مانغو السودان.. منتج واعد لإقالة عثرة الاقتصاد
فاكهة المانغو تزرع في غالب أنحاء السودان بمساحة تتجاوز 60 ألف فدان.
الخرطوم – "فقط تخيل مستقبلا يرتبط فيه ميناء السودان في بورتسودان عن طريق البر والسكك الحديد بدارفور، ومن هناك إلى تشاد -غير الساحلية- وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى يمكن عصر محصول المانغو السوداني، وهو من أكبر المحاصيل في أفريقيا، وتصديره مباشرة إلى أوروبا".
تلك كلمات سطرها رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في السودان، الألماني فولكر بيرتس، خلال مايو/أيار الماضي، معلقا على فرص السودان المستقبلية لتنمية اقتصاده المتهالك، مستشهدا ضمن خيارات أخرى بفاكهة المانغو التي تزرع في مساحات شاسعة بكل أنحاء البلاد.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأدنى مستوى للجنيه السوداني على الإطلاق.. وغضب بمواقع التواصل
ماذا تعرف عن أسواق الجيش في السودان؟
وزير المالية السوداني: إجراءات للتخلص من الدولار الجمركي قريبا
وبعد توقف نحو عامين بسبب جائحة كورونا، احتضنت العاصمة السودانية هذا الأسبوع "مهرجان المانغو" في نسخته الـ22، بتنظيم من جمعية فلاحة البساتين السودانية بالتعاون مع المركز السوداني لتعقيم الصادرات البستانية، حيث عرضت فيه نحو 8 أصناف من هذه الفاكهة، وهو ما يمثل تراجعا كبيرا مقارنة بالمعارض السابقة التي كانت تشهد أكثر من 30 صنفا، ويعزو خبراء هذا التراجع المؤقت إلى الارتفاع الشديد في درجات الحرارة الذي أدى إلى التأثير في الإنتاج.
ومع ذلك يرشح منتجون واقتصاديون فاكهة المانغو لتكون في مقدمة صادرات السودان التي تدرّ دخلا عاليا، ولكن الأمر يستلزم مزيدا من الاهتمام بالمنتجين وتيسير العقبات التي تعترضهم لا سيما نواحي النقل والتصدير إلى الخارج.
وتزرع فاكهة المانغو في غالب أنحاء السودان بمساحة تتجاوز 60 ألف فدان وبإنتاج يبلغ 8 آلاف طن للفدان الواحد، وتعدّ ولايات جنوب كردفان وسنار والنيل الأزرق والشمالية من أكبر مناطق الإنتاج على مدار 9 أشهر من العام.
وحديثا اتجهت شركات خاصة إلى إنشاء مزارع بستانية شمال العاصمة الخرطوم تعمل على زراعة المانغو بالري الصناعي، وبالفعل كانت الحصيلة عالية وأعدّت للتصدير، كما يقول أحمد عثمان، بإشراف شركة "الحنطة الزراعية" التي شاركت في مهرجان المانغو الأخير، مع قوله إن درجات الحرارة العالية أثرت تأثيرا واضحا في الإنتاج هذا الموسم وبدا متراجعا مقارنة بالعام السابق الذي كان المنتج فيه من المانغو عاليا بنسبة 100%.
ويوضح عثمان للجزيرة نت أن المساحة المزروعة لشركتهم غربي مدينة أم درمان بلغت هذا العام 450 ألف فدان من المانغو بـ3 أصناف بواقع 50 ألف شتلة من كل نوع.
ويقول وزير الزراعة السوداني الطاهر حربي لدى تدشينه مهرجان المانغو إنه شُرع بالفعل في تصدير عشرات البرادات المحملة بالمانغو إلى ليبيا، وإن مستثمرين ينشطون حاليا في فتح أسواق بدول الخليج حيث تحظى المانغو السودانية برواج كبير.
ويضيف أنه بات مؤكدا أن الجميع، منتجين ومصنعين ومصدرين لهذا المحصول، يمضون في المسار الصحيح بما يستوجب على الجميع العمل الجدّي للاستفادة القصوى من المانغو لا سيما أنه من المحاصيل الرئيسة التي قال إن وزارته تستهدفها لتحقيق المسار الاقتصادي الزراعي في السودان.
