مصر.. مشاركة القطاع الخاص للحكومة في بناء المدارس تثير مخاوف الخصخصة

يصل إجمالي عدد الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة إلى 24 مليونا و403 آلاف و924 طالبا وطالبة (الجزيرة)

القاهرة- 800 ألف تلميذ يلتحقون بالمدارس في مصر كل عام في المراحل الأولى من التعليم الأساسي، وهو رقم يفوق قدرات الحكومة المصرية، مما يترتب عليه زيادة الكثافة داخل الفصول إلى نحو 80 طالبا لكل فصل، بحسب تصريحات وزير التربية والتعليم.

وإزاء هذا الضغط المتزايد سنويا، انتهجت الحكومة المصرية سياسة مشاركة القطاع الخاص لبناء المزيد من المدارس، ولكنها لن تكون متاحة إلا للطبقات المتوسطة، بحسب ما جاء في بيان لوزارة المالية، مما أثار مخاوف من "خصخصة" أو "تسليع" التعليم.

وقالت وزارة التربية والتعليم في بيان نهاية يوليو/تموز الماضي، إنها بصدد الانتهاء من إنشاء ألف مدرسة متميزة للغات بالشراكة مع القطاع الخاص بحلول 2030، مشيرة إلى أن باكورة المشروع القومي لمدارس "المشاركة المتميزة للغات" دخلت الخدمة في العام الدراسي 2021/2020.

وأكد وزير المالية المصري محمد معيط أن المدارس الجديدة سوف تكون بمصروفات مُخفضة تناسب أولياء الأمور من أصحاب الدخول المتوسطة، وتسهم في خفض الكثافة الطلابية بالمدارس التجريبية (مدارس لغات حكومية).

ولفت إلى أن الوزارة تسعى إلى جذب رجال الأعمال المصريين والعرب للاستثمار في تلك النوعية من المدارس التي سوف تقدم "مستوى تعليميًا متميزًا" تحت إشراف وزارة التربية والتعليم.

إلى جانب المدارس الحكومية المجانية توجد العديد من المدارس الحكومية الأخرى، مثل التجريبية والقومية واليابانية ومدارس النيل، وجميعها باللغات الأجنبية وترتفع فيها المصروفات المدرسية وتقل فيها كثافة الطلاب في الفصول بشكل متفاوت، بالإضافة إلى المدارس الخاصة والدولية وتتراوح فيها المصروفات السنوية ما بين 20 ألفا إلى 250 ألف جنيه (الدولار يساوي 15.70 جنيها تقريبا).

ويصل إجمالي عدد الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة إلى 24 مليونا و403 آلاف و924 طالبا وطالبة بمرحلة التعليم قبل الجامعي، موزعين على 57 ألفا و749 مدرسة حكومية وخاصة، من بينها 48 ألفا و580 حكومية و9169 مدرسة خاصة بنسبة 15%، وفقا لوزارة التربية والتعليم في العام الدراسي 2020/2021.

وفي أكثر من مناسبة كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الدولة بحاجة إلى بناء 250 ألف فصل، وقال في منتدى الشباب الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وفي المنتدى التالي الذي عقد في صيف 2019 إن "تكلفة بناء تلك الفصول 130 مليار جنيها"، لافتا إلى أن "هذا الرقم لا يشمل تكلفة تشغيل تلك المدارس، إنما إنشائها فقط".

مخصصات قطاع التعليم في الموازنة بلغت نحو 172.6 مليار جنيه خلال عام 2021-2022 (الأوروبية)

الاستحقاق الدستوري للتعليم

رغم إقرار الحكومة المصرية بأزمة نقص الفصول وتكدسها فإنها تصر على أنها استوفت نسب الاستحقاق الدستوري للتعليم قبل الجامعي في موازنة العام الحالي 2022/2021.

وبحسب البيان المالي لمشروع الموازنة، سجلت مخصصات قطاع التعليم نحو 172.6 مليار جنيه خلال عام 2022/2021.

وذكرت وزارة المالية في البيان المالي أنه تم استيفاء نسب الاستحقاق الدستوري للصحة والتعليم الجامعي وقبل الجامعي والبحث العلمي بمشروع موازنة العام المقبل، حيث تبلغ مخصصات التعليم قبل الجامعي 256 مليار جنيه، بزيادة 14.6 مليار جنيه عن العام الحالي، مما أثار حالة من اللغط حتى بين نواب البرلمان آنذاك.

