لماذا لم تعد الأموال الصينية تتدفق إلى الخارج؟
القروض المصرفية الصينية المخصصة للعديد من مشاريع الطاقة والنقل في القارة السمراء تراجعت من 11 مليار دولار عام 2017 إلى 3.3 مليارات دولار عام 2020.
تتضاعف إخفاقات برنامج تمويل البنية التحتية الذي وضعته بكين لربط الصين ببقية العالم في إطار مبادرة طريق الحرير الجديد.
وتقول الكاتبة أرميل بوينوست -في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (lefigaro) الفرنسية- إن نيجيريا حاليا في أمسّ الحاجة إلى مليار دولار، علما أن بنك الصين وشركة "سينوسور" للتأمين سبق أن تعهدا بتمويل خط أنابيب غاز بطول 615 كيلومترا بتكلفة 2.8 مليار دولار وسط البلاد، لكن نيجيريا إلى الآن لم تُمنح ما وُعدت به من أموال، لتجد مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية نفسها في ورطة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمبادرة الحزام والطريق.. لماذا تركز الصين على منطقة الشرق الأوسط؟
اليوان الرقمي.. ماذا قالت الصين عن عملتها المشفرة؟
الصين تسجل نموا اقتصاديا قياسيا بدفعة من الولايات المتحدة.. هل تستمر في التقدم؟
ويمثل ما يحدث في نيجيريا دليلا آخر على تقاعس بكين عن تمويل مشاريع البنية التحتية في أفريقيا، وحسب دراسة أجرتها شركة "بيكر ماكنزي" (Baker McKenzie) في أبريل/نيسان الماضي، فإن القروض المصرفية الصينية المخصصة للعديد من مشاريع الطاقة والنقل في القارة السمراء تراجعت من 11 مليار دولار في 2017 إلى 3.3 مليارات دولار في 2020.
وذكرت الكاتبة أن أفريقيا ليست المنطقة الوحيدة التي تعاني جراء تراجع بكين عن الوفاء بالتزاماتها، إذ تتزايد الإخفاقات على طريق الحرير الجديد، فأشغال بناء الطرق والجسور والسكك الحديدية غير مكتملة ومواقع الأشغال مهجورة، وذلك إن دل على شيء -بحسب الصحيفة الفرنسية- فهو يدل إما على أن الأموال الصينية لا تصل، أو أن الدولة المضيفة غير قادرة على تمويل الجزء الخاص بها من المشروع، الذي لا يكون دائما متناسبا ومتوافقا مع المعايير البيئية.
وفي الجبل الأسود -حيث تستأثر الصين بـ 18% من الدين العام- لم يتجاوز "الطريق السريع" -الذي يعتبر الأغلى في العالم- أكثر من 41 كيلومترا، وبتمويل من بكين بقيمة مليار دولار، وكان بناء الطريق جزئيا من قبل عمال صينيين، وأجبر هذا البرنامج الحكومة على زيادة الضرائب لسداد ديونها.
تغيرت اللعبة
إلى جانب عدم الوفاء بما وعدت به من قروض، يوجد مشاريع مكتملة -إلى حد ما- لا يمكن للبلد المضيف تمويلها، وهذه الوضعية تنطبق على ميناء "هامبانتوتا" (Hambantota) في سريلانكا، الذي تمكنت بكين من الاستحواذ عليه مدة 99 عاما بسبب تخلف الدولة عن سداد ديونها، وعلى نفس النحو، اضطرت "لاوس" -بعد الإخفاق في سداد ديونها- إلى التنازل عن الجزء الأكبر من شركة الطاقة الكهربائية الوطنية إلى شبكة الطاقة الصينية الجنوبية الصينية المملوكة للدولة.
وتفضل السلطات الصينية إعادة التركيز على اقتصاد البلاد؛ وهو ما يضعها في إحراج مستمر من المشاكل المتراكمة، وتدفع الدول المقترضة ثمنا باهظا للقروض التي غالبا ما يتم تقديمها بأسعار تجارية مع افتقار العقود للشفافية وشروطها المنفرة للغاية، فعلى سبيل المثال، كان على طاجيكستان التنازل عن جزء من أراضيها كانت بكين تطالب به منذ عقود مقابل سداد ديونها.
بديل الدولة المتقدمة
هل تعود هذه الديون إلى سوء تقدير أم هي فخ مدبر من بكين؟ تتباين الآراء حول هذا الموضوع، إذ يعتقد البعض أن الصين وضعت "فخ ديون" للسيطرة على الدول النامية، بينما يرى البعض الآخر أن هدف بكين الأول هو جني الأموال.
وبدأت بعض الدول تدرك الخطر وتبحث عن تمويل من أطراف أخرى، فقد وقّعت بنغلاديش -التي كانت تدرس التمويل الصيني العملاق لأحد الموانئ- أخيرا عقدا مع اليابان مقابل مبلغ أقل بكثير.
ويبدو أن الدول المتقدمة تريد أن تقدم البديل، حيث تبنت مجموعة الدول السبع الأخيرة خطة "إعادة بناء عالم أفضل" بدعم من الولايات المتحدة؛ لمساعدة البلدان منخفضة الدخل على إنشاء بنية تحتية عبر شراكات "مدفوعة بالمجتمع وبقيم عالية الجودة وشفافة"، وبعد أيام قليلة، طرح الاتحاد الأوروبي إستراتيجيته الخاصة المعروفة باسم "أوروبا المتصلة عالميا" في انتظار توفير التمويل اللازم.