بقيمة 34 مليار دولار.. ازدهار الاستثمار في التكنولوجيا المالية مع تنامي الشركات الناشئة
تتدفق الأموال نحو قطاع التكنولوجيا المالية أكثر من المعتاد، حيث أنه خلال الربع الثاني من العام الجاري سجل هذا القطاع رقما قياسيا من تمويل رأس المال الاستثماري بلغ حوالي 34 مليار دولار، مما يعني أن دولارا من كل خمس دولارات يستثمرها رأس المال المجازف هذا العام قد ذهب إلى التكنولوجيا المالية.

تتدفق الأموال نحو قطاع التكنولوجيا المالية أكثر من المعتاد، فخلال الربع الثاني من العام الجاري سجل هذا القطاع رقما قياسيا من تمويل رأس المال الاستثماري بلغ حوالي 34 مليار دولار، مما يعني أن دولارا من كل 5 دولارات يستثمرها رأس المال المجازف هذا العام قد ذهب إلى التكنولوجيا المالية.
وذكرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن الصفقات تتميز بوتيرة سريعة. ويعتقد مزود البيانات "بيتش بوك" (PitchBook) أن شركات رأس المال المجازف باعت خلال هذا العام 70 مليار دولار من حصص الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا المالية إلى حد الآن، أي حوالي ضعف ما كان عليه الرقم في عام 2020 بأكمله. وشاركت التكنولوجيا المالية في 372 عملية اندماج في الربع الأول، بما في ذلك 21 عملية اندماج بقيمة مليار دولار أو أكثر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشراكة صُنعت في الجنة.. عن التطبيع والتكنولوجيا المالية
أعداء وول ستريت الناشئون يزدهرون
لماذا يحتاج المستثمرون في التكنولوجيا إلى الانتباه لحوكمة الشركات؟
في الأسابيع القليلة الماضية، دفعت شركة بطاقات الائتمان "فيزا" 1.8 مليار يورو (2.1 مليار دولار) مقابل منصة المدفوعات السويدية "تينك"(Tink). وأعلن أكبر بنك في أميركا "جي بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) نيته شراء "أوبن إنفست" ( OpenInvest) لأدوات الاستثمار المستدام، وهو الاستحواذ الثالث في قطاع التكنولوجيا المالية خلال 6 أشهر.
وأشارت المجلة إلى أنه تم إدماج بعض الشركات الناشئة في هذا القطاع، مثل المنصتين الألمانيتين "رايزن"(Raisin) و"ديبوزيت سلوشنز" (Deposit Solutions) اللتين تربطان البنوك بالمدخرين، بينما تم طرح أسهم شركات أخرى للاكتتاب العام.
وفي الواقع، تعكس هذه الموجة الهائلة من النشاط طلب المستثمرين الذين يبحثون عن العائدات مع انطلاق الطفرة الرقمية في التمويل، لكنها تكشف أيضًا كيف أصبحت شركات التكنولوجيا المالية جزءًا من النظام المالي.
تتميز الطفرة الاستثمارية الحالية بالعديد من الميزات الجديدة التي تتجاوز مستوى التوقعات، فهي تركز بشكل متزايد على أكبر الشركات، على حد تعبير تشافي بيندل من "جي بي مورغان" (JPMorgan).
ويبدو أن الشركات الناشئة التي كافحت خلال الوباء لم تعد تمثل محط اهتمام المستثمرين. وقد شهد الربع الأول من عام 2021 أكبر جولات تمويل على الإطلاق للشركات الناشئة الخاصة في قطاع التكنولوجيا المالية التي تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار، حيث جمعت الجولة المتوسطة 10 ملايين دولار، مسجلة زيادة بحوالي الربع عن الفترة نفسها من العام الماضي.
قبل 5 سنوات، تركزت التكنولوجيا المالية في الولايات المتحدة والصين، وقد انضمت إليهما الآن أوروبا. في حزيران/يونيو، حصلت شركة "كلارنا" (Klarna) السويدية الناشئة على جولة تمويل قدره 46 مليار دولار، مما يجعلها ثاني أكبر شركة خاصة في مجال التكنولوجيا المالية في الغرب.
أصبحت الشركات في أميركا اللاتينية وآسيا، بقيادة مؤسسين متعلمين في جامعة "ستانفورد" (Stanford) أو مدربين في وادي السيليكون على وجه الخصوص، نقطة جذب للمستثمرين. فعلى سبيل المثال، تبلغ القيمة السوقية لـ "نوبانك" (Nubank)، أكبر بنك رقمي في البرازيل، 30 مليار دولار.
وذكرت المجلة أن الارتفاع المفاجئ في المدخرات في البلدان الغنية المسجل خلال العام الماضي عزز مكانة الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا المالية وإدارة الثروات، مثل الوسطاء عبر الإنترنت ومستشاري الاستثمار. وقد تلقت شركات تكنولوجيا التأمين تمويلا قدره 1.8 مليار دولار عبر 82 صفقة على مستوى العالم في الربع الأول من هذا العام.
لهذا التوسع والارتفاع الملحوظ في التمويل تفسير واحد وهو النمو الهائل في السوق لعروض التكنولوجيا المالية أثناء الوباء.
لقد تكيف المستهلكون والشركات بسرعة وسهولة مع إغلاق فروع البنوك والمحلات التجارية وما نتج عن ذلك من رقمنة التجارة والتمويل.
يعزى هذا الازدهار الكبير أيضا إلى العوامل الخاصة بالتكنولوجيا المالية.
