بعد النجاح السريع.. صناع المحتوى الصاعدون يصلون لنقطة الانهيار
مؤخرًا، كان من الصعب على جاك إنانين، نجم "تيك توك" (TikTok) المقيم في تورونتو الكندية البالغ 22 عامًا، صنع محتوى جديد. وقال "كأنني أحاول الارتواء من برميل فارغ منذ عام!".
إن قضاء ساعات في التصوير والتحرير ورسم القصص المصورة والتفاعل مع المعجبين وإقامة صفقات مع العلامات التجارية والموازنة بين المسؤوليات العديدة الأخرى التي تأتي مع كونه صانع محتوى ناجحًا، قد أثرت عليه بشكل سلبي. إن إنانين قد أُنهك تمامًا، مثله في ذلك مثل العديد من المؤثرين من "جيل زد" (Gen Z) المولودين بين 1997 و2015، والذين عرفوا الشهرة خلال العام الماضي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكلوب هاوس يفتح المجال للمؤثرين
عامل نظافة ليوم واحد.. تجربة شباب مغاربة ورسالة قوية للمجتمع
الخميس.. صانع محتوى كويتي ينقل خبرته عبر التواصل الاجتماعي
لقد قال "أصل إلى النقطة التي أقول عندها، عليّ أن أصنع فيديو اليوم، ثم أقضي اليوم بأكمله متهيبا من العملية".
وهو ليس الوحيد في ذلك! فقد قال أحد صانعي المحتوى على تيك توك والمعروف باسم شا كرو في مقطع فيديو من فبراير/شباط الماضي، "كان هذا التطبيق ممتعًا للغاية، والآن أصبح صانع المحتوى المفضل بالنسبة لك (يعني نفسه) مكتئبًا. واستمر في حديثه ليشرح كيف يعاني أصدقاؤه من ضغوط الحياة العامة ومشاكل الصحة العقلية.
وانتشر هذا الفيديو على نطاق واسع، ووجدت مشاعره صدى لدى العشرات من المبدعين في التعليقات. وعلق واحد لديه 1.7 مليون متابع، "قل ذلك بصوت أعلى يا أخي!"، وعلق صانع محتوى آخر لديه ما يقرب من 5 ملايين متابع قائلًا، "نفس الحالة النفسية".
وبينما يتعامل الناس بشكل جماعي مع الدمار الذي سببه الوباء، أصاب الإرهاق كل ركن من أركان القوة العاملة تقريبًا، إذ يتخلى موظفو المكاتب عن وظائفهم بشكل عشوائي، والآباء على حافة الانهيار، ويعمل الموظفون العاملون بالساعة أو في الخدمات فوق طاقتهم، ويضطر اختصاصيو الرعاية الصحية على التعامل مع الإرهاق والصدمة الناجمة عن وجودهم في الخطوط الأمامية للوباء.
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن شركة "سيغنال فاير" (SignalFire)، فإن أكثر من 50 مليون شخص يعتبرون أنفسهم من صناع المحتوى المبدعين (أو المؤثرين)، والصناعة أصبحت الأكثر نموًا في قطاع الأعمال الصغيرة، ويرجع الفضل جزئيًا في ذلك إلى العام الذي هاجرت فيه الحياة إلى الشبكة، ووجد العديدون أنفسهم عالقين في المنزل أو بلا عمل. وطوال عام 2020، صكّت وسائل التواصل الاجتماعي جيلًا جديدًا من النجوم الشباب.
ومع ذلك، فالآن، يقول الكثير منهم إنهم وصلوا إلى نقطة الانهيار. ففي شهر مارس/آذار الماضي، قالت تشارلي داميليو، أكبر نجوم تيك توك التي يتابعها أكثر من 117 مليون شخص، إنها "فقدت شغفها" بنشر المحتوى. وفي الشهر الماضي، أعلن نجم تيك توك سبينسواه، البالغ من العمر 19 عامًا، ولديه ما يقرب من 10 ملايين متابع، أنه سيقلل من ظهوره على المنصة بعد خلاف مع محبي فرقة الموسيقى الكورية الجنوبية "بي تي إس" (BTS).
ظهرت منصات مثل سبستاك (Substack) وأونلي فانز (OnlyFans) لبيع حلم ريادة الأعمال والاستقلال لعدد أكبر من الناس الذين من بينهم أولئك الذين فقدوا الثقة في القطاعات التقليدية من الاقتصاد.
وقال ديفرون هاريس، البالغ 20 عامًا، وهو صانع محتوى على تيك توك في مدينة تامبا بولاية فلوريدا، "لا ينشر الآن العديد من مستخدمي التيك توك الأكبر سنًا الكثير، والعديد من صناع المحتوى الأصغر سنًا تراجعوا بالفعل. إنهم توقفوا فحسب عن صناعة المحتوى. وعندما يحاول صانعو المحتوى التحدث علنًا عن تعرضهم للتنمر أو الإرهاق أو عدم التعامل مع كل منهم كإنسان، فكل التعليقات تقول "أنت مؤثر، تجاوز الأمر!".
