معايير الاستيراد الأوروبية.. ضبط للفوضى أم وقف للحال بالسوق المصرية؟

الصين تصدرت قائمة الموردين لمصر وارتفعت قيمة الواردات منها بقيمة 600 مليون دولار لتصل إلى 5.07 مليارات دولار.

شكاوى مستخدمي السلع المستوردة في مصر تتزايد بسبب انخفاض كفاءتها (الجزيرة)

القاهرة – حدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شهر مارس/آذار المقبل بداية للعمل بالمعايير الأوروبية شرطا لدخول السلع المستوردة، وتنتهي الحكومة في هذا التوقيت من ميكنة الإجراءات الضريبية والجمركية كافة في مختلف منافذ البلاد، وأحدث القرار جدلا حول آثاره الإيجابية والسلبية على حالة السوق وأحوال المواطنين.

وتتزايد شكاوى مستخدمي السلع المستوردة من انخفاض كفاءتها، متهمين المستوردين بتعمد جلب أردأ البضائع وخاصة من الصين، بالمقابل يرد مستوردون بالقول إنهم يجلبون ما يناسب دخل معظم الأسر المصرية.

وأعرب مغردون على مواقع التواصل عن مخاوفهم من أن يؤدي التطبيق العاجل للقرار إلى قفزة في الأسعار، نتيجة استيراد بضائع أجود لكنها أغلى، في ظل غياب البديل المحلي.

وارتفعت الواردات في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري بقيمة 3.8 مليارات دولار لتصل إلى 32.6 مليار دولار، مقابل 28.8 مليارا في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وتصدرت الصين قائمة الموردين لمصر، وارتفعت قيمة الواردات منها بقيمة 600 مليون دولار، لتصل إلى 5.07 مليارات دولار مقابل 4.4 مليارات دولار عن الفترة نفسها من العام الماضي، كما حلّت الولايات المتحدة ثم ألمانيا وإيطاليا وروسيا على رأس قائمة أكبر 5 موردين للبضائع والسلع لمصر.

epa07764051 People watch the MSC Gulsun, the world's largest container ship by carrying capacity, as it sails through the Suez Canal in Ismailia, Egypt, 09 August 2019. The 400-metre long container ship MSC Gulsun which is capable of carrying up to 23,756 twenty-foot equivalent units (TEU) a time, was delivered to Mediterranean Shipping Company (MSC) in July and embarked on the first journey from Xingang to northern Europe. EPA-EFE/STRINGER
الواردات في مصر ارتفعت في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري بقيمة  3.8 مليارات دولار لتصل إلى 32.6 مليار دولار (الأوروبية)

مواجهة التهريب

وجاء في تصريحات السيسي أن الفترة الحالية -حتى موعد تطبيق المعايير الجديدة- هي فترة سماح للتوافق مع المعايير.

وقال أحد تجار قطع غيار السيارات -رفض ذكر اسمه- إن معظم البضائع المبيعة غير مطابقة للمواصفات القديمة، وهي تجد طريقها للبلاد عبر التهريب، رغم كل شيء.

وتابع في حديثه للجزيرة نت "ستجد البضائع غير المطابقة طريقها للبلاد بعد هذا الموعد، الفساد متفش بين الموظفين، والسوق لا تستغني عن البضائع الصينية الرخيصة لأنها في متناول غالب المصريين".

غير أن السيسي في تصريحاته الأخيرة لفت لهذه النقطة مؤكدا أن الهدف من تطبيق ضوابط الاستيراد الجديدة بالتزامن مع ميكنة الخدمات هو تحييد العامل البشري بالكامل لمكافحة الفساد، موضحا أن مواجهة الفساد تتم عبر تعامل البشر مع ماكينات، سواء المواطن أو الموظف، يجب ألا يوجد اتصال مباشر.

وأضاف أن هدف الدولة هو التسهيل على المستوردين، موجها حديثه إليهم بالقول "لن أرهقكم، أنفقنا مليارات كثيرة لتطوير الموانئ وطورنا المنظومة المالية بحيث أصبحت مميكنة بالكامل".

