العراق بحاجة لـ3.5 ملايين وحدة سكنية.. أسعار العقارات في بغداد خيالية وإليك الأسباب
ارتفاع أسعار العقارات دفع العديد من العراقيين إلى الشراء من دول مجاورة مثل تركيا أو الأردن نتيجة انخفاض أسعارها هناك
بغداد- رغم ظروف جائحة كورونا والوضع الأمني غير المستقر في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، فما زالت سوق العقارات تشهد ارتفاعا قياسيا في الأسعار، ما دفع بعض العراقيين إلى شراء المنازل في دول مجاورة مثل تركيا والأردن.
"أحتاج إلى 25 سنة لشراء منزل تبلغ مساحته 50 مترا فقط"، هكذا بدأ محمد عاشور (30 عاما ) كلامه في الحديث عن حلمه بشراء منزل في العاصمة بغداد وتكوين أسرة.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsبالفيديو.. مصير مجهول ينتظر عراقيين يسكنون العشوائيات.. ما قصتهم؟
هل ستحل قروض المصارف أزمة السكن بالعراق؟
يقول محمد -وهو موظف حكومي- إن راتبه لا يتجاوز المليون دينار (نحو 675 دولارا)، بينما تبلغ أسعار وحدة عقارية لا تتجاوز 50 مترا ما بين 250 -300 مليون دينار عراقي (نحو 169 ألف دولار- 200 ألف دولار) (سعر الصرف الرسمي للدولار 1450 دينارا وسعر السوق 1480 دينارا)، وهو ما يجعله يلغي حلمه بامتلاك عقار في يوم من الأيام.
ويشير إلى أن أسعار العقارات في بغداد تفوق أسعار دول مستقرة أخرى تتوفر فيها كل سبل الحياة والترفيه، مما يجعل تحقيق حلم شراء المنزل لأبناء الطبقات الفقيرة أو متوسطة الدخل أمرا مستحيلا.
عاصمة الغلاء
وقد أثرت الأزمات الأمنية وظروف كورونا على المستوى المعيشي للمواطن، دون أن تؤثر على أسعار العقارات، فسعر المتر الواحد في حي المنصور في جانب الكرخ من بغداد بلغ 3 آلاف دولار للمتر الواحد صعودا حسب نوع العقار وموقعه، أما في حي زيونة في جانب الرصافة من بغداد فيتراوح ما بين 4-5 آلاف دولار للمتر الواحد، وتنوعت الأسعار في المناطق الأخرى بين 1500وألفي دولار للمتر الواحد، وهي أسعار يجدها الكثير من العراقيين خيالية.
ويرى الكثير من العراقيين أن أسباب الارتفاع يعود إلى الفوارق الكبيرة التي تولدت بين طبقات المجتمع، فالطبقة السياسية ورجال الأعمال وأصحاب الدرجات الخاصة يزدادون ثراء في كل يوم ويستثمرون أموالهم في شراء العقارات داخل العراق.
ويقول الصحفي محمد الجنابي (33 عاما) إن طبقة متوسطي الدخل اختفت، وهناك طبقتان الأولى فاحشة الثراء تستمر في الحصول على الأموال بشكل أو بآخر والثانية مسحوقة، وهو ما تسبب في قلة العقارات المعروضة مقابل الطلب المرتفع عليها، ما جعل بغداد تصنف كأسوأ مدينة للعيش وأغلى مكان للسكن.
حلول العشوائيات
الارتفاع الكبير في أسعار العقارات ولد وجود العشوائيات على أطراف المدن، والتي بلغت وفقا لوزارة التخطيط أكثر من 4 آلاف حي عشوائي في عموم العراق يسكنها أكثر من 3 ملايين نسمة يشكلون 12% من سكان البلاد، وهي أزمة أخرى عقدت مشهد أزمة السكن.
المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أشار إلى أن أزمة السكن وارتفاع العقارات، هي أزمة متجذرة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، فالظروف الأمنية والاقتصادية والحروب التي خاضها العراق خلقت فجوة ولدت الحاجة اليوم لنحو 3.5 ملايين وحدة سكنية لحل مشكلة السكن، مؤكدا أن هناك خططا خمسية وسياسات وضعت خلال السنوات الماضية، لكنها تعطلت أيضا نتيجة الظروف الصحية والأمنية المتراكمة.
وعمدت الحكومات العراقية السابقة إلى الاتجاه صوب منح إجازات استثمارية لبناء المجمعات السكنية، لكن أسعار الشقق في تلك المجمعات كان خياليا، ولا يختلف عن أسعار العقارات في بغداد، فبعض تلك المجمعات تجاوز سعر الوحدة السكنية فيها 120 ألف دولار.
خلل المجمعات
ويقول مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء للجزيرة نت، إن المجمعات السكنية كانت جزءا من المشكلة بدلا من أن تكون حلا، فاعتماد بناء تلك المجمعات في مناطق مأهولة الخدمات بدلا من إقامتها في مناطق جديدة أسهم بارتفاع الأسعار، كما أشار إلى أن عدم إنشاء مدن جديدة منذ أكثر من عقدين، هو السبب في ارتفاع أسعار العقارات.
وأشار صالح إلى أن الحكومة شخّصت هذه الأزمة واتجهت لحلها عبر أمرين، الأول توزيع أراض شبه مجانية على الفقراء، والثاني توفير البنى التحتية لهذه الأراضي بعد منحها وعلى الأقل تزويدها بالماء والكهرباء.
ولحل أزمة السكن وخفض أسعار العقارات، عمدت الحكومة مرارا إلى إطلاق مبادرات قروض ميسرة، كان آخرها مبادرات أطلقها البنك المركزي العراقي وبلغت قيمتها 5 تريليونات دينار ( نحو 3.4 مليارات دولار)، خصص جزء منها للمصارف الخاصة لمنحها كقروض للمواطنين يصل بعضها 100 مليون دينار (نحو 67.5 ألف دولار)، لكن تلك القروض لم تسهم في حل أزمة السكن والعقارات بشكل كبير، كما يوضح المستشار الاقتصادي والمصرفي لرابطة المصارف العراقية الخاصة سمير النصيري.
وبين النصيري أن الكثير من تلك القروض تتحول إلى مشاريع أخرى دون استثمارها في بناء المنازل بشكل حقيقي، إذ يلجأ المستفيدون إلى استثمار الأموال في تنفيذ مشاريع بعد الحصول عليها.
الهروب لدول الجوار
وبالرغم من اختيار بغداد من بين أسوأ مدن للعيش وفقا لتصنيف مؤسسة ميرسر للاستشارات العالمية في العام الماضي، إضافة إلى خروجها من تصنيف أفضل المدن للعيش في عام 2020، بحسب مجلة غلوبال فاينانس، يستغرب المواطنون من الأرقام الخيالية لأسعار العقارات فيها رغم غياب الكهرباء والخدمات وتهالك البنى التحتية.
استغرابٌ قاد الكثير من أبناء بغداد وبقية المحافظات العراقية إلى البحث عن عقارات في دول مجاورة مثل تركيا أو الأردن نتيجة انخفاض أسعار العقارات هناك.
ويشير معهد الإحصاء في تركيا إلى أن العراقيين احتلوا المرتبة الثانية في شراء الأملاك والعقارات فيها خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث بلغ عددها 1461 عقارا من أصل 9 آلاف و887 أشتراها الأجانب.