ما طار طير وارتفع..
لقد أثر الإنهاك على أجيال من صانعي المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، ففي عام 2017، بدأ المؤثرون على "إنستغرام" (Instagram) في مغادرة المنصة، قائلين إنهم يشعرون بالاكتئاب والإحباط. لقد كتب أحد المشاركين في مدونة تسمى "هذا رائع" (This Is Glamorous) في ذلك الوقت "لا يبدو أن أحدًا يشعر بالمتعة بعد الآن على إنستغرام".
في 2018، ردد هذه المشاعر نفسها جوش أوستروفسكي، صانع المحتوى على إنستغرام المعروف باسم "اليهودي السمين" (The Fat Jew)، وهو الذي تحدث سابقًا عن الإنهاك، قائلًا: "في النهاية ستكون هناك أعداد زائدة من المؤثرين، سيكون السوق متشبعًا للغاية".
وفي العام نفسه، بدأ العديد من صناع المحتوى المعتبرين على "يوتيوب" (YouTube) بالابتعاد عن المنصة، مشيرين إلى مشكلات تتعلق بالصحة العقلية. وتركزت انتقاداتهم على خوارزميات يوتيوب التي فضلت مقاطع الفيديو الطويلة وهؤلاء الذين ينشرون بشكل شبه يومي، وهي وتيرة شبه مستحيلة كما قال صناع المحتوى. ورد مديرو المنتجات والمديرون التنفيذيون في يوتيوب على مخاوف المبدعين ووعدوا بتقديم حل.
عندما بدأت مجموعة جديدة من النجوم الشباب في بناء قاعدة من الجمهور لهم على تيك توك في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، كان الكثيرون يأملون أن تكون هذه المرة مختلفة. لقد نشأ هؤلاء وهم يشاهدون مستخدمي يوتيوب يتحدثون بصراحة عن هذه القضايا. قالت كورتني نووكيدي، 23 عامًا، وهي نجمة يوتيوب في لوس أنجلوس "عندما يتعلق الأمر بمبدعي الجيل زد، فإننا نتحدث بشكل كثير عن الصحة العقلية والعناية بنفسك".
وتابعت "لقد رأينا مجموعة من صانعي المحتوى يتحدثون عن الإنهاك في السابق"، ومع ذلك، لم يكونوا مستعدين للعمل المرهق المتمثل في بناء قاعدة من الجمهور والحفاظ عليها وتحقيق الدخل منه أثناء انتشار الوباء.
قال خوسيه داماس، وهو صانع محتوى على تيك توك من لوس أنجلوس ويبلغ 22 عامًا، "الأمر مرهق! تشعر وكأنه لا توجد ساعات كافية في اليوم".
وبفضل صفحة "من أجلك" التي تم إنشاؤها عن طريق الخوارزميات في التطبيق، يقدم تيك توك الشهرة أسرع من أي منصة أخرى، فمن الممكن حشد ملايين المتابعين في غضون أسابيع. ولكن يمكن للمبدعين أن يسقطوا بنفس سرعة صعودهم.
ويمكن أن يكون هذا النوع من التذبذب مقلقًا، فقد قال لويس كابيتشي، صانع محتوى تيك توك البالغ من العمر 23 عامًا في لوس أنجلوس "عندما تتراجع مشاهداتك، يؤثر ذلك على استقرارك المالي ويعرض حياتك المهنية للخطر. الأمر يشبه تخفيض رتبتك في وظيفتك من دون سابق إنذار".
لقد واجه صناع المحتوى جميع أنواع المشكلات، بما في ذلك التنمر والمضايقة والتمييز. قال هاريس "تتم سرقة محتوى بعض المبدعين أيضًا، وبعدها سينتشر شخص آخر بفضل محتواهم ويحصل على كل الإعلام والشهرة". ناهيك عن أن مجتمعات المعجبين والمعلقين عبر الشبكة يمكن أن تكون متطاولة، وقال هاريس "لا يمكنك أن تصور فقط ما تريد تصويره، سيسخرون منك إذا انخفضت أعداد مشاهداتك".
وقال زاك جيلكس البالغ من العمر 21 عامًا من لوس أنجلوس "أنا قلق بشأن طول مدة وجودي على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الناس يرمون صانع المحتوى لأنهم سئموا منه".
التالي.. التالي.. التالي
لم يستفد أحد من طفرة صناع المحتوى أكثر من صناعة التكنولوجيا. فبعد أكثر من عقد من ازدراء المؤثرين إلى حد كبير، في العام الماضي، قام المستثمرون البارزون بتغيير كامل. حيث يقوم أصحاب رؤوس أموال المخاطرة في وادي السيليكون الآن بضخ الأموال في الشركات الناشئة التي تركز على المبدعين، وبدأت المنصات نفسها في التنافس على المواهب.
