رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك والمصريين: المصالحة بين القاهرة وأنقرة تنعكس على التبادل التجاري والاستثمارات

300 شركة تركية تعمل في مصر باستثمارات تزيد على ملياري دولار

مصر وتركيا تترقبان نتائج اجتماعات دبلوماسية ثنائية تشهدها القاهرة خلال أيام بعد المؤشرات القوية بعودة العلاقات (غيتي إيمجيز)

أبدى أتيلا أتاسون رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك والمصريين (تومياد) ترحيبه بمساعي وجهود التهدئة بين القاهرة وأنقرة، مشيرا إلى أن المصالحة الجدية ستفتح آفاقا جديدة لإيجاد تكتل اقتصادي ثنائي في مجالات الطاقة والتصنيع العسكري، إضافة إلى زيادة معدل التبادل التجاري البيني.

ورغم تأزم العلاقات بين مصر وتركيا على مدار 8 سنوات، فإن حركة التجارة البينية لم تتأثر بشكل كبير، حيث وصل حجم التبادل التجاري بينهما في آخر أرقامه إلى 5 مليارات و200 مليون دولار، وفق أتاسون.

وفي حوار للجزيرة نت، اعتبر رئيس "تومياد" حجم التبادل التجاري قليلا جدا، مشيرا إلى أن هناك مساعي لوصوله إلى 10 مليارات دولار على الأقل خلال سنتين.

وعن دور "تومياد" التي تأسست قبل 18 عاما، أكد أتاسون أن استثمارات الجمعية كبيرة جدا، مشيرا إلى أن الاستثمارات التركية، التي تتخطى 300 شركة عاملة في مصر، تزيد على ملياري دولار، في حين تزيد استثمارات مجموعة الأعضاء المصريين أضعافا مضاعفة، حيث تصل إلى 8 مليارات دولار تقريبا.

ويبلغ عدد أعضاء الجمعية الوقت الحالي 733 عضوا، 634 مصريا و99 تركيا، ويعمل معظمهم في مجالات الغزل والنسيج والاستيراد والتصدير والتعمير والإنشاء، وبعضهم يمارس أنشطة تجارية في مجالات متنوعة.

ولا يوجد إحصاء رسمي حول عدد الشركات المصرية العاملة في تركيا، غير أن الإعلام التركي ذكر أن البلاد شهدت عام 2019 تأسيس 260 شركة مصرية، برؤوس أموال تخطت مليون ليرة تركية.

ووفقا لأتاسون فإن "تومياد" كان لها دور مهم جدا في سنوات الأزمة السياسية مع مصر، وكلمات بناءة، ودعت إلى اتصال البلدين، بالإضافة إلى تنظيم رحلات لرجال الأعمال لتسهيل الاتصالات والعلاقات، كما توقع زيادة أهمية هذا الدور الأيام القادمة.

حالة إيجابية

شدد رئيس "تومياد" على أهمية مساعي تقريب وجهات النظر، مشيرا إلى أن الاتصالات بين البلدين -التي زادت وتيرتها مؤخرا- لم تكن وليدة اللحظة، وإنما كانت هناك نقاشات غير منقطعة ومستمرة ودائمة، وإن لم تكن تظهر للإعلام وقتها.

وردا على سؤال حول كيفية دفع التهدئة السياسية للعلاقات الاقتصادية والاستثمارات إلى الأمام بين البلدين، أوضح أتاسون أنه لم يكن هناك مانع قانوني، لكنها تأثيرات نفسية.

وأوضح أنه كلما كانت الحالة إيجابية بين البلدين ستزيد فرص الاستثمار وأعداد المستثمرين، داعيا القاهرة إلى تيسير منح الأتراك تأشيرة دخول على غرار ما تفعل أنقرة، بما يزيد بالضرورة من فرص الاستثمار المتبادلة.

وثمة مؤشرات قوية لتزايد التعاون والشراكات الاقتصادية الثنائية، وهي تتمحور -وفق أتاسون- في احتياجات البلدين، موضحا أن مصر لا تزال تحتاج الكثير من أعمال البنية التحتية، وصناعة المواد الاستهلاكية على أراضيها لزيادة الصادرات.

وعلى الجانب الآخر، شدد على أن لدى الشركات التركية ثقافة وقوة في التعامل مع هذه الأعمال والمشاركة فيها، مؤكدا أن هذه الشركات حين تحصل على فرصة الانفتاح بين البلدين ستزداد فرص النجاح الثنائي.

