مصر.. القطاع الخاص يواصل الانكماش ويعمق أزمة الاقتصاد

كيف يتجاوز مصريون تداعيات "كورونا" الاقتصادية؟
بيانات مؤشر مديري المشتريات بمصر تظهر انخفاضه خلال يوليو/تموز الماضي (الجزيرة)

عكست بيانات مؤشر مديري المشتريات في مصر لشهر يوليو/تموز الماضي، الصادرة عن مؤسسة "آي إتش إس ماركت" (IHS Markit) العالمية للأبحاث، استمرار تدهور أحوال القطاع الخاص غير المنتج للنفط بضغط انخفاض مؤشري الإنتاج والطلبات الجديدة.

وحسب تقرير المؤسسة الصادر أمس الثلاثاء، فإن قراءة مؤشر مديري المشتريات -يرصد أداء القطاع الخاص غير النفطي- انخفضت بواقع 0.8 نقطة خلال يوليو/تموز الماضي، مسجلًا 49.1 نقطة مقارنة بـ49.9 نقطة في شهر يونيو/حزيران السابق له.

ويعني انخفاض المؤشر عن مستوى 50 نقطة أن هناك انكماشا في النشاط، أما الارتفاع فيعني أن ثمة توسعا.

ووفق المؤشر، فإن هذا الانخفاض يرجع إلى تراجع معدلات الإنتاج والطلبات المستمر للمرة السابعة خلال 8 أشهر، رغم تحسن الظروف الاقتصادية العالمية، الذي بدوره خلق معدلا للطلب أدى إلى تخفيف حدة التراجع الذي كان يتوقع أن يكون أكثر من ذلك.

وربطت الشركات المشاركة في الدراسة بين تراجع الطلب خلال الفترة الأخيرة، وبين انخفاض الإنفاق المحلي، حيث ظل بعض العملاء مترددين في الإنفاق وسط التأثير المستمر لوباء كورونا وتدابير الوباء المستمرة.

ورغم أن هذا التراجع المستمر عكس لدى مراقبين وخبراء اقتصاد تدهور واقع القطاع الخاص بمصر، فإن الحكومة المصرية عبر وزارة المالية احتفت بما اعتبرته استمرارا منها في تحقيق وعدها بمساندة القطاع الخاص، بالإعلان عن انتهاء المرحلة الثالثة من مبادرة "السداد النقدي" لمستحقات المصدرين لدى بنك التنمية.

وكانت الحكومة المصرية قد دشنت هذه المبادرة في ديسمبر/كانون الأول 2010 بهدف حصول المصدرين على مستحقاتهم المتأخرة لدى صندوق تنمية الصادرات التابع للدولة، الذي يقدم دعما لتحفيز الشركات والمصانع للتصدير الخارجي.

حالة ركود

وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن استمرار إظهار مؤشر مديري المشتريات أداء سلبيا يؤكد وجود حالة من الركود داخل القطاع الخاص غير النفطي، الذي يربطه بكونه قطاعا غير إنتاجي ويغلب عليه الريع والعمل في قطاع الخدمات، مما يضعف أداء الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

ويوضح في حديثه للجزيرة نت أن هذا التراجع مستمر منذ مدة طويلة، مشيرا إلى أن المساحات المسموح بها للقطاع الخاص باتت ضيقة حتى على مستوى الاستيراد والتصدير للسلع الرئيسية التي كان يتمتع بها القطاع الخاص سابقا، مشيرا إلى أنه من غير المتوقع تحسن الأداء ما لم تتبن الحكومة سياسة اقتصادية إنتاجية، وتحرّرها بكل مكوناتها النقدية والمالية والاستثمارية.

 

واعتبر الصاوي أن أزمة كورونا كان لها دور في هذا التراجع لما تسببت فيه من حالات إغلاق لبعض الانشطة، إضافة إلى قرارات الحكومة فيما يتعلق بقطاع الإنشاء والبناء، حيث عطلت عمل أي إنشاءات داخل مساحات كبيرة، ومعلوم أن هذا القطاع من أكثر القطاعات التي توفر فرص عمل بشكل كبير.

وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن يكون للجهاز المصرفي المصري دور رئيسي في معالجة هذا التراجع عبر توجيه جزء من الودائع المصرية إلى تمويل مشروعات حقيقية في كافة القطاعات الخاصة، مع ضرورة البعد عن المشروعات الريعية والتركيز على القطاعات التي توفر فرص عمل وتحسن من أداء الناتج المحلي الإجمالي.

