هل أسدلت "سيف القدس" الستار عن شهر العسل الاقتصادي بين إسرائيل والإمارات؟

منذ سبتمبر/أيلول 2020 وقعت إسرائيل والإمارات 8 اتفاقيات رئيسية في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة (الأوروبية)

يشكو رجال الأعمال الإسرائيليون الناشطون في الخليج، وتحديدا في الإمارات والبحرين، من فتور العلاقات والتراجع في التعامل عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتوغل سلطات الاحتلال في القدس والأقصى، مع استمرار مخطط إخلاء 28 عائلة فلسطينية من منازلها من حي الشيخ جراح وإحلال المستوطنين مكانها.

في هذه المرحلة ومع عودة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الوعي في العالمين العربي والإسلامي، بات التقارب العلني غير المسبوق الذي شعر به رجال الأعمال الإسرائيليون عقب التوقيع على "اتفاقيات أبراهام" في إطار صفحات الماضي.

ولتجاوز مرحلة فتور العلاقات الاقتصادية على مستوى رجال الأعمال، وللتأقلم مع الأوضاع والمستجدات، وسعيا لتطبيق الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الموقعة بين إسرائيل والإمارات والبحرين، يلاحظ العودة إلى التكتم على كواليس العلاقات التجارية، خاصة بين رجال الأعمال، في مؤشر للهواجس بأن تؤسس عملية "سيف القدس" إلى مرحلة إسدال الستار على التقارب والتبادل التجاري الاقتصادي العلني.

ومنذ سبتمبر/أيلول 2020، وقعت إسرائيل والإمارات 8 اتفاقيات رئيسية في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة، كما وقعت عشرات الاتفاقيات للتعاون التجاري مع اتحاد أرباب الصناعة الإسرائيلية مع الإماراتيين وكبرى الشركات الاستثمارية الخاصة بين البلدين، ويتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال 3 إلى 5 أعوام حوالي 14 مليار شيكل (نحو 4.5 مليارات دولار)، حسب اتحاد أرباب الصناعة والتجارة بإسرائيل.

شهر العسل

سرد رجل أعمال إسرائيلي في حديثه لصحيفة "يديعوت أحرونوت" التحولات في العلاقات والتعامل الفاتر الذي يحظى به رجال الأعمال الإسرائيليون مع عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة والتوتر بالقدس والحرب على غزة، قائلا "قبل ذلك وفي كل مرة كنت أزور دبي كانت الأبواب كلها مفتوحة أمامي وأمام غيري من الإسرائيليين، خلال الأشهر الستة الماضية زرت الإمارات 10 مرات في رحلات عمل، ورأى الإماراتيون في الإسرائيليين فرصة هائلة، وكان المكان دافئا للغاية ويدفعون نحو المزيد من التعاون".

لكن ما إن وضعت الحرب على غزة أوزارها -كما يقول رجل الأعمال الإسرائيلي الذي زار دبي مجددا- "بتنا نشعر بالفتور في العلاقات والمعاملات، فجأة لم يعد لديهم (رجال الأعمال من الإمارات والخليج) الكثير من الوقت لعقد اللقاءات، يراوغون للامتناع عن عقد جلسات عمل، وغير مرحب بنا وما عادوا يطيقون رؤيتنا".

في بعض الحالات تجاوزت علاقات الفتور حتى مرحلة الرفض والانتقادات شديدة اللهجة، التي وصلت لحد الطرد ووقف التعاون والتبادل التجاري. يقول رجل أعمال إسرائيلي آخر "لدينا علاقات وطيدة جدا مع الإمارات، وقبل أيام قليلة أجرينا محادثة مع مدير شركة محلية، اتصلنا به للتنسيق معه وفاجأنا برده "لا أريد أن ألتقي القتلة"، إشارة إلى اليهود الذي يخدمون في الجيش الإسرائيلي.

الإمارات عمقت علاقاتها مع إسرائيل في مجالات عديدة أبرزها الاقتصادي والعسكري (غيتي)

الحرب على غزة

وأوضح مراسل الصحيفة للشؤون السياسية إيتمار آيخنر أن رجال الأعمال الإسرائيليين يعتقدون أن الأجواء في الإمارات والبحرين تغيرت بعد الحرب على غزة في مايو/أيار الماضي، قائلا "ليس الأمر أنهم يحبون حماس، كلا على الإطلاق، لكن مشاهد الأحداث بالقدس والأقصى صدمتهم وستبقى راسخة في الأذهان".

ويقدر آيخنر بناء على مكالمات مع رجال أعمال وحتى مسؤولين بالسلك الدبلوماسي في تل أبيب أنه ما دامت ذكرى الأحداث راسخة ومتواصلة، فمن الصعب رؤية العودة السريعة إلى روتين العمل، مؤكدا أنه حتى بمجرد نسيانها أو طي صفحة التوتر، سيستغرق الأمر مزيدا من الوقت حتى تتم العودة إلى روتين العلاقات والتبادل التجاري والاقتصادي، قائلا "هم (الإماراتيون) لا يريدون أن ينظر إليهم على أنهم يقومون بصفقات تجارية مع الإسرائيليين".

