ماذا يجري لـ"جهينة"؟.. أكبر شركة ألبان مصرية تواجه حصارا حكوميا بعد اعتقال رئيسها

صور منتجات الشركة في الأسواق المصرية
شركة جهينة تأسست عام 1983 وتمتلك خبرات واسعة وحصدت جوائز تقديرية بعضها في عهد السيسي (الجزيرة)

في إجراء غير مسبوق ضد شركة جهينة للصناعات الغذائية، بعد شهور من القبض على رئيس مجلس إداراتها، صفوان ثابت، ونجله سيف الرئيس التنفيذي للشركة بعدة تهم منها "تمويل الإرهاب"، وتم سحب رخص عشرات الشاحنات التابعة لأسطولها الضخم، وفق شكاوى رسمية تقدمت بها الشركة.

وعقب هذا الإجراء هبط سهم الشركة المقيدة في البورصة المصرية 4.55% عند 5.25 جنيهات، ليواصل مسلسل التراجع من أعلى قيمة له في يوليو/تموز الماضي عندما سجل نحو 8.24 جنيهات، مسجلا نسبة تراجع بلغت أكثر من 35%.

وصفت جهينة، أكبر منتج للألبان والعصائر المعلبة في مصر، في شكواها الإجراءات بأنها "غير مفهومة وغير مبررة"، طبقا لتقرير نشرته وكالة "رويترز" (Reuters)، الاثنين، وأرسلت منها نسخا إلى وزارتي التجارة والصناعة، والتموين والتجارة الداخلية، وإلى غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، وإلى المحامي العام لنيابات منطقة السادس من أكتوبر.

وتضمنت الشكاوى قيام إدارة المرور ومباحث مرور الجيزة بالتمركز بشكل شبه مستمر عند مصانع الشركة وأرصفة تحميل المنتجات بالمصانع والفروع، وسحب رخص 94 سيارة بيع، و12 سيارة نقل ثقيل، بالإضافة إلى 26 سيارة نقل ثقيل تابعة لمقاولي النقل؛ مما أدى لامتناع بعضهم عن التعامل مع الشركة، وفق الوكالة.

وحذرت الشركة من أن هذه الإجراءات سوف تحد من قدراتها على النقل والتوزيع، وإلحاق خسائر بها؛ بسبب تراجع منتجات الشركة من الألبان في الأسواق، علاوة على الإضرار بالشركة ومصانعها وفروعها والعاملين بها البالغ عددهم نحو 4500 عامل بشكل مباشر، ونحو 25 ألفا من العمالة غير المباشرة".

هل هي إزاحة لصالح الجيش

وتتزامن الإجراءات المتخذة بحق الشركة مع اهتمام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، شخصيا بمشروع قومي خاص بإنشاء وتطوير مئات مراكز تجميع الألبان على مستوى الجمهورية، تحت إشراف جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ووزارتي الإنتاج الحربي والزراعة.

واعتبر رجل الأعمال المصري الأميركي محمد رزق، الذي تعد صناعة الألبان المجففة إحدى مجالات استثماراته، أن هذا التزامن بين اهتمام الدولة بصناعة الألبان وبين ما يجري لشركة جهينة يشير إلى أن الغرض من هذه الخطوات قد يكون إزاحة هذه الشركة من الوجود، أو على الأقل تحجيم قدرتها على المنافسة في السوق، لحساب مصانع الجيش المصري.

وحذر من أن ما حدث مع جهينة سيؤثر بالسلب على الاستثمار الأجنبي والمحلي في مصر، ويقدم رسالة سلبية بكل المقاييس للداخل والخارج.

لكن الرئاسة المصرية تقول إن الهدف من "المشروع" هو "الإسراع في إقامة تلك المنظومة بأكبر عدد ممكن من مراكز التجميع، وبالاستعانة بأرقى الخبرات المتخصصة في هذا المجال، بما يساهم في تكوين منظومة متكاملة تعظم من إنتاج الألبان كما ونوعا، وتتيح إقامة الصناعات الغذائية ذات الصلة".

وحذر مراقبون ورجال أعمال مصريون من أن انتقال مسلسل التضييق على مؤسس الشركة ونجله إلى الشركة ذاتها، التي تعد واحدة من أنجح الشركات المصرية الرائدة في مجال الصناعات الغذائية، يهدد قدراتها في النمو ويضعفها، وربما يقضي عليها، بناء على طبيعة الإجراءات الأخرى التي قد تتخذها السلطات المصرية ضدها لاحقا.