مناخ غير مستقر

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن القطاع الخاص المصري يعاني من مناخ اقتصادي غير مستقر خلال السنوات الأخيرة نتيجة حالة عدم الأمان التي يشعر بها رجال الأعمال على خلفية الإجراءات الفجائية بالقبض على رجال أعمال دون تهم واضحة، إذ لم يعد الأمر مقتصرا على معارضي النظام.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن هذا الأمر جعل الكثير من رجال الأعمال المصريين يتوقفون عن ضخ استثمارات جديدة ترقبا لتغيّر الصورة، كما تأثر المستثمرون العرب والأجانب بعزوف المستثمر المحلي، وأحجموا بدورهم انتظارا لتحرك المستثمرين المصريين.

وعن استئثار المؤسسة العسكرية بمشاريع القطاع الخاص، أشار إلى أن "المنافسة غير متكافئة" في ظل ما هو متاح للشركات التابعة للجيش، حيث تمارس عملها بعمالة تتقاضى مبالغ زهيدة، ولا تدفع الضرائب، مع إمكانية فتح منافذ توزيع في أي مكان تراه مناسبا، وهو ما ليس متاحا للقطاع الخاص.

وذكر أن آخر بيانات نشرتها وزارة التخطيط، والخاصة بنتائج أداء الاستثمارات للعام المالي 2018-2019، تشير إلى أن استثمارات القطاع الخاص في الزراعة والري واستصلاح الأراضي تمثل نسبة 35.8% من مجمل الاستثمارات التي تمت بالقطاع الفلاحي خلال العام.

إنجازات رقمية

أما الصحفي الاقتصادي إبراهيم الطاهر فيرى هذا الانكماش نتيجة طبيعية لسياسات النظام الاقتصادية التي ارتبطت بالاهتمام بمشاريع بنية تحتية على حساب تنشيط المصانع ودعم المتوقف منها، إضافة إلى سيطرة واستحواذ المؤسسة العسكرية على العديد من النشاطات الاقتصادية بمصر.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحكومة مهتمة بالإنجازات الرقمية المرتبطة بمعدلات التضخم والفائدة والاحتياطي النقدي وتحويلات المصريين في الخارج، أكثر من اهتمامها بالإنجازات الإنتاجية، وبالتالي فمعدل الإنتاج ضعيف نتيجة لعدم اهتمام النظام به.

إبراهيم الطاهر
إبراهيم الطاهر: الانكماش نتيجة لاهتمام الحكومة بمشاريع بنية تحتية (مواقع التواصل)

لكنه لا يختلف مع من يرى أن أزمة كورونا كان لها دور كذلك في تفاقم أزمة القطاع الخاص، التي أدت إلى تراجع حجم الطلبيات من المصانع وضعف إنتاجها، إضافة إلى ضعف السوق المصري بصورة عامة، وارتفاع أسعار الكهرباء وتكلفة الاستثمار في مصر رغم انخفاض سعر الفائدة.

تراجع طبيعي

لكن في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن هذا التراجع طبيعي كونه مرتبطا بتراجع الحالة الاقتصادية عالميا، حيث تأثرت غالبية الاقتصادات بأزمة وباء كورونا، والأمر ليس مرتبطا بالوضع في مصر فقط.

عبد النبي عبد المطلب: نمو استثمارات الإمارات بمصر يمثل نفعا مشتركا لاقتصاد البلدين الصورة مأخوذة من المصدر
عبد النبي عبد المطلب: تراجع القطاع الخاص طبيعي كونه مرتبطا بتراجع الوضع الاقتصادي عالميا (الجزيرة)

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن الآثار السلبية لوباء كورونا نتج عنها بطبيعة الحال توقف سلاسل الإمداد والتوريد في الكثير من القطاعات عالميا، وأغلقت الكثير من الدول حدودها، مما نتج عنه تراجع أغلب المؤشرات الاقتصادية بشكل عام.

وتوقع عبد المطلب أن يؤدي هذا الانكماش إلى ضغوط على المؤسسات والمصانع وغيرها من المؤسسات الإنتاجية، حيث يؤدي انخفاض الإنتاج إلى زيادة التكاليف الإجمالية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة البطالة والمشاكل الناتجة عنها.

وشدد على ضرورة انتهاج سياسات مالية توسعية تضمن زيادة دخول الأفراد المتاحة للاستهلاك، وهو ما سيحقق أهدافا متعددة تثمر توفير حياة كريمة للمواطنين فى ظل كورونا، وتشجع الاستثمار والاستهلاك، وتحافظ على المؤسسات العالمية العاملة في مصر.

المصدر : الجزيرة