ماذا بعد فرض ضرائب جديدة على شركات التكنولوجيا العملاقة في العالم؟

دول مجموعة السبع العظمى اتفقت أخيرا على فرض ضريبة عالمية على الشركات العابرة للقارات بنسبة 15% على الأقل.

الدول الكبرى ووسائل الإعلام الدولية أشادت بالقرارات الناتجة عن اجتماع مجموعة الدول السبع العظمى (بيكسابي)

اتفقت مجموعة الدول السبع العظمى أخيرا على فرض ضريبة عالمية على الشركات العابرة للقارات بنسبة 15% على الأقل، ووصفت هذه الدول الاتفاق بأنه "تاريخي" كونه يعمل على توزيع العائدات الضريبية بصورة أفضل للشركات المتعددة الجنسيات، خصوصا شركات التكنولوجيا العملاقة.

الدول الكبرى ووسائل الإعلام الدولية أشادت بالقرارات الناتجة عن الاجتماع باعتبارها إنجازا عظيما، وتحولا هائلا يأذن ببدء عصر جديد من السياسات التي ستحدّ من هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على الاقتصاد العالمي.

ولكن هل هذا حقا ما سيحدث في المستقبل، وهل فرض ضرائب جديدة على هذه الشركات سيحد من احتكارها وهيمنتها أم إنه مجرد مسكّن موضعي للألم، وحل مؤقت للمشكلة؟

يناقش ديفيد ريتشارد خبير تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي والرئيس التنفيذي لشركة "وانديسكو" (WANdisco) هذا الاتفاق التاريخي ويحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في مقالة له نشرها موقع "سيتي إيه إم" (CITYA.M) قبل بضعة أيام.

ويقول الكاتب إنه عند مواجهة المشكلات والتحديات العالمية الكبرى، فإن النظر عن بعد إلى الصورة الكلية للمشهد وفهم هذه الصورة يسمحان لنا باتخاذ القرارات الصائبة التي تقود إلى نتائج إيجابية وسليمة في النهاية، ولكن في بعض الأحيان من الصعب رؤية الخشب الكامن في خضرة الشجرة، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الاجتماع الأخير لوزراء مالية مجموعة السبع والقرارات الناتجة عنه.

لعبة سياسية

لقد رأينا هذه النوع من الاجتماعات والقمم الدولية الكبرى من قبل لمناقشة بعض المشكلات العالمية، مثل الاجتماعات التي حاولت معالجة تغير المناخ على سبيل المثال، فهي تسيطر على الأجواء، وتأخذ زخما إعلاميا كبيرا، وتخلق إحساسا متوهما بالتقدم الذي أُحرز في حل القضية، ولكن التغير المناخي ما زال مشكلة كبرى تؤرق العالم رغم كل القرارات المتخذة في تلك الاجتماعات.

ويرى ريتشارد أن ما يحدث الآن شيء مشابه، فمن خلال التركيز الشديد على الضرائب، وجدت الحكومات طريقة سهلة يمكن التحكم بها لتدّعي أمام الرأي العام أنها اتخذت إجراءات حاسمة، ولكنها تعرف أن النتائج لن تكون بمستوى الطموح، ولن تحقق كثيرا من خلال هذه الضرائب على المدى البعيد، فالحقيقة أن ضريبة التكنولوجيا الجديدة هي لعبة سياسية ولن تفعل الكثير للحدّ من القوة الهائلة لعمالقة التكنولوجيا.

ويؤكد الكاتب أن هذه الضريبة ستخفق في مواجهة التحدي الحقيقي الذي تطرحه شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم من خلال احتكاراتها القوية التي تسيطر بها على التدفق العالمي للبيانات والمعلومات، والمشكلة الأساسية هي في الاحتكار الذي تمارسه هذه الشركات، وهذا ما لم ولن تعالجه الضرائب مهما كان حجمها ونوعها، ولقد بلغنا الآن مرحلة أصبحت فيها مسألة الاحتكارات التقنية واسعة جدا ومتجذرة بعمق، وتحاول الحكومات تقسيمها إلى عناصر قابلة للفهم تتمثل في الضرائب الرقمية، وتنظيم البيانات، والتحكم في الخصوصية، على أمل إحداث تغيير واستعادة السيطرة، ولكن كل هذا عبث لا طائل منه.