وهو ما أشار إليه النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بالقول "كالعادة نواجه غموضا في حساب النسب الدستورية، فتبلغ مخصصات التعليم 172 مليار جنيه بنسبة 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن البيان المالي أشار إلى أن مخصصات التعليم قبل الجامعي 256 مليار جنيه ولم يرد في تقرير اللجنة إي إفادة عن هذا الفارق".

وينص دستور عام 2014 في المادة (19) على أن "تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية".

إنفاق الأسر المصرية على التعليم

أما فيما يتعلق بالإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التعليم فيبلغ نحو 8850 جنيها سنويا (566 دولارا)، بنسبة 12.5% لإجمالي الجمهورية، علما بأن نسب الأسر التي لديها أفراد ملتحقون بالتعليم هي 58.4% فقط، وفقا لمؤشرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك للعام 2020/2019، والتي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

مشكلة أكبر من الدولة

ويستبعد الدكتور رضا مسعد مساعد وزير التربية والتعليم سابقا، أن "يكون هناك توجه لخصخصة التعليم ما قبل الجامعي في مصر"، لكنه شدد على ضرورة "عدم ترك الحكومة وحدها تواجه إحدى أهم مشاكل العملية التعليمية في البلاد؛ وهي نقص عدد الأبنية المدرسية بسبب ارتفاع التكلفة، وعدد الأبنية أقل من عدد الزيادة السنوية في عدد الطلاب الجدد".

وفي حديثه للجزيرة نت أكد أن الحكومة تخصص موازنة ضخمة للتعليم منذ عدة سنوات، ولكنها لا تستطيع تغطية نفقات إنشاء مدارس جديدة بجودة عالية، ومن هنا كان اللجوء للقطاع الخاص، وهو موجود بالفعل وهناك أكثر من 9 آلاف مدرسة خاصة.

يبلغ الإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التعليم نحو 8850 جنيها سنويا (الأوروبية)

وأوضح مسعد أن موقع هذه المدارس هو بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، فالأولى تملكها الحكومة والثانية يملكها القطاع الخاص، لكن هذه المدارس ملكية مشتركة بين القطاع الخاص والدولة، ومستوى التعليم فيها سيكون أعلى من المدارس العادية، والهدف هو توفير مستوى عال من التعليم عن طريق مساعدة القطاع الخاص.

ولكنه أقر بأن التعليم الحكومي فقد الكثير من جودته وصلابته لصالح التعليم الخاص الذي بدأ في الانتشار منذ ثمانينيات القرن الماضي في مصر والدول العربية، وبات له دور أساسي ومحوري، وإذا كان هناك ضعف في التعليم الحكومي فهو لأسباب كثيرة جدا من أهمها ضعف التمويل المخطط بموازنة الدولة للتعليم والزيادة السكانية.

التعليم حق وليس سلعة

في المقابل يرفض مدير مركز الحق في التعليم عبد الحفيظ طايل أي توجه نحو "خصخصة" التعليم أو "تسليعه" باعتباره حقا مكفولا للجميع. وقال "هذا الطرح هو ذاته الذي طرحه الحزب الوطني إبان حكم الرئيس الراحل حسني مبارك".

ورأى في حديثه للجزيرة نت أن "المشكلة ليست في إتاحة الفرصة للقطاع الخاص للاستثمار في التعليم قبل الجامعي -وهو شكل من أشكال الخصخصة- المشكلة هي أن المجتمع يحتاج إلى إنشاء كم كبير من المدارس نتحدث عن بناء 25 ألف مدرسة على الأقل.

واعتبر أن ألف مدرسة هو رقم قليل ويمثل 1 على 25 من احتياجاتنا الحقيقية، وهذا العدد لن يفِي بالمطلوب، لكن كل مدرسة جديدة لا بد أن نقر بأنها مكسب سواء حكومية أو خاصة، و"لكن نحن مجبرون على هذا الوضع رغم أنه مناف لمؤشرات الحق في التعليم".

وشدد طايل على أن "الأصل في التعليم تكفله الدولة ومسؤولة عنه الحكومة. المجرى الرئيس لنهر التعليم هو المدارس الحكومية، أما القطاع الخاص فهو رديف لا يجب أن يكون أو يصبح في يوم ما هو الأساس في العملية التعليمية".

المصدر : الجزيرة