قال إينانين "يبدو هذا التشبع المفرط، وعملية دفع كل الناس ليصبحوا منتجي محتوى، أمرا خادعًا". وتابع "يبدو الأمر وكأنه انتزاع للنقود. الأمر يجعلني أشعر بأنه يمكن التخلص مني بسهولة، وربما أنا كذلك بالفعل. الوضع أصبح فحسب هو البحث عن: التالي.. التالي.. التالي".
هذا، ويعمل صناع المحتوى أيضًا دون أي نوع من الحماية أو المزايا التقليدية للتوظيف التي تأتي مع العديد من الوظائف ذات الرواتب. وقد دعا بعض القادة في اقتصاد صناع المحتوى، مثل لي جين، الذي تستثمر شركته في هذه الصناعة، إلى إيجاد مسارات جلب أموال أكثر استدامة لصناع المحتوى من جميع الأحجام. لكن معظمهم يُتركون لتدبر أمورهم بأنفسهم أو يخاطرون باتفاقيات إدارة أعمال قد تكون استغلالية.
قال إينانين "أنت تعمل لحسابك الخاص تمامًا، وليس الأمر كما لو أنه يمكنك الاستمرار بالقيام بنفس العمل، عليك أن تتطور وتتأقلم". وأضاف "أشعر أنني يمكن أن تجرفني الخوارزمية في أي لحظة".
وقال جيك براون، 30 عامًا، وهو مؤسس "غو هاوس" (Go House)، وهي دار لإدارة المحتوى في لوس أنجلوس "هناك جانب مظلم في الأمر، فهناك كل هؤلاء المستثمرين والمنصات، وهم بحاجة إلى صناع محتوى لإنشاء محتوى على نطاق واسع. إنه تفكير يشبه: دعنا نجعل الجميع يفعلون ذلك، ولن نهتم بهم. العشرة بالمائة الأفضل هم من سيصنعون لنا الأموال".
وقريبًا سيكون هذا النوع من الضغط مألوفًا لدى المزيد من الأشخاص الذين سيتجهون لتجنب الأعمال ذات الأجور المنخفضة أو الأعمال غير الموثوقة للسعي وراء مهن في اقتصاد صناع المحتوى. ان منصات مثل "سبستاك" (Substack) و"أونلي فانز" (OnlyFans) ظهرت لبيع حلم ريادة الأعمال والاستقلال لعدد أكبر من الناس الذين من بينهم من فقدوا الكثير من الثقة في القطاعات التقليدية من الاقتصاد.
وريبيكا جينينغز كتبت مؤخرا في موقع "فوكس" (Vox) إن "صناعة المؤثرين هي، ببساطة، نقطة النهاية للفردانية الأميركية، الأمر الذي يتركنا جميعا نتنافس على الهوية والاهتمام ولكن لا نحصل على ما يكفي".
يقوم أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة في وادي السيليكون الآن بضخ الأموال في الشركات الناشئة التي تركز على المبدعين، وبدأت المنصات نفسها في التنافس على المواهب.
هذا، وليس من المحتمل أن يتغير ذلك قريبًا، فقد قال جيلكس إنه يشعر "أن وسائل التواصل الاجتماعي صممت لإنهاك الناس".
وللتعود على الاكتئاب، سعى العديد من صناع محتوى التيك توك إلى العلاج أو التدريب الذاتي، أو حاولوا أن يكونوا أكثر انفتاحًا مع معجبيهم وأصدقائهم بشأن معاناتهم.
فقالت تاتيانا ميتشل، وهي صانعة محتوى على يوتيوب من لوس أنجلوس عمرها 22 عامًا "عندما أشعر بالاكتئاب، أتحدث إلى الأشخاص من حولي". وتابعت "أقوم بنشر منشورات وأشارك تلك الاقتباسات التي تشبه: لا بأس بأن تتحدث مع الناس إذا كنت بحاجة إلى المساعدة". وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قالت ميتشل إنها ستترك تيك توك، مشيرة إلى البيئة السامة والمضايقات التي تتعرض لها. ومع ذلك، لقد عادت بعد فترة وجيزة وقالت "لقد كنت حزينة فحسب".
وكتب متحدث باسم تيك توك في تصريح عبر البريد الإلكتروني "نحن نهتم بشدة برفاهية صناع المحتوى، ونأخذ مخاوفهم على محمل الجد". وتابع "نحن نركز على فهم أهداف وخبرات المحتوى الفردي الخاص بهم، وتستمر فرقنا في العمل لتوفير الموارد والدعم والباب المفتوح للتعليقات".
ولكن حتى المنصات الأكثر مساعدة لا يمكنها التخفيف من حالة عدم الاستقرار المتأصلة في وظيفة صانع المحتوى، أو الضغط الذي يمارسه العديد من صناع المحتوى على أنفسهم. قال المتحدث "أشعر أنني شخصيا أفشل، وقد لا أتعافى أبدًا إذا فشل مقطع فيديو".
© مؤسسة نيويورك تايمز 2021
نقلتها للعربية صفحة ريادة-الجزيرة نت