وعندما ننظر إلى المسألة بعمق فإن من الواضح أن كل هذه العناصر مجرد أعراض للمرض وليست هي المرض ذاته لأن المشكلة الحقيقية هي في الاحتكارات القوية التي تسيطر على السوق، حيث من المستحيل تقريبا تطبيق اللوائح والتعليمات الرامية إلى الحد من سطوة هذه الاحتكارات، وقد يبدو فرض الضرائب كأنه إنجاز في هذه المرحلة الزمنية، ولكنها في النهاية لن تكون كافية.

ويشير ريتشارد إلى أن الغرامات والضرائب الباهظة لن تفعل شيئا يذكر عند التعامل مع أغنى الشركات في العالم، وستتحرك هذه الشركات بسرعة للتحايل على القوانين وتحديد الثغرات، ويجب أن تركز الجهود بدلا من ذلك على كبح جماح السلطة الهائلة التي يمتلكونها، وتأثيرهم الطاغي في عوالم السياسة والقانون والاقتصاد، التي يتحكمون بها بطريقة غير ديمقراطية، وسيزداد هذا التحكم سوءا كلما سمح لهم بالعمل ضمن الظروف الحالية.

الغرامات والضرائب الباهظة لن تفعل شيئا يذكر عند التعامل مع أغنى الشركات في العالم (غيتي)

تفكيك الشركات هو الحل

خلال جائحة كورونا الأخيرة، شهدت شركات التكنولوجيا الكبرى نموا هائلا تغذّيه رقمنة مختلف القطاعات الاقتصادية، والتدفق المتزايد للبيانات، وذلك زاد ترسيخ قبضتها على الأسواق العالمية.

وعن الحل من وجهة نظره، يقول خبير الاقتصاد الرقمي إنه بدلا من الضرائب يجب أن ينصب تركيزنا كله على تفكيك الاحتكارات. ولدينا مثال واضح من تسعينيات القرن الماضي على كيفية فعل ذلك، عندما أصبحت هيمنة "مايكروسوفت" (Microsoft) على السوق مشكلة كبرى ينبغي حلها، حيث واجهت الشركة دعاوى قضائية كثيرة بتهمة الاحتكار، وفرضت رسوما وغرامات طائلة عليها، وكادت حينئذ أن تتفكك إلى شركتين مختلفتين بسبب هذه القضايا.

ويضرب مثلا أوضح هو حالة شركة "ستاندرد أويل" (Standard Oil) عندما احتكرت سوق النفط في أميركا في بداية القرن الماضي، وسيطرت على نحو 90% منها، فقد أجبر التنظيم -وليس الضرائب- على تفكيك الشركة إلى شركات متعددة بعد أن أصدرت المحكمة العليا الأميركية قرارا بتفكيك الشركة إلى 34 شركة بسبب قضايا مكافحة الاحتكار التي رفعتها الحكومة الفدرالية الأميركية على الشركة قبل سنوات.

فعندما يُسمح لشركات التكنولوجيا بالنمو إلى حجم هائل، وتكون قادرة على القضاء على المنافسين بسهولة، فإننا نخلق توطيدا خطرا للقوة، يخنق المنافسة ويمنع الابتكار على المدى البعيد.

ويتابع ريتشارد "نحن بحاجة ماسة إلى عمل تشريعي قوي لتقسيم عمالقة التكنولوجيا إلى مجموعة من الشركات الأصغر والمتخصصة كل في مجال، بدلا من تجميع القوى الذي نشاهده في هذه المؤسسات العملاقة العابرة للقارات، بهذا فقط نمنع الاحتكار ونسمح للمنافسة أن تأخذ مكانها الطبيعي، وذلك سيحفز الإبداع والابتكار ويحقق الازدهار للجميع".

ويرى أن شركات التكنولوجيا الكبيرة سيطرت على الأسواق دون أي عواقب حقيقية مدة طويلة كافية، وحان الوقت كي تتدخل الحكومات لتحد من سلطتها بصورة نهائية بمعالجة جذر المشكلة الحقيقية المطروحة وليس أعراضها.

المصدر : الجزيرة