روسيا.. نظرة ثاقبة على الوجود الاقتصادي في أفريقيا
عقدت جمعية التعاون الاقتصادي مع الدول الأفريقية -التي تأسست تحت رعاية أمانة "منتدى الشراكة روسيا- أفريقيا"- اجتماعا خاصا لمجموعة العمل حول تمويل المشاريع بمشاركة الشركات الروسية الرائدة والبنوك، وقد تمحور الموضوع الرئيسي للاجتماع حول إيجاد نظام فعال لتمويل المشاريع وابتكار طرق لدعم الاستثمار في أفريقيا.
وفي تقرير نشره موقع "مودرن دبلوماسي" (modern diplomacy) الأميركي؛ قال الكاتب كيستر كين كلوميغا إن الافتقار إلى الدعم المنهجي للدولة وتراجع الاهتمام من جانب المؤسسات المالية الروسية من بين العوامل التي تفسر ضعف الحضور الاقتصادي لروسيا في أفريقيا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمصنع كيماويات إسرائيلي بالسودان.. ما الدلالات والتداعيات؟
أملا في جني الثروة.. الآلاف يحفرون في قرية بجنوب أفريقيا بحثا عن الألماس
نمو غير مسبوق لتداول العملات الأجنبية في أفريقيا.. لماذا؟
ووفقا لآنا بيلييفا -المديرة التنفيذية لجمعية التعاون الاقتصادي مع الدول الأفريقية- فإن تمويل المشاريع في أفريقيا يعد أحد العوامل المهمة، ولكنه يمثل في نفس الوقت تحديا بالنسبة للشركات الروسية الكبرى التي تحاول التوسع بأفريقيا في ظل نقص الآليات المالية.
منافسة عالمية
من أجل تعزيز النفوذ الاقتصادي لروسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي؛ يبذل الروس جهودا لتحديد آلية تمويل منظمة لمشاريع البنية التحتية الضخمة وفي مجالات أخرى مثل الطاقة النووية واستكشاف الموارد الطبيعية وزيادة حجم التبادل التجاري مع الدول الأفريقية.
فعلى سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي ودول آسيا -على غرار الصين والهند واليابان- تمويلا لدعم الشركات المستعدة لتنفيذ مشاريع في مختلف القطاعات بالبلدان الأفريقية، وقد خصص بعضها علنا أموالا لأفريقيا بما في ذلك القروض الميسرة.
وخلال المؤتمر الوزاري الأخير لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الصين سوف توسع التعاون في الاستثمار والتمويل لدعم التنمية المستدامة في أفريقيا، وقدمت الصين في هذا الصدد 60 مليار دولار أميركي من خطوط الائتمان للبلدان الأفريقية لمساعدتها في تطوير البنية التحتية والزراعة والتصنيع والشركات الصغرى والمتوسطة.
وأشار الكاتب إلى أن الصين أظهرت فهمها لاحتياجات أفريقيا واستعدادها لفتح باب التعاون في مجال الابتكار العلمي والتكنولوجي على أساس مشجع، وتعتبر طريقة تمويل مشاريع البنية التحتية بسيطة نسبيا، حيث تحصل الحكومات على قروض تفضيلية من بنك الصين للاستيراد والتصدير أو بنك التنمية الصيني، والتعاقد مع مقاولي البناء الصينيين.
ويسمح نظام السياسة المصرفية الصيني للشركات الصينية المملوكة للدولة بالعمل بفعالية في أفريقيا، حيث تنشط غالبية هذه الشركات في مجال البنية التحتية والبناء، وتلتزم الصين على الدوام بتحقيق التعاون المربح للجانبين والتنمية المشتركة مع أفريقيا، ويمكن لروسيا أن تقتدي بالنموذج الصيني لتمويل مختلف مشاريع البنية التحتية والبناء في أفريقيا.
وعلى امتداد أعوام، كانت المقترحات الرسمية لجميع أنواع الدعم للتجارة والاستثمار محل اهتمام، وفي مايو/أيار 2014، كتب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -في إحدى مقالاته المنشورة على موقع الوزارة- "إننا نولي أهمية خاصة لتعميق تعاوننا التجاري والاستثماري مع الدول الأفريقية، وسوف تمنح روسيا البلدان الأفريقية أفضليات واسعة في التجارة".
وأضاف لافروف "في الوقت نفسه، من الواضح أن الإمكانات الكبيرة لتعاوننا الاقتصادي لم تُستنفد ولا يزال يتعين علينا القيام بالكثير هناك حتى يتسنى للشركاء الروس والأفارقة معرفة المزيد عن قدرات واحتياجات بعضهم البعض. إن إنشاء آلية لتوفير الدعم العام للتفاعل التجاري بين الشركات الروسية والقارة الأفريقية يندرج ضمن أولويات قائمة جدول الأعمال".
