أميركا.. لماذا يمكن أن تنفد الأموال من أقوى اقتصاد في العالم؟ إليك الجواب

الخلافات الحالية تشمل رغبة الديمقراطيين في كسب بعض أصوات الجمهوريين لتقاسم تبعات ارتفاع حجم الديون، وقلق آخرين بشأن طموحات الرئيس جو بايدن

من المقرر أن تصل ديون الحكومة الأميركية منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل 28.5 تريليون دولار (غيتي إيميجز)

قد يبدو من السخيف الحديث عن احتمال نفاد الأموال من الولايات المتحدة أغنى وأقوى اقتصاد في العالم، لكن هذا الأمر قد يصبح واقعا في وقت يستمر فيه النزاع داخل الكونغرس حول خطة الموازنة الجديدة التي اقترحها الرئيس جو بايدن، تتضمن زيادة في الإنفاق بـ 3.5 تريليونات دولار.

في تقرير نشرته صحيفة "تلغراف" البريطانية، يقول الكاتب تيم والاس إنه من المقرر أن تصل ديون الحكومة الأميركية منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل إلى 28.5 تريليون دولار، وبالتالي تقلص السيولة في وزارة الخزانة.

في أسوأ السيناريوهات الممكنة، قد تعجز الحكومة عن سداد ديونها، مما سيؤدي إلى نفاد الأموال من الخزينة، وهذا من شأنه أن يتسبب في "ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأميركي والأسواق المالية" وفقا لوزيرة الخزانة جانيت يلين.

وحسب الكاتب، فقد نشأت هذه المخاطر بسبب ارتفاع مستويات الاقتراض الحكومي منذ فترة طويلة، مع فرض حدود نقدية على إجمالي الدين.

وحتى قبل ظهور وباء كوفيد-19، واجهت الولايات المتحدة عجزا بنحو تريليون دولار عام 2019، وارتفع ليصل إلى أكثر من 3 تريليونات عام 2020، كما ارتفع مجددا خلال العام الحالي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع الدين الأميركي إلى أكثر من 30 تريليون دولار الأعوام القادمة، أي ما يعادل 3 أضعاف مستواه عام 2010.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع الدين الأميركي إلى أكثر من 30 تريليون دولار الأعوام القادمة، أي ما يعادل 3 أضعاف مستواه عام 2010.

ويوضح الكاتب أن الخلافات، بخصوص اعتماد الميزانية وتحديد السياسات المالية، أصبحت على مدى العقد الماضي محرّكا للتجاذبات السياسية، حيث يستخدم كل حزب أصوات أعضائه في الكونغرس لعرقلة خطط الحزب الآخر.

في ظل إدارة أوباما، وعندما شغل بايدن منصب نائب الرئيس، جردت وكالة "ستاندرد آند بورز" (S & P) الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني "AAA" وسط أزمة سقف الديون. تم حينها طرح بعض "الأفكار المجنونة" -على حد تعبير الكاتب- بما في ذلك صك عملة بقيمة تريليون دولار، لتجنب التخلف عن سداد الديون.

أما الرئيس السابق دونالد ترامب، فقد أراد ميزانية ضخمة لتمويل بناء جدار على طول الحدود المكسيكية، مما أدى إلى صدام طويل في واشنطن وتعطيل عمل الحكومة الفدرالية 35 يوما بين عامي 2018 و2019، مما ترك 800 ألف موظف فدرالي بدون أجور.

ويشير الكاتب إلى أن الخلافات الحالية تشمل رغبة الديمقراطيين في كسب بعض أصوات الجمهوريين لتقاسم تبعات ارتفاع حجم الديون، وقلق آخرين بشأن طموحات الرئيس بايدن.

لعبة حزبية

يقول لويجي سبيرانزا كبير الاقتصاديين في بنك "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas) إن "هناك لعبة حزبية بين الديمقراطيين والجمهوريين، وأفضل حل أن يتم إدخال سقف الديون في مشروع قانون التسوية وتمريره جنبا إلى جنب مع ميزانية الحكومة".

وأسوأ السيناريوهات -يضيف سبيرانزا- ألا تُحل مشكلة تمويل الميزانية وتحديد سقف الديون، وهذا الأمر ستكون له تبعات خطيرة بعض الشيء.

جانيت يلين: نفاد الأموال من الخزينة من شأنه أن يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأميركي والأسواق المالية (رويترز)

في الماضي، تجنبت الولايات المتحدة التخلف عن السداد في ظل الخلافات التي كانت تؤدي إلى تأثيرات قصيرة الأجل على الاقتصاد، حيث يستمر عمل الدوائر الحكومية، ويتلقى الموظفون أجورهم بمجرد إبرام الصفقة السياسية. ولكن إذا ساءت الأمور واستمرت أزمة سقف الديون، وما يترتب عنها من تخلف عن السداد، سيكون لذلك عواقب وخيمة في الولايات المتحدة والعالم، وفقا للكاتب.

في هذا الصدد، يقول راندي كروزنر، العضو السابق في مجلس محافظي الاحتياطي الفدرالي "إذا غيّر ذلك تصور الناس حول قدرة الولايات المتحدة المالية واستعدادها لسداد ديونها، فسيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة. وإذا ارتفع سعر الفائدة الحكومي، فستكون تكاليف الاقتراض أعلى بالنسبة للجميع".

هذا يعني انخفاض حجم الاستثمارات وتراجع النمو الاقتصادي، وهو أمر قد يؤثر على الأسواق العالمية ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض بالمملكة المتحدة على سبيل المثال.

تباطؤ النمو

يقول ميكي ليفي الخبير الاقتصادي في بنك بيرنبرغ (Berenberg) إن الأمر كله يتعلق بـ "المسرحيات السياسية" ويضيف "يصبح سقف الديون نقطة محورية للمحافظين عندما يحتجون على العجز المستمر في الإنفاق، وللتقدميين من أجل اتهام الجمهوريين بأنهم السبب فيما يحدث".

لكن في الواقع -يضيف الخبير الاقتصادي- ينتج العجز وارتفاع مستوى الديون عن سياسات الإنفاق والضرائب والظروف الاقتصادية. وفي الحقيقة "لا يرغب السياسيون في خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب بما يكفي لتحقيق التوازن في الميزانية وكبح ارتفاع الديون".

وعلى افتراض التوصل إلى حل قبل أن تزيد الأمور سوءا، يتوقع الخبير الاقتصادي أن تتعلق الصفقة بخطة الرئيس للبنى التحتية "بما أن بايدن ونانسي بيلوسي في أمسّ الحاجة إلى نصر سياسي".

في المقابل، يرى يان هاتزيوس الخبير الاقتصادي في بنك "غولدمان ساكس" ( Goldman Sachs) أنه يجب تخفيض حزمة التحفيز الاقتصادي من أجل التوافق، ويقول "لكسب الدعم اللازم، نتوقع أن يقوم زعماء الحزب الديمقراطي في الكونغرس بتقليص الفاتورة المقترحة من 3.5 تريليونات دولار لمدة 10 أعوام إلى حوالي 2.5 تريليون".

ويختم الكاتب بأن تباطؤ النمو جراء المخاوف من ارتفاع حجم الديون قد يؤدي لتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من وكالات أخرى، مثل فيتش (Fitch Ratings) التي تنظر إلى المؤشرات الحالية بشكل سلبي، وهو ما يقول جيمس نايتلي من مجموعة "آي إن جي" (ING) إنه يمكن أن يشكل خطرا على الأسواق ويحبط النمو العالمي.

المصدر : تلغراف