فمعظم عمالقة التكنولوجيا المالية اليوم لم يحقّقوا نجاحات بين عشية وضحاها، بل يعود تاريخ تأسيس هذه الشركات إلى أوائل عام 2010. ومنذ ذلك الحين، تضخمت أعداد مستخدميهم لتصل إلى عدّة ملايين وهم يقتربون من تحقيق مردوديّة ربحيّة.
وقد أصبحت هذه الشركات كبيرة بما يكفي لتبرز ضمن شركات رأس المال الاستثماري وشركات الأسهم الخاصة الكبرى، مثل شركة "تي سي في" (tcv) الأميركية، وشركة "سوفت بنك اليابانية" (SoftBank)، و"إي كيو تي" (eqt) السويدية.
كما أن بعض المستثمرين المؤسسيين، مثل شركات إدارة الأصول وصناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد، قد حققوا الكثير من الأرباح المالية من خلال اقتناص أسهم في شركات التكنولوجيا الكبرى خلال السنوات الأخيرة. وهم يحاولون الآن الحصول على ميزة من خلال الاستثمار في الشركات الناشئة الواعدة قبل طرحها للاكتتاب العام.
وأوردت المجلة أن المبالغ الضخمة من هؤلاء المستثمرين تأتي في الوقت الذي تأمل فيه شركات التكنولوجيا المالية اتّخاذ الخطوة الموالية. تم إنشاء معظم الشركات الناشئة من أجل تفكيك التمويل، أي إنشاء مجالات يمكن أن تقدم خدمة أفضل من البنوك.
مع ذلك، تعمل معظم الشركات الناجحة اليوم على توحيد أنشطتها وإضافة منتجات جديدة في محاولة لتصبح منصات مالية.
وتوفر عمليات الاستحواذ طريقا مختصرا مفيدا، إذ تعني تقييماتها المرتفعة أن الشركات الكبيرة يمكنها في كثير من الأحيان شراء الشركات الصغيرة بثمن بخس عن طريق مبادلة الأسهم.
تقدّم شركة "سترايب" (Stripe)، الشركة الخاصة الأكثر قيمة في قطاع التكنولوجيا المالية في الغرب، مثالا جيدا عن بلوغ هذا القطاع مرحلة متقدّمة.
تأسست سترايب قبل عقد من الزمن لمساعدة الشركات على قبول المدفوعات عبر الإنترنت، واليوم تبلغ قيمتها 95 مليار دولار، وهي تقدم أيضًا خدمات على غرار الامتثال الضريبي ومنع الاحتيال. وقد تحقق هذا الازدهار جزئيا من خلال عمليات الاستحواذ، التي مكنّتها من شراء 3 شركات أخرى منذ أكتوبر/تشرين الأول.
يحرّك منطق مشابه ازدهار عمالقة بطاقات الائتمان، الذين يحاولون التحوط ضد الابتكارات في المدفوعات عبر الإنترنت، والبنوك التي ترى في التكنولوجيا المالية وسيلة لسد الفجوات في عروضها الرقمية وخفض التكاليف وتنويع خدماتها بعيدا عن الإقراض. يقوم كل من بنك "غولدمان ساكس"(Goldman Sachs ) و"جي بي مورغان"(JPMorgan) بالعديد من الاستحواذ الصغيرة تحت غطاء تقديم تطبيقات مستهلكين جديدة ومتعددة الاستخدامات.
نتيجة لذلك، قد يتلاشى الخيط الرفيع بين التكنولوجيا المالية والخدمات المصرفية التقليدية في نهاية المطاف، مثلما يتوقع نيك "ميلانوفيتش" (Milanovic) من شركة "غوغل باي"(Google Pay).
إن ما يشهده القطاع من عمليات الاستحواذ والاندماج ينطوي على العديد من المخاطر.
أول هذه المخاطر هو المبالغ الباهظة غير المبررة المدفوعة مقابل شركات التكنولوجيا المالية، حيث لا تكتشف البنوك على وجه الخصوص شركات التكنولوجيا المالية الواعدة إلا بمجرد ارتفاع قيمتها السوقية.
يتمثل الخطر الآخر في خنق المنافسة والابتكار. غالبا ما يغادر مؤسسو الشركات الناشئة التي تم الاستحواذ عليها في نهاية فترة "الاستحقاق"، وهو الحد الأدنى من الوقت الذي يجب عليهم البقاء فيه قبل أن يتمكنوا من بيع أسهمهم، وعادة ما تتراوح تلك الفترة بين سنة و3 سنوات.
وقد تتلاشى الثقافة التي سمحت للشركة بالازدهار بعد ذلك الانسحاب، ومن المحتمل أن تواجه شركات التكنولوجيا المالية التي تشتريها البنوك على وجه الخصوص بعض الصعوبات، فبعد انتهاء الصفقة يمكن أن تتعارض السياسات، مما ينجر عنه غالبا انسحاب العملاء.
مع ذلك، يبدو أن هناك شيئا واحدا واضحًا، وهو أن شركات التكنولوجيا المالية تكتسب زخما كبيرا بلا هوادة.
فقد ارتفعت قيمتها إلى 1.1 تريليون دولار، أي ما يعادل 10% من قيمة الصناعة المصرفية والمدفوعات العالمية، بعد أن كانت في حدود 4% في عام 2018. قد ترتفع قيمة أسهم بعض هذه الشركات اليوم، بينما تتخبط شركات أخرى، ولكن من المرجح أن تواصل هذه الحصة الارتفاع على المدى الطويل.