وعكفت الحكومة، خلال الفترة الماضية، على وضع مجموعة من المعايير التي تتطابق مع المعايير الأوروبية، وقررت مصر تطبيق نظام التسجيل المسبق للشحنات الواردة إلى مصر (ACI)، وحظر دخول أي بضائع من الخارج، إلا من خلال النظام، بداية من أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ويوفر النظام الجديد للمستوردين كثيرا من التكاليف والإجراءات، إذ يحدد مسبقا ما إذا كانت البضائع المستوردة ستدخل البلاد أم لا، وذلك قبل شحنها من مصدرها، بحسب تصريحات رسمية.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال الخبير والمحلل الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إن هذه التوجيهات الرئاسية هي تطبيق عملي لمطالبات استمرت لأكثر من 10 سنوات، بمنع دخول السلع الرديئة إلى السوق المصرية.

وتابع أن السوق المصرية ظلت لفترات طويلة مرتعا للسلع السيئة من دول العالم كافة، وأشار إلى وجود قرار سابق لوزير التموين الأسبق أحمد الجويلى بحظر تداول السلع مجهولة المصدر أو غير المطابقة للمواصفات، قوبل بمعارضة شديدة أدت في النهاية إلى إبعاد الرجل عن موقعه الوزاري.

وأعرب الخبير الاقتصادي عن اعتقاده بأن القرار "ضربة" للتهريب والسلع الرديئة الضارة بالمواطنين، ومع إقراره باستمرار وجود الأبواب الخلفية للتهريب في كل زمان ومكان، يطالب عبد المطلب بتغليظ العقوبة على كل تاجر يخالف هذه القواعد، لتحجيم الظاهرة.

إشادات ومطالبات

قبل سنوات احترقت شقة السفير السابق محمد مرسي بالكامل بسبب مشترك كهربائي فاسد مستورد من الصين، لذلك أشاد بقرار السيسي الأخير، ولكن تطبيقه -برأيه- يتطلب توعية للمستوردين وموظفي الجمارك بالمعايير وأهدافها وسبل تطبيقها.

وتابع مرسي في منشور له بصفحته الشخصية بموقع فيسبوك "لن ينجح التطبيق دون تدخل حكومي لحماية حقوق المستهلك، لأنه الحلقة الأضعف في هذه المنظومة غير المنضبطة، في سوق ضخم يعاني من الفوضى وانعدام الرقابة تقريبا، رغم وجود حزمة من القوانين التي لا تطبق وجهاز لحماية المستهلك".

ويؤكد السفير السابق فوزي العشماوي ضرورة توفر نظام واضح للمواصفات والمقاييس الأوروبية التي سيتم تطبيقها، تُبلّغ فورا لكل المستوردين، مع إدراك موظفي الجمارك أن المقصود هو مراعاة المواصفات الأوروبية وليس اشتراط الاستيراد من أوروبا.

وأوضح أن الصين مثلا -وهي الشريك التجاري الأكبر لمصرـ تنتج سلعا وبضائع ومنتجات من الإبرة للصاروخ بكل المقاييس والمواصفات، لكن المستوردين يصرون على شراء أردأ المنتجات الصينية بأبخس الأسعار، لتحقيق الثراء السريع.

وطالب العشماوي في منشور له بصفحته الشخصية بموقع فيسبوك بمراعاة تأثير هذا القرار على الأسعار والتضخم الذي يعاني منه الجميع.

وطالب الصحفي محمد رضوان باتخاذ إجراءات تجاه بعض المصانع المصرية التي لا تلتزم بأدنى معايير الجودة، مؤكداً أن هذا القرار فرصة لبعض الصناعات المصرية الرديئة لتطوير إنتاجها.

­بدورها أشارت مساعدة وزير المالية لشؤون تطوير الجمارك منى ناصر إلى أنه ستتم محاسبة المستوردين عن السلع الرديئة المستوردة من الخارج، وأضافت "مضى زمن غض النظر عن تمرير السلع السيئة والفاسدة، بعد ميكنة أعمال الجمارك بالكامل، فتدخل العنصر البشري في بعض الأعمال يفسدها".

ودعت مساعدة الوزير في مداخلة هاتفية بإحدى الفضائيات كل المستوردين للتسجيل في المنظومة الجديدة، لأنها تسهل أعمالهم، مشيرة إلى أن أكثر من 18 ألف متعامل سجلوا بياناتهم على المنظومة الإلكترونية، من بين 21 ألف متعامل.

المصدر : الجزيرة