الإيجار والفواتير يتبقى من الراتب 140 دينارا (200 دولار) نعيش بها حياة الكفاف، لذلك قررت بيع راتبي حتى اشتري شقة سكنية، ومن ثم أعود للبحث عن عمل".

بيع تحويشة العمر

بعدما أعلنت بيع راتبها اتصل بها عدد من "السماسرة" -وهم الوسطاء بين البائع والمشتري، تقول سناء "تلقيت عددا من العروض بدأت بـ 15ألف دينار (21 ألف دولار) وأعلاها وصل 27 ألف دينار (38 ألف دولار) لكنني رفضتها طالبة 40 ألف دينار (56 ألف دولار) وهناك مفاوضات بيننا، لم أحسم قراري بعد".

يشابه حالة سناء، المتقاعد المدني الأربعيني عادل الذي عرض راتبه التقاعدي 410 دينارات (578 دولارا) للبيع على صفحات الفيسبوك، والمتقاعد المدني الخمسيني عودة عرض هو الآخر راتبه التقاعدي 390 دينارا (550 دولارا) للبيع.

ويعمد متقاعدون مدنيون وعسكريون لبيع رواتبهم التقاعدية، للحصول على مبلغ مالي دفعة واحدة مقابل التنازل عن رواتبهم، وتتم عملية البيع من خلال وسطاء يستقطبون المتقاعدين العازمين على بيع رواتبهم، ومستثمرين راغبين بشراء تلك الرواتب.

من اعتصام لمتقاعدي الأمن العام. الجزيرة . ارشيفية
ظاهرة بيع الرواتب موجودة وللأسف تفاقمت بسبب كورونا والأعباء المعيشية وتراجع قدرات المستهلكين الشرائية (الجزيرة)

منتشرة وتزداد

"عمليات بيع الراتب التقاعدي موجودة ومنتشرة بكثرة" يقول رئيس جمعية متقاعدي الضمان الاجتماعي أحمد القرارعة، للجزيرة نت، مرجعا السبب في ذلك للأوضاع المعيشية السيئة للمتقاعدين من أصحاب الرواتب المتدنية، خاصة وأن 85% من متقاعدي الضمان تقل رواتبهم عن 500 دينار (700 دولار) "وهذا الراتب تحت خط الفقر".

ويرى القرارعة أن الحل الأمثل لتلك المشكلة هو رفع رواتب المتقاعدين سواء الشيخوخة والاعتلال والمبكر حتى يؤمن للمتقاعدين حياة كريمة تكفيهم وعائلاتهم، وقال "لدينا متقاعدون يتقاضون رواتب أقل من 100 دينار شهريا (140 دولارا)".

ومما يفاقم من مشاكل المتقاعدين -يقول القرارعة- أن المتقاعد من القطاع الخاص بعدما يخرج من وظيفته يفقد التأمين الصحي، وهو في هذه المرحلة في أمس الحاجة للتأمين الصحي، وللأسف الضمان لا يؤمن للمتقاعدين تأمينا صحيا، رغم أن ذلك منصوص عليه في القانون منذ عام 2014.

ويبلغ عدد متقاعدي الضمان الاجتماعي 272 ألفا، وتصل فاتورة رواتب متقاعدي الضمان 1.34 مليار دينار سنويا (1.89 مليار دولار) وبنسبة 92% من النفقات التأمينية للضمان، إضافة لنحو 600 ألف متقاعد مدني وعسكري يتقاضون رواتب من وزارة المالية، وفق إحصائيات رسمية.

وقف الوكالات

المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لم تنف وجود هذه الظاهرة، وتصفها بأنها "إجراء غير قانوني، ولا يوجد في قانون المؤسسة ما يسمح للمتقاعد ببيع راتبه" هكذا يقول الناطق الإعلامي شامان المجالي.

ويضيف المجالي للجزيرة نت أن الهدف من الراتب حماية للمتقاعدين وعائلاتهم، ولمواجهة ظاهرة البيع "أوقفت المؤسسة صرف نحو 1200 راتب تقاعدي تقدم أصحابها بوكالات لحصول شخص آخر على تلك الرواتب".

وبتحويل رواتب المتقاعدين على حساباتهم البنكية -يتابع المجالي- ينتهي دور المؤسسة، وفي حال قام متقاعد بوكالة لأحد الأشخاص من خلال البنك، فليس للمؤسسة أية علاقة بذلك.

ووفق مختصين لا يوجد في قانون المؤسسة ما يمنع أو يسمح بهذه العملية، وليست مجرّمة بالقانون، ولا تستطيع المؤسسة ملاحقة المتقاعدين البائعين لرواتبهم التقاعدية، أو الوسطاء أو المشترين.

متقاعدي الأمن اعتصام. الجزيرة أرشيفية
متقاعدون أردنيون في اعتصام سابق أملا بتحسين وضعهم الاقتصادي (الجزيرة)

سوق سوداء

عمليات بيع وشراء الرواتب التقاعدية تتم في سوق سوداء، وفي سرية تامة وبعيدة عن أعين القانون، ويقوم بها سماسرة، يجمعون بين البائع والمشتري ويحصلون على نسبة ربح من الطرفين، وفق حديث سماسرة.

الثلاثيني مصطفى (اسم مستعار) يعمل في مكتب لـ "خدمات بيع الرواتب التقاعدية" حسب وصفه، يقول للجزيرة نت "يقصدنا المتقاعدون لبيع رواتبهم، وذلك للحصول على مبلغ مالي يبدؤون حياتهم به من جديد، ولدينا قائمة طويلة من المتقاعدين العارضين رواتبهم للبيع بانتظار من يشتري".

وحول آلية البيع، يقول مصطفى "يحضر المتقاعد بياناته الشخصية والتقاعدية، ونقوم بعرضها على رجال الأعمال الراغبين بالشراء، وكلما كان سن المتقاعد أصغر وراتبه أعلى كان مرغوبا أكثر من قبل المشترين".

وتتم عمليات الشراء وفق مصطفى من خلال "مكاتب قانونية ومحامين، ويوقع الطرفان عقودا لحفظ حقوقهم المالية" ويحصل المكتب على نسبة 20% من قيمة العرض من البائع، ومثلها من الشاري، ويتم تحويل الراتب من خلال وكالة بنكية أو بطاقات الصراف الآلي.

كورونا تفاقم المشكلة

يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي للجزيرة نت إن ظاهرة بيع الرواتب موجودة، وللأسف تفاقمت بسبب كورونا وزيادة الأعباء المعيشية، وتراجع قدرات المستهلكين الشرائية، وهو إجراء غير قانوني ومخالف لأحكام الشرع ويدخل في باب الربا، ويتم خارج علم وزارة المالية ومؤسسة الضمان.

وتابع أن الإعلان عن بيع الرواتب التقاعدية يتداول على صفحات الصحف الإعلانية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وللأسف فإن المتقاعدين من أصحاب الرواتب المتدنية أكثر قبالا على هذه العملية نتيجة الظروف الاقتصادية.

وبعد خدمة مدنية قد تمتد 30 عاما، أو عسكرية تصل 20 سنة وأكثر، يجد المتقاعد نفسه أمام جملة من المتطلبات المعيشية، والمشاكل الاقتصادية، منهم من يحاول التعايش معها، ومنهم من يعمد لبيع راتبه التقاعدي، طمعا بتحسين مرحلي لوضعه المعيشي، والقاسم المشترك بين غالبية المتقاعدين هو تدني قيمة الراتب، وتآكل قيمته الشرائية، وفق خبراء.

المصدر : الجزيرة