وتعليقا على الفتور في العلاقات الذي يشكو منه رجال أعمال إسرائيليون في الإمارات، نقل آيخنر عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي مطلع على كواليس العلاقات مع أبو ظبي قوله "هذا صحيح فقط من حيث الرؤية، وهذا أيضا بضمان محدود جدا، إنه ليس على المستوى الرسمي ولا في الاتصالات بين الدول التي بقيت وطيدة وقوية، وحالات الفتور تقتصر على بعض رجال الأعمال".

استثمارات مشتركة

رغم فتور العلاقات على مستوى رجال الأعمال بين البلدين، فإنهم في تل أبيب يشككون في إمكانية أن تتأثر الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الموقعة بين تل أبيب وأبو ظبي في إطار "اتفاقيات أبراهام"، ويستذكرون أهم مشروع تعاون بين البلدين، وهو صندوق استثمارات مشترك بين البلدين بقيمة 10 مليارات دولار، الذي أطلق في مارس/آذار الماضي، وسيشمل كافة المجالات الاقتصادية والتجارية ومشاريع البنى التحتية، وعالم "هاي تك" (High Tech) والتكنولوجيا وعالم الفضاء.

وعمقت الإمارات علاقاتها مع إسرائيل في مجالات عديدة، بينها المجالان السياسي والعسكري، إذ شارك سلاحا الجو الإماراتي والإسرائيلي في مناورة جوية مشتركة في اليونان، لأول مرة وبشكل علني، في حين توصلت شركة "مجموعة 42" الإماراتية إلى اتفاق مع شركة "رفائيل" الإسرائيلية، العاملة في مجال تطوير الوسائل القتالية والسايبر، لتسويق "تقنيات الذكاء الاصطناعي".

وفي مايو/أيار الماضي، وقعت شركة "ديليك" الإسرائيلية مذكرة تفاهم تقضي ببيع حصتها في حقل "تمار" للغاز الطبيعي في البحر المتوسط قبالة ساحل حيفا إلى الشركة الإماراتية "مبادلة للبترول" ومقرها أبو ظبي، مقابل 1.1 مليار دولار.

وفي مطلع يونيو/حزيران الجاري، ورغم فتور العلاقات على صعيد رجال الأعمال، وقعت تل أبيب وثيقة لمنع الازدواج الضريبي بين إسرائيل والإمارات، وهي من أهم ملاحق "اتفاقيات أبراهام" الموقعة في واشنطن في سبتمبر/أيلول الماضي، إذ تعد الوثيقة ركيزة مهمة في العلاقات بين البلدين، وتوفر اليقين للمستثمرين وتشجع على الاستثمار والتعاون الاقتصادي والتجاري.

إسرائيليون يحضرون فعالية في دبي خلال زيارة حاخام إسرائيل الأكبر للإمارات في ديسمبر/كانون الأول الماضي (الأوروبية)

نمو اقتصادي

إلى ذلك، ذكرت صحيفة "معاريف" أنه بسبب فتور العلاقات على مستوى رجال الأعمال في ظل الاعتداءات الإسرائيلية على القدس وغزة، فإن العلاقات على المستوى الرسمي تواصلت وتعززت حتى خلال فترة عملية "حارس الأسوار" التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة.

وأشارت إلى أنه مباشرة بعد انتهاء الحرب على غزة، وكجزء من التعاون بين إسرائيل والإمارات، تم في دبي إطلاق منتدى استثمار عالمي في مؤتمر خاص لصحيفتي "جيروزاليم بوست" و"هال تايمز"، وحضر المراسم الاحتفالية كبار المسؤولين من البلدين لمناقشة سبل النهوض بالاقتصاد العالمي.

ونقلت "معاريف" عن رئيس المؤتمر الصهيوني العالمي رونالد لودر قوله إن "اتفاقيات أبراهام غيّرت لغتنا وكل منطقة الشرق الأوسط للأفضل، إن الأغلبية العظمى من العرب واليهود في الشرق الأوسط يريدون العيش بسلام".

وتعليقا على ما تشهده العلاقات التجارية بين البلدية في ظل التوتر، قال وزير الخارجية الإسرائيلي المنتهية ولايته غابي أشكنازي -في بيان- إن توقيع اتفاقية الازدواج الضريبي مع الإمارات علامة بارزة أخرى في اتفاق السلام والتطبيع بين إسرائيل ودائرة دول السلام في الشرق الأوسط، وتعكس الاتفاقية الالتزام وعمق العلاقات رغم كل الظروف والأوضاع.

المصدر : الجزيرة