وعزا عدم تأثر العلاقات الاقتصادية بالأزمة السياسية إلى وجود مكتسبات بين الشعبين، وقواسم مشتركة على غرار الدين والقرابة والذوق العام واحتياجات السوق المصري الموجودة في تركيا، مشددًا على عمق العلاقات وقتها التي تتخطى قوة العلاقات الدولية.

ولكن أتاسون حذر من تداعيات الإغلاق ووضع العوائق أمام الاستثمارات المتبادلة، مما يدفع الناس في البلدين نحو البحث عن طرق بديلة للتعامل ولو كانت صعبة، بما يفرض عليهم تكاليف وأعباء إضافية وعلى المجتمع، داعيا حكومتي البلدين للتسهيل بين الشعوب.

أتيلا اتاسون في احتفالية في السفارة التركية بالقاهرة عام 2018 (موقع تومياد الالكتروني)
أتاسون: حجم التبادل التجاري بين أنقرة والقاهرة قليل جدا وهناك مساع لوصوله إلى 10 مليارات دولار على الأقل خلال سنتين (مواقع التواصل)

مجموعة الصداقة

وتطرق رئيس "تومياد" إلى موافقة البرلمان التركي، قبل أيام، على إنشاء مجموعة صداقة برلمانية مع مصر، قائلا إن مجموعة الصداقة كانت موجودة سابقا وتوقفت قبل أن يعاد تشغيلها وتفعيلها من جديد.

وأشار إلى أن مجلس الشعب دائما ما تكون فيه مجموعات صداقة مع دول أخرى.

وقبل الزيارة الدبلوماسية المرتقبة للقاهرة، أقر البرلمان التركي بالإجماع، الأربعاء الماضي، تشكيل اللجنة التي ألغيت عام 2013 مع بداية الأزمة السياسية بين البلدين.

وحول دور مجموعة الصداقة، أوضح أتاسون أنها ستشرف على القوانين والاتصالات والاتفاقيات، حتى تكون ورشة عمل بين الطرفين وتسهل متابعة الأعمال، ومنها تُصدر وتُعقد الاتفاقات والاتصالات جديدة، والأيام القادمة "سنشهد نتائج طيبة" لها.

المنطقة الصناعية

وبالنسبة لمصير مبادرة "هيا نصنع معا" التي أطلقت قبل 3 سنوات، والتي تزامن معها الحديث عن تدشين مدينة صناعية عالمية بمصر، أوضح أتاسون أنها لا تزال مستمرة وتلقى قبولا من الشركات التركية، مشيرا إلى أن أية شركة تتواصل مع "تومياد" يتم مساعدتها ومنحها جميع المعلومات اللازمة بالنسبة للاستثمار في مصر.

وعن المنطقة الصناعية، أوضح أنها مشروع لا يزال طلب تدشينه قائما، مضيفا "في حال منحنا فرصة التدشين سنعمل بقوة، وسنزيد الطاقة الإنتاجية المصرية، وسندخل عملة صعبة، وسندشن حاضنات صناعية من الشركات المتوسطة تجعلها ذات قوة وإمكانيات، بما يعود بقوة على الدخل والصناعة المصرية وجودتها عالميا".

وعام 2017، كشفت "تومياد" على هامش مؤتمر "هيا نصنع معا" -الذي نظمته بمدينة إسطنبول- عن دراسة لإنشاء منطقة صناعية عالمية، من المأمول إقامتها بإحدى المدن الصناعية شرق القاهرة، وبتكلفة استثمارية قدرها 3 مليارات دولار.

التجارة الحرة

وحول دلالات استمرار اتفاقية التجارة الحرة، رغم العلاقات المتأزمة السنوات الماضية، قال أتاسون إن الاتفاقيات من هذا النوع تجرى للمصلحة (العامة) التي كانت تحكم فتح التجارة، وحتى أثناء الخلاف كانت المصلحة باقية والدولتان تفهمان قيمتها.

وأضاف "اتفاقيات التجارة الحرة تأخذ وقتًا للتنفيذ لوجود طريقة مثلى للاتفاق، ولا يتم خسارتها بأي ثمن، وإن شاء الله ستزيد الاتفاقات البينية بين البلدين" مرحبًا بالدور المصري الكبير بالاتفاقيات الدولية.

واتفاقية التجارة الحرة ظلت بعيدة عن التوترات السياسية، إذ تجاهل البرلمان المصري مطلع 2020 طلبا بإلغاء الاتفاقية الموقعة مع تركيا عام 2005، وتنص بنودها على أن تسري لمدة غير محددة، وعلى أحد الطرفين إبلاغ الآخر قبل 6 أشهر من اتخاذ قرار إنهائها، مما يشير إلى استمرار تفعيلها حتى الآن.