وأكدوا للجزيرة نت أن من شأن إضعاف الشركة، أن يفسح المجال لمنافس محتمل يسعى للحصول على حصة الشركة أو تقليصها لحسابه؛ لكن من هو هذا المنافس المحتمل، الذي يمتلك القدرة على المنافسة، وعلى سحب البساط من تحت أقدام الشركة، وتوجيه ضربات مستمرة لها من خلال اتخاذ إجراءات "تعسفية" حتى تسقط (سوى الدولة)؟.

حقائق وأرقام

تمتلك شركة جهينة، التي تأسست عام 1983 نحو 5 آلاف رأس من الأبقار الحلوب، و38 مركز توزيع رئيس، و136 ألف منفذ بيع، و900 شاحنة، و4 آلاف موظف، و200 منتج و4 مصانع، و51% من شركة "أرجو" بالشراكة مع شركة "أرلا فودز" الأوروبية المتخصصة في صناعة الألبان والأجبان، وحصدت الشركة الكثير من الجوائز بعضها في عهد الرئيس المصري الحالي، طبقا لموقع الشركة.

وتبرعت الشركة منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم عدة مرات لدعم أنشطة الحكومة، وكانت المرة الأولى حين تبرعت بـ50 مليون جنيه لصندوق "تحيا مصر" في عام 2014، عندما دُعي رئيسها صفوان ثابت إلى المشاركة في الاجتماع الذي عقده الرئيس المصري مع رجال الأعمال، وتم تكريمه لاحقا ضمن أفضل 100 شركة مصرية.

مسلسل أزمات

وينتمي ثابت إلى عائلة إخوانية، حيث كان جده المباشر لأمه هو المرشد الأسبق للجماعة مأمون الهضيبي، وجده الأعلى هو المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، لكنه نفى مرارا انتماءه للجماعة.

وبدأت أزمات الشركة في أغسطس/آب 2015 عندما قررت لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين التحفظ على أموال ثابت الشخصية السائلة والمنقولة والعقارية بتهمة تمويل أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما نفاه محاموه.

أعقب ذلك التحفظ على 7.2% من أسهم جهينة التي يمتلكها ثابت، بطريقة غير مباشرة، في فبراير/شباط 2016، ثم إدراجه على قائمة الإرهابيين في يناير/كانون الثاني 2017 لمدة 3 سنوات بحكم قضائي من محكمة الجنايات بتهمة تمويل الجماعات الإرهابية واحتكار الشركات والمؤسسات للبضائع بهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني.

وفي العام الماضي، قررت نيابة أمن الدولة العليا، حبس ثابت احتياطيا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 865 لسنة 2020، موجهة له اتهامات بـ"تمويل الإرهاب، والمشاركة بجماعة أسست على خلاف القانون"، ثم انضم إليه بعد شهرين فقط، الرئيس التنفيذي للشركة سيف ثابت (نجل صفوان الأكبر).

وتقول السلطات المصرية إن إجراءاتها ضد صفوان ثابت تستهدف "نشاطه في تمويل الإرهاب"، حيث أكد الرئيس السابق للجنة حصر أموال الإخوان، المستشار عزت خميس، والذي أصدر قرارا بالتحفظ على أموال وممتلكات صفوان ثابت في 2015، في تصريحات صحفية عقب القبض عليه إن "ثابت" كان يمول أنشطة جماعة الإخوان الإرهابية، ويقدم الدعم المالي للجناح المسلح للجماعة، والتحريات أثبتت دوره.

ونقل موقع "مدى مصر" في تقرير تحت عنوان (لم يعد عند "جهينة" الخبر اليقين)، قبل أيام، عن مصدر مطلع على تطورات القضية، قوله بعد القبض على صفوان ثابت، أصبح المطلوب منه ومن أبنائه هو التنازل عن أصول شركة "فرعون" للاستثمارات المحدودة التي تمتلكها الأسرة، وأن الوضع يتجاوز دفع مبلغ من المال. "الأصول هي المطلوبة وليست الأموال".

المصدر : الجزيرة