وسط مخاوف من رفع الدعم.. تونس تواصل مفاوضاتها مع المانحين الدوليين

مثلت منظومة الدعم خيارا استراتيجيا تبنته تونس لعقود الجزيرة
مثلت منظومة الدعم خيارا إستراتيجيا تبنته تونس لعقود (الجزيرة)

تحبس الحكومة في تونس أنفاسها بانتظار ما ستفرزه مشاوراتها التي انطلقت منذ أسبوع مع صندوق النقد الدولي فيما يخص حزمة مساعدات على شكل برنامج إصلاحي تعول عليه للخروج من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.

ومنذ أيام، وصف محافظ البنك المركزي مروان العباسي -خلال جلسة عامة أمام البرلمان- الوضع الاقتصادي في البلاد بأنه "الأصعب على الإطلاق"، في وقت بلغ فيه العجز المالي نسبة 11.5%، ووصل الانكماش الاقتصادي إلى 8.8%.

ومن أهم النقاط -التي تشغل بال المواطن التونسي فيما يتعلق بمشاورات تونس مع المؤسسات الدولية المانحة وشروطها- الحديثُ عن توجه الحكومة لرفع الدعم عن المواد الأساسية وسط مخاوف من ارتفاع الأسعار.

وسبق أن نشرت وكالة "رويترز" وثيقة إصلاحات حكومية غير معلنة كان تقدم بها الوفد الحكومي المفاوض إلى المؤسسات المالية المانحة، وأثارت جدلا في تونس حول النقاط التي تضمنها، ولا سيما المتعلقة برفع الدعم عن المواد الأساسية.

فحوى خطة الإصلاح الاقتصادي

في تصريح للجزيرة نت أكد المستشار لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون الاقتصادية عبد السلام العباسي أن المشاورات التقنية مع صندوق النقد الدولي انطلقت فعليا منذ أسبوع.

وأشار -في السياق ذاته- إلى أن الوفد الحكومي -الذي زار واشنطن أخيرا- التقى ممثلين عن الصندوق الدولي والبنك الدولي والإدارة الأميركية، وعرض برنامج الإصلاحات الاقتصادية الحكومية.

وبخصوص فحوى خطة الإصلاح الاقتصادي -التي عرضتها الحكومة أمام الجهات المانحة- أشار العباسي إلى توزعها على 6 محاور كبرى:

  • تحرير الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال.
  • الإصلاح الجبائي.
  • إصلاح منظومة الدعم.
  • إصلاح المؤسسات العمومية.
  • إصلاح الوظيفة العمومية.
  • دفع الاستثمار.

ولفت إلى أن المرحلة القادمة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تتعلق بتقديم الانعكاسات المالية والاقتصادية للإجراءات التي تعتزم الحكومة تنفيذها ضمن خطتها الاقتصادية الإصلاحية، إضافة لضبط الجدول الزمني لتنفيذ كل محور من المحاور.

وضع مالي صعب

وشدد مستشار رئيس الحكومة على أنه -خلافا للأرقام المتداولة- لم تطلب الحكومة أي مبلغ رسمي -حتى اللحظة- من صندوق النقد الدولي لتنفيذ خطتها الاقتصادية، مشيرا إلى أن المحادثات ارتكزت على محاور خطة الإصلاح والإجراءات المصاحبة لها.

وقدر العباسي احتياجات الحكومة لتمويل الميزانية بنحو 18.5 مليار دينار (نحو 7 مليارات دولار) كقيمة إجمالية للاقتراض الخارجي.

وسبق أن قدرت الدوائر الحكومية بأن يتجاوز حجم الدين العمومي بنهاية 2021 نسبة 1005 من إجمالي الناتج المحلي الخام، أي ما يعادل 100 مليار دينار (37 مليار دولار) يتوزع بين 70% دين خارجي و30% دين داخلي.

وأقر العباسي بصعوبة الوضعية الاقتصادية والمالية التي تمر بها تونس، مشيرا إلى أنها نتاج لتراكمات سابقة.

وأكد أن بعض الحكومات المتعاقبة اشترت السلم الاجتماعي على حساب الوضعية الاقتصادية والتوازنات المالية عبر اتفاقيات اجتماعية غاب عنها أي برنامج إصلاحي مستقبلي.

ونفى بالمقابل ما يشاع حول عجز الحكومة عن تسديد أجور الموظفين، لكنه أقر بالتحديات المالية التي ستواجهها الدولة فيما يتعلق بتسديد ديونها الخارجية خلال الأشهر القادمة.

وبخصوص اعتزام الحكومة رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية؛ نفى العباسي الأمر، مؤكدا أن الحكومة لن ترفع الدعم، بل ستوجهه لمستحقيه من الطبقات الفقيرة والمتوسطة ضمن آلية ستحددها لاحقا على أساس دعم المداخيل لا الأسعار.

قلق من رفع الدعم

وتعد سياسية الدعم خيارا إستراتيجيا تبنته تونس منذ عقود عبر إنشاء "الصندوق العام للتعويض"، كما تم في أواخر الستينيات إرساء مخطط لدعم القدرة الشرائية للمواطنين لا سيما ما يتعلق بالمواد الأساسية، بهدف التخفيف من وطأة تقلبات الأسعار العالمية واحتواء نسب التضخم.

ويخشى لطفي الرياحي -رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (منظمة رقابية غير حكومية)- من الانعكاسات المباشرة لتوجه الحكومة نحو رفع الدعم على أسعار المواد الأساسية للمواطن كالخبز والزيت والسكر وغيرها من المواد الغذائية الحيوية.

وشدد -في حديثه للجزيرة نت- على أن منظومة الدعم والاقتصاد الاجتماعي التضامني ساهم لعقود في تحقيق نوع من العدالة والاستقرار الاجتماعي وتماسك الطبقة الوسطى التي تمثل اليوم نحو 40% من تركيبة المجتمع التونسي، والمهددة -حسب قوله- بالتآكل والانزلاق نحو الفقر.

وأشار -بالمقابل- إلى أن نحو 80% من منظومة الدعم -خصوصا في المواد الغذائية والطاقية- لم توجَّه لمستحقيها بسبب غياب سياسات حكومية رقابية ناجعة، وهو ما جعل فئات أخرى ميسورة وصناعيين وحتى أجانب تَستغل -دون وجه حق- آلية الدعم.

وتساءل الرياحي عن طبيعة الآليات التي ستعتمد عليها الحكومة لتطبيق منظومة الدعم وتوجيهه لمستحقيه، مؤكدا أن أسعار المواد الغذائية والطاقية ستشهد خلال أشهر ارتفاعا قياسيا من شأنه أن يهدد المقدرة الشرائية للمواطن الفقير والمتوسط ويخلق اضطرابات اجتماعية.

المصدر : الجزيرة