العمل من المنزل.. ما تداعياته الاقتصادية على العقارات التجارية؟

في ظل تعثر العودة للحياة الطبيعية ومكاتب العمل، تبدو الخسائر الناجمة عن الأزمة وعن إخلاء المكاتب طيلة فترة الوباء مثيرة للقلق.

ماذا لو رفضنا العودة للمكاتب
هناك تهديد كبير بأن تصبح المباني القديمة مجرد أصول مالية متروكة ودون أي قيمة مع الاستثمار في العمل من المنزل (شترستوك)

بسبب فيروس كورونا والانتقال إلى نظام العمل عن بُعد، لا تزال العديد من مكاتب الشركات فارغة حتى مع اقتراب نهاية الأزمة الصحية، فهل ستكون لذلك تبعات على الاقتصاد؟

تقول مجلة "إيكونوميست" (economist) في تقرير لها إن أصحاب الأعمال بدؤوا هذه الأيام يبحثون عن أفكار لإعادة الموظفين إلى المكاتب، وذلك من خلال توفير خدمات جديدة وفضاءات مختلفة عن السابق.

وكشفت ناطحة سحاب في مانهاتن تحمل اسم عائلة فاندربيلت، عن نيتها افتتاح مطعم يديره الشيف الشهير دانيال بولود الحاصل على جوائز عالمية، كما أن المقر الثاني لشركة "أمازون" (amazon) في فرجينيا سيضم مسرحا للحفلات في الهواء الطلق، وفي لندن اقتربت نهاية أشغال مبنى "بيشوبسغيت 22″، الذي سيسمح باصطحاب الحيوانات الأليفة من خلال إصدار تصاريح دخول للكلاب والقطط.

وأشارت المجلة إلى أن الشركات تحاول إغراء الموظفين للعودة إلى المكاتب، في وقت يراهن فيه المطورون والمستثمرون على إنشاء مبان خضراء تتضمن مرافق ووسائل للراحة أكثر من ذي قبل، ولكن لا يزال هناك غموض كبير يخيم على المشهد، فهل سيعود عدد كبير من الناس إلى العمل كما في السابق؟

حتى مع التقدم الكبير في توزيع اللقاح، تبدو عودة الموظفين إلى مكاتبهم بطيئة جدا، وفي بداية مايو/ أيار الماضي حقق واحد من كل 20 مبنى طاقة استعياب تتجاوز 10%، في حين بلغت هذه النسبة الثلث في أوروبا وأفريقيا، وقرابة النصف في آسيا.

وفي ظل تعثر العودة للحياة الطبيعية ومكاتب العمل، تبدو الخسائر الناجمة عن الأزمة وعن إخلاء المكاتب طيلة الفترة الماضية مثيرة للقلق.

وقد رفع فيروس كورونا من وتيرة الطلب على المباني الجديدة التي تحتوي على وسائل راحة أكثر من غيرها. وفي أنحاء مدينة نيويورك، باتت أكثر من نصف الأبراج تحتوي على مكاتب عالية الجودة من الصنف الأول، والتي لم تكن نسبتها تتجاوز 38% قبل تفشي الوباء.

كما أن هناك توجها عاما نحو مساحات العمل الصديقة للبيئة، حيث باتت الكفاءة في استعمال الطاقة وأنظمة تنقية الهواء من الأشياء الضرورية، وقد تعهدت الكثير من الشركات بخفض الانبعاثات الملوثة للبيئة في أماكن العمل إلى الصفر بحلول العام 2050، والعدد في زيادة متواصلة.

ثلث الشركات بدول الخليج تخطط للعمل من المنزل لمكافحة تهديد فيروس كورونا
أصحاب الأعمال بدؤوا يبحثون عن أفكار جذابة لإعادة الموظفين إلى المكاتب (غيتي)

مصير المباني القديمة

ولكن حسب تقرير إيكونوميست، فإن هذه التغييرات تطرح العديد من الأسئلة بشأن مستقبل العقارات المخصصة للشركات، إذ إن هذا التحول نحو الجودة العالية يؤثر على معدلات الطلب على المباني القديمة والتقليدية، خاصة وأن العمل عن بعد خفّض من الإقبال على المساحات المكتبية.

وفي الواقع، هناك تهديد كبير بأن تصبح المباني القديمة مجرد أصول مالية متروكة ودون أي قيمة، هذا الأمر يبدو مثيرا للقلق، خاصة وأن ثلثي العقارات التجارية في لندن بنيت قبل أكثر من 20 عاما.

وقد أعلنت شركة "إس إل غرين" (SL Green) المتخصصة في تأجير المكاتب في مانهاتن، أن أسعار الإيجارات بالنسبة للعقارات القديمة انخفضت بنسبة 10%، وهناك مخاوف من أن تعجز الشركات المالكة لهذه المكاتب عن إيجاد زبائن في المستقبل، إذا لم تسارع إلى خفض أسعار الإيجارات، أو تحسين التهوية، أو توفير فضاءات مفتوحة وإضاءة طبيعية.

وقد شرعت العديد من الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا في إجراء تغييرات جذرية على المباني القديمة، على غرار تحويل الأسطح إلى حدائق، وتزيين الأسقف بالزجاج، وتحويل العقارات التجارية والمكتبية إلى شقق سكنية.

ولكن حسب المجلة، كل هذه الحلول لن تخفي حقيقة أن فكرة العمل عن بعد، التي راجت خلال أزمة فيروس كورونا، تعني أن الطلب على المكاتب سوف يواصل تراجعه. وقد شرعت عديد الشركات في التفكير في احتياجاتها من حيث المساحة، وقرر الكثير منها خفض مساحة العقارات التي تستأجرها أو التخلي عن مخططات تأجير مقرات إضافية.

وتشير تقارير شركة "كوشمان آند ويكفيلد" (Cushman & Wakefield) للعقارات إلى أن مساحة المكاتب التي أصبحت خالية بعد فيروس كورونا تفوق المساحة التي أخليت في أزمة 2007-2009 المالية بنسبة 18%.

وتبدو تقديرات الخبراء في الوقت الحالي متشائمة بشأن المستقبل، إذ إن واحدا من كل 5 مكاتب في الولايات المتحدة سيكون خاليا بحلول العام 2022، وذلك حسب تحليلات وكالة "موديز" (Moody’s)، كما أن أسعار الإيجارات سوف تنخفض بنسبة 7.5% خلال العام الحالي.

مخاوف البنوك

كل هذه المؤشرات جعلت البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة في حالة استنفار، حيث إن الاعتماد على العقارات التجارية من أجل تمويل القروض بات يبدو الآن أمرا غير مربح، وهو ما قد تكون له تبعات وخيمة جدا على النظام المالي بأكمله.

تبدو البنوك معرضة لعديد المخاطر، فقطاع بعث العقارات التجارية في الولايات المتحدة -على سبيل المثال- اقترض أكثر من 2 تريليون دولار من البنوك، وهذا يمثل حوالي خُمس القروض التي تمنحها البنوك.

كما أن البنك المركزي الأوروبي في آخر تقرير له حول الاستقرار المالي، حذر من أن عودة النشاط بشكل متعثر في هذا القطاع قد تخفي مشكلة أكبر، وأن هناك مخاطر على الاستقرار المالي قد يسببها مجال العقارات، خاصة وأن العديد من الشركات خلال السنوات الأخيرة وجهت كل استثماراتها نحو تشييد العقارات التجارية.

المصدر : إيكونوميست

إعلان