تعزيز النفوذ الروسي
وفي أعقاب القمة الروسية الأفريقية الأولى بمدينة سوتشي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، قررت روسيا وأفريقيا الانتقال إلى مرحلة أخرى واتخاذ إجراءات ملموسة للارتقاء بالتجارة الثنائية والاستثمار الحالي إلى مستويات أعلى بكثير في الأعوام المقبلة.
ووفق لافروف، ستواصل وزارة الخارجية الروسية تقديم الدعم الشامل للمبادرات التي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين روسيا وأفريقيا، كما أن الأفارقة يرغبون بتوطيد العلاقات مع روسيا ويرحبون بالشراكة الروسية في أسواقهم، لكن جزءا كبيرا من نجاح هذه العلاقة يعتمد على المعاملة بالمثل بين الشركات الروسية ومدى استعدادها لإظهار المبادرة والبراعة، فضلا عن تقديم سلع وخدمات عالية الجودة.
وخلال أحد الاجتماعات، أشار السيناتور الروسي إيغور موروزوف -عضو لجنة مجلس الاتحاد للسياسة الاقتصادية ورئيس اللجنة التنسيقية للتعاون الاقتصادي مع أفريقيا- إلى أنه في ظل الضغوط الناتجة عن العقوبات أصبح من الضروري بالنسبة لروسيا إيجاد أسواق جديدة وإنشاء شراكات وتحالفات جديدة.
وأضاف موروزوف أنه "من المهم بالنسبة لنا توسيع وتحسين أدوات الدعم الحكومي التنافسية للأعمال التجارية، ومن الواضح أنه منذ مغادرة روسيا لأفريقيا منذ نحو 30 عاما، عززت العديد من الدول -مثل الصين والهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- بشكل كبير من فرص الاستثمار في المنطقة".
وفي ظل تجدد الاهتمام المتزايد بأفريقيا، يبحث الروس بحماسة عن طرق فعالة للدخول إلى هذه القارة الضخمة، واقترح السيناتور إيغور موروزوف بشكل صريح إنشاء هيكل جديد داخل مركز التصدير الروسي، وبالتحديد صندوق استثمار، موضحا أن هذا النوع من الصناديق من شأنه أن يقيّم ويجمع الامتيازات كأصل ثابت لصناعة المواد الخام والابتكارات الروسية.
وذكر الكاتب أن اللجنة التنسيقية التي يترأسها موروزوف تضطلع بمهمة تبني نهج عملي للأعمال التجارية، من أجل تعميق وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي وإقامة صلات مفيدة مباشرة بين رواد الأعمال والشركات من روسيا والدول الأفريقية.
فرص وتحديات
تأسست جمعية تنسيق التعاون الاقتصادي مع الدول الأفريقية عام 2009 بمبادرة من غرفة التجارة والصناعة في الاتحاد الروسي وبنك التنمية للاتحاد الروسي بدعم من مجلس الاتحاد ومجلس الدوما التابعين للجمعية الفدرالية للاتحاد الروسي، وقد حصلت الجمعية على دعم من وزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة الموارد الطبيعية وكذلك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ونقل الكاتب عن رئيس غرفة الصناعة والتجارة الروسي سيرغي كاتيرين -الذي يؤيد فكرة إنشاء آلية مالية- قوله إن "المهمة الأساسية حاليا تكمن في التعجيل بعودة روسيا الاقتصادية إلى القارة الأفريقية"، ووفقا لكاتيرين، يعد الوجود الاقتصادي الروسي في أفريقيا اليوم ضعيفا بشكل كبير مقارنة ببقية الدول الغربية الرائدة الأخرى وشركاء مجموعة "البريكس" (BRICS).
وأضاف كاتيرين أن روسيا بحاجة إلى آلية تمويل حكومية لدعم سير الأعمال التجارية الروسية في أفريقيا، وإلا سيكون من الصعب للغاية هزيمة الشركات الغربية المنافسة.
وبحسب تقرير الاستثمار العالمي لعام 2020 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإن أكبر 5 مستثمرين في القارة الأفريقية هم الاتحاد الأوروبي (هولندا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) والولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى ذلك، تسجل دول الخليج والإمارات العربية المتحدة وتركيا حضورها بالقارة، حيث تضطلع بأدوار نشطة في مختلف المجالات في القارة الأفريقية.
وعلى أرض الواقع، أعطى إطلاق منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية إشارة إضافية للاعبين الأجانب للاستفادة من هذه الفرصة الجديدة في أفريقيا، والهدف منها إنشاء سوق قاري للسلع والخدمات، بالإضافة إلى منح رجال الأعمال حرية التنقل والاستثمار في أفريقيا.
يُذكر أن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية توفر الكثير من العروض إلى جانب حقيقة أنها تخلق سوقا موحدة تضم حوالي 1.3 مليار شخص.