رب ضارة نافعة.. هل يصب انسحاب كبريات شركات النفط الأجنبية في صالح الاقتصاد العراقي؟
مراقبون يرون أن العراق بحاجة لاستقطاب الشركات الاستثمارية الرصينة شرط تعديل قوانين الاستثمار وتوفير البيئة الآمنة
بغداد- تعتزم كبريات الشركات النفطية العاملة في العراق الانسحاب الكامل من الاستثمار في قطاع النفط، حيث أرسلت شركة "لوك أويل" Lukoil الروسية إخطارات رسمية تقول إنها تريد بيع حصتها في مشروع غرب القرنة- 2 للصين. وتفكر شركة "بي.بي" BP البريطانية أيضا في الانسحاب، وكذلك فعلت الشركتان الأميركيتان رويال داتش شل ( Royal Dutch Shell ) وإكسون موبيل (ExxonMobil ) بحسب تصريحات لوزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار أدلى بها خلال جلسة برلمانية يوم 29 يونيو/حزيران الماضي.
ويتزامن ذلك الانسحاب مع استمرار أسعار الذهب الأسود بالارتفاع، حيث لامست حاجز 75 دولارا لكل برميل واحد، لكن النفط العراقي باستثناء نفط البصرة الخفيف "أقل من الأسعار العالمية".
اقرأ أيضا
list of 3 itemsكانت كفيلة بانتشاله من أزماته.. مئات المليارات هُرّبت من العراق خلال 17 عاما
الإغراق السلعي وعوامل أخرى تقوض انضمام العراق لمنظمة التجارة العالمية
ويبلغ حجم الإنتاج النفطي للعراق أكثر من 4 ملايين برميل في اليوم الواحد بحسب محددات "أوبك بلس" في حين يبلغ حجم التصدير أكثر من 3 ملايين برميل يوميا "وفق الأرقام البيانية لوزارة النفط العراقية".
تحسين بيئة الاستثمار
وتعليقًا على ذلك، يؤكد عبد الجبار -في حديث خص به الجزيرة نت- أن الحكومة ووزارة النفط يجددان تمسكهما بالشراكة مع الشركات النفطية ودعم تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي في البلاد.
وقال الوزير "تم وضع أهداف جار العمل على تحقيقها لحماية بيئة الاستثمار في القطاع النفطي" كاشفًا في ذات الوقت عن السعي الوزاري أيضا لإيجاد شراكات إستراتيجية جديدة من شأنها أن "تساعد في تطوير واقع الصناعة النفطية للبلاد".
وأعلن كذلك عن تسديد جميع مستحقات "بي بي" البريطانية والشركات الأجنبية العاملة في البلاد وديونها رغم التحديات المالية والاقتصادية التي يمر بها العراق الناتجة عن تداعيات انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي يؤكد "التزام الوزارة تجاه الشركات الأجنبية".
امتصاص خيرات الحقول
من جهته يرى الدكتور نصيف العبادي الأكاديمي المتخصص في اقتصاد النفط والغاز بجامعة البصرة للنفط والغاز أن "هناك مغالطات في تصريحات الوزير ومحاولة لذر الرماد بالعيون".
ويقول في حديث للجزيرة نت "الشركات الأجنبية رهنت العراق بعقود لمصلحتها على حساب حقوق البلد، ولن تخرج حتى تمتص كل خيرات الحقول" مشيرا إلى أن "التكنولوجيا والتدريب الذي قدمته هذه الشركات كان بمبالغ فلكية، وكان باستطاعة العراق إنجاز كل ذلك دون رهن الصناعة النفطية بيد الشركات الأجنبية".
وتساءل العبادي "لماذا هذا الخنوع والمهانة والتسويق للأجنبي في وقت يملك العراق كوادر قادرة على إدارة القطاع النفطي بشكل ناجح كما كان ومنذ سبعينيات القرن الماضي؟".
الانسحاب الإيجابي
من جهته يعتقد الخبير بالشأن النفطي الدكتور حمزة الجواهري أن عوامل إيجابية تلوح في الأفق جراء انسحاب الشركات الأجنبية من استثمار حقول النفط العراقية.
ويوضح في حديث للجزيرة نت "انسحاب الشركات الاستثمارية لن يؤثر على ديمومة إنتاج الذهب الأسود لأن العراق يمتلك حاليا موارد بشرية وطنية عاملة تم تدريبهم وتشغيلهم من قبل الشركات الأجنبية لأكثر من 10 سنوات، وقاموا بإكمال مشاريع كثيرة، ويتراوح نسب أعدادهم بين 70% و90% من حجم عمل تلك الشركات، الأمر الذي سيؤدي لاستمرار تشغيل العراق حقول النفط حتى لو انسحبت تلك الشركات".
وبخصوص الشركات النفطية الأخرى التي ترغب أن تحل محل الشركات المنسحبة من الاستثمار في النفط العراقي، أشار الجواهري إلى أن "الشركات الصينية ترغب بقوة للدخول في سوق استثمار النفط العراقي".
وأضاف الجواهري أن الشركات المنسحبة "لا تجد مصلحة كبيرة في عقود جولات التراخيص النفطية التي عائدها بسيط جدا يشكل نحو دولارين على كل برميل منتج" مؤيدا التعجيل بانسحاب الشركات الأجنبية من البلاد.
وعن حاجة العراق إلى عملية تأميم ثانية للنفط بعد انسحاب الشركات الأجنبية النفطية، يستبعد علاء الأسدي مدير مركز النار الأزلية للتطوير والتنمية النفطية أي جدوى من هذه الخطوة.
ويعلل الأسدي للجزيرة نت ذلك لكون أصول الحقول العراقية لم يتم التلاعب بها، بل "كانت الشركات تتقاضى أجور خدمة عن كل برميل منتج".
وأشار إلى أن "واجب الدولة العراقية هو جذب الشركات العالمية للعمل فيها لا أن تشجعها على مغادرة البلاد". واعتبر "مغادرة الشركات للعراق، والتي بدأت منذ انسحاب شركة شل الأميركية من حقل مجنون عام 2017 تبعتها بتروناس الماليزية" أنه مؤشر سلبي لا ينعكس فقط على قطاع النفط والطاقة فحسب بل "كل قطاعات الاستثمار في العراق".
تدهور المناخ الاستثماري
ويؤكد الخبير بالشأن الاقتصادي الدكتور أحمد الهذال أن عوامل كثيرة أدت لتدهور المناخ الاستثماري بالعراق منذ عام الغزو الأميركي عام 2003، منها الأوضاع الأمنية وفوضى السلاح إضافة إلى البيروقراطية الإدارية وضعف القوانين الاستثمارية، فضلاً عن الابتزاز السياسي الذي يمارس على الشركات الأجنبية الراغبة بالدخول للسوق العراقية.
وقال "العراق بحاجة لاستقطاب الشركات الاستثمارية الرصينة في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والنفطية، شرط تعديل قوانين الاستثمار وتوفير البيئة الآمنة وإلزام المستثمر الأجنبي بتنفيذ جميع بنود الاتفاق مع العراق".