ويشير الوزير في حديثه إلى أن النجاح في هذه العملية سيحقق النمو الاقتصادي، في ظل وجود منتجين يعملون بجدية في تصنيع المانغو ومستثمرين يتعاطون مع تصديرها بالقدر الكافي من الحرص.
أسواق واعدة
ويؤكد عبد الرحمن محمد من المركز السوداني لتعقيم الصادرات البستانية، في حديثه للجزيرة نت، أن المانغو السودانية بحاجة إلى مزيد من الرعاية والترتيب والاهتمام لتكون موردا اقتصاديا لا يشق له غبار، بخاصة أنها من الفواكه المنتجة على مدار 9 أشهر تبدأ من يناير/كانون الثاني حتى منتصف سبتمبر/أيلول وفي أي مكان بالسودان.
ويردف بالقول"المانغو تشكل رقما اقتصاديا كبيرا، وببعض المعالجات يمكن مدّ الموسم ليكون 10 أشهر، ومن ثم فرصتها كبيرة لدعم الاقتصاد"، ويلفت عبد الرحمن إلى أن الطلب عال جدا على المانغو المصنعة، ويضيف "إذا كنت تملك 10 آلاف طن مانغو مجمدة ومركزة، تجد أن تسويقها أسهل من 200 طن من المانغو الطازجة".
وكان المركز السوداني أعلن قبل أيام الشروع في تصدير أول شحنة مانغو مجمدة في شكل شرائح إلى مصر بلغت 25 طنا.
وقال رئيس مجلس الإدارة بدر الدين الشيخ، في تصريح له، إن المانغو السودانية تتمتع بصيت جيد في السوق الإقليمية التي تحتاج إليها ابتداء من مصر، فضلا عن الطلب العالي في أسواق الأردن والسعودية والإمارات ودول الخليج عامة، كما تتكاثف الطلبات من بريطانيا وهولندا وإيطاليا وفرنسا.
منتج عضوي ومنافس شرس
ويؤكد عبد الرحمن محمد أهمية الإرشاد الزراعي وتمويل المنتجين وإنشاء المصانع لتصنيع مركزات المانغو، كما يشدد على وصف المانغو السودانية بأنها منافس شرس لنظيراتها في الدول الأخرى من واقع إنتاجها الممتد أشهرا، فضلا عن تميزها بعدم استخدام أي مواد كيميائية في زراعتها فهي "منتج عضوي كليا"، يظهر ذلك في نكهتها وشكلها المميزين، غير أن عبد الرحمن محمد يلفت إلى وجود معيقات لوجستية من شأنها إعاقة انطلاق المانغو كمنتج اقتصادي رائد، من بينها ارتفاع تكلفة النقل والترحيل وارتفاع أسعار الشحن تبعا للمتغيرات الاقتصادية.
ويذهب أحمد عثمان في الاتجاه ذاته ليشير إلى أن على الحكومة توفير المعينات، على رأسها الوقود وحل مشكلات الترحيل والنقل إذ ينعكس ارتفاع كل هذه الأشياء على سعر المنتج من المانغو.
ولكن الخبير الاقتصادي وائل فهمي يرى أن القطاع الخاص عليه ابتداع حلول لمشاكله والتغلب عليها بعد أن غادرت الحكومة ملعب الاقتصاد وحررته بالكامل على أن يكون دورها محصورا في وضع المعايير والضوابط التي يعمل بموجبها القطاع الخاص في الإنتاج والتصدير.
ويقول فهمي للجزيرة نت إن المنتجات البستانية معروفة عالميا بارتفاع أسعارها ومن ثم يمكن أن تحقق المانغو السودانية عوائد ضخمة للحكومة حال عمدت إلى تنويعها لتحاشي صدمة هبوط سعر إحداها، فتغطى الخسائر بأخريات فضلا عن تقديم التسهيلات وترقية البنى التحتية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن السودان بعد دخوله مبادرة "هيبك" بلغ منعطفا مهما ولم يعد كالسابق، وستفتح أمامه الأبواب بما يحتم العمل بحنكة ووسائل مختلفة عن الماضي، بتوسيع الصادرات والابتعاد عن النهج الذي كان سائدا على مرّ الحكومات المتعاقبة بتركيز العمل على سلعة واحدة كالقطن مثلا في عهود ماضية ثم البترول لاحقا وحاليا الذهب، وهي كما يقول رؤية ضيقة لم تسعف الاقتصاد السوداني.