ملتقى رجال الأعمال المصريين الأتراك في مصر عام 2017 (صفحة تومياد فيسبوك)
ملتقى رجال الأعمال المشترك يضم الوقت الحالي 634 مصريا و99 تركيا (مواقع التواصل)

آفاق التعاون

وبحسب أتاسون، فإن الخامات والوقود والكيماويات تنشط في أرصدة الصادرات والواردات بين البلدين، مبديا تمنيه أن يزداد التصنيع في حجم التعاملات، حيث إنه يُشغل الأيدي العاملة في البلدين، بما يدر دخلاً وأموالاً على الشركات العاملة.

وعن عدد الشركات التركية في مصر، قال إنها أكثر من 300 حاليا، إضافة إلى شركات تركية أخرى عاملة هناك تنضوي تحت مسميات واستثمارات ألمانية وهولندية وأردنية وسعودية، مؤكدا سعادته بذلك أيضا.

أما عن المشاريع المشتركة الحالية وآفاق التعاون المستقبلي، فأكد أن معظم الاستثمارات الحالية تقوم على المواد الاستهلاكية من التكستايل (الغزل والنسيج) والمواد المنزلية والكيماويات وبعض قطع غيار الآلات وبعض المنتجات البلاستيكية والورقية وما شابه ذلك، مشيرا إلى أن معظمها يصدر إلى مصر ثم إلى الخارج، وبعضها يدخل السوق المصري.

إيجاد تكتل اقتصادي مرتبط بتسييل الغاز المصري، أو نقل الطاقة إلى أوروبا والعكس، مهم جدا، ومطروح ومن أهم الملفات بين البلدين.

تكتل اقتصادي

وتطرق رئيس "تومياد" إلى أهمية التقارب في الدفع نحو تكوين تكتل اقتصادي في مجالات الطاقة، ومنها أفكار تصدير الغاز لأوروبا عبر أنابيب تمر من ليبيا ومصر إلى تركيا على سبيل المثال، وتحقيق الطموحات المصرية في التحول لمنصة لتسييل وتصدير الغاز.

وفي هذا الصدد، شدد على أن إيجاد تكتل اقتصادي مرتبط بتسييل الغاز المصري، أو نقل الطاقة إلى أوروبا والعكس، مهم جدا، ومطروح ومن أهم الملفات بين البلدين.

وتطرق أتاسون أيضا إلى توجهات مستقبلية للتصنيع العسكري بين البلدين، في ضوء التقدم التركي بالمجالات التقنية خاصة استخدام وتشغيل الطائرات المسيرة والسفن الملاحية، وغيرها من الاقتصاد غير التقليدي.

وعن الأعمال العسكرية، أوضح أنه سبق أن تعاونت بلاده مع القوات البحرية المصرية لصناعة الفرقاطات واللنشات في مصر تحت إشراف أنقرة، وكذلك صناعة عربات نقل الجنود المصفحة وصيانة الدبابات وصيانة وترميم وتجديد بعض المعدات المصرية العسكرية، والطائرات المسيرة وغيرها.

وتابع أن مصر تريد أن تعمل مع تركيا في هذه الصناعات والمجالات، وبلاده لديها الاستعداد للتعاون، كما أن هناك اتصالات في هذا الشأن.

وأكد أنه لو زادت الاتصالات بهذا الملف، سيزداد التقارب ونسبة التعامل بين البلدين، كما ستزيد الحصة التركية من الصادرات، مما يعطي فرصا أكثر، إضافة إلى ضمان السلام بالمنطقة.

مؤشرات وأرقام

وفقا لمؤشرات وأرقام رسمية، اتسم التبادل التجاري بين أنقرة والقاهرة، خلال السنوات السبع الماضية، بوتيرة شبه ثابتة، وبين عامي 2014 و2020 بلغت صادرات تركيا لمصر 21.9 مليار دولار، في حين بلغت الواردات من مصر 12.1 مليارا عن المدة ذاتها.

وبالنظر إلى تلك الفترة، فإن صادرات تركيا إلى مصر سارت بمعدل 3 مليارات دولار سنويا، حسبما أفادت تقارير صحفية نقلا عن معهد الإحصاء التركي.

وخلال العام الماضي، سجلت تركيا المركز الخامس في قائمة أكبر أسواق الواردات المصرية، بقيمة بلغت 3.061 مليارات دولار (مقارنة بنحو 3.3 مليارات عام 2019) وفق الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية.

وجاءت ثالثة في قائمة أكبر أسواق الصادرات المصرية، بقيمة بلغت 1.614 مليار دولار، العام الماضي، مقارنة بـ 1.7 مليار نهاية 2019، وفق المصدر السابق.

المصدر : الجزيرة