الصين تطلق اليوان الرقمي خلال عام.. هل تسعى بكين للإطاحة بالدولار؟
في إطار السباق لرقمنة العملات الكبرى، قد تتمكن الصين من ضمان النفوذ الأعظم في الاقتصاد العالمي، بفضل استخدام اليوان الرقمي.
ويقول الكاتب كاري كوبلر موت في هذا التقرير، الذي نشرته مجلة "ذا ناشونال إنترست" (The National Interest) الأميركية، إن الصين تخطط لتقديم عملة اليوان الرقمي للعالم في شباط/فبراير المقبل، خلال الألعاب الأولمبية الشتوية. وهذا يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة من جهتها ستطلق الدولار الرقمي عند احتضان الألعاب الأولمبية الصيفية في لوس أنجلوس 2028.
ويوضح الكاتب أن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين سعى منذ وقت طويل لتحقيق نفوذ مالي، من خلال تدويل استخدام اليوان. وبعبارات أخرى تسعى الصين للاقتراض من الأجانب بنسب فائدة منخفضة، وتقييد المعروض من اليوان لمعاقبة خصومها، واستغلال الميزة المهمة المتمثلة في امتلاك عملة الاحتياطي النقدي العالمي، وهي ميزة تنفرد بها لحد الآن الولايات المتحدة.
وتظهر أبحاث قام بها صندوق النقد الدولي أن كتلة اليوان تمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، لتكون الثانية بعد كتلة الدولار التي تمثل 40%، وهناك الكثير من التوقعات والتحليلات حول توجه اليوان الرقمي نحو الإطاحة بالدولار.
ويستدرك الكاتب بقوله إن الدولار ما يزال يمثل قرابة 60% من احتياطات النقد الأجنبي، وحوالي نصف المعاملات التجارية، و90% من تحويلات النقد الأجنبي، وإذا تم الاستغناء عنه، فإن ذلك سينتج عنه تبعات كبيرة تتطلب عقودا من الزمن لتجاوزها.
إضافة إلى ذلك، فإن السياسة الخارجية العدائية للصين، والسيطرة الفوقية على الاقتصاد، تجعل من المستبعد أن يحل اليوان محل الدولار.
ورغم ذلك، فإن الصين فتحت أسواق السندات أمام المستثمرين الأجانب، ويمكنها أن تشجع الطلب الطبيعي على اليوان من خلال تخفيف السيطرة الحكومية؛ إلا أن بعض التصرفات مثل السيطرة على هونغ كونغ، والتحكم في نمو أكبر شركاتها التكنولوجية، تنذر بأن الصين ستعتمد سياسة متصلبة في الاعتماد القسري على اليوان، حتى يحافظ الحزب الحاكم على سيطرته على السوق.
في المقابل، يشير الكاتب إلى أن السياسيين الأميركيين مقتنعون بحتمية استمرار الدولار بتأدية دوره كعملة احتياط نقدي مهيمنة في العالم، ولذلك فإنهم لم يقتنعوا بأن رقمنة العملة الصينية سوف تغير التوازنات، وتمنح بكين نفوذا أكبر في آسيا.
وينبه الكاتب إلى أن الصين لا تحتاج في الوقت الحالي لمكانة بلد الاحتياطي النقدي العالمي من أجل تحقيق فوائد من زيادة الاحتياطي في منطقتها. فهي ستحصل على الكثير من المزايا الجيوسياسية والاقتصادية، وتفرض سيطرة أكبر على جيرانها، وتعزز حضور شركاتها في هذه الأسواق، وبالتالي تضر بالمصالح الأميركية بمجرد توسيع نطاق اعتماد اليوان الرقمي داخل كتلة اليوان الحالية.
ويقول الكاتب إن الرقمنة تحمل فوائد كبيرة لأي عملة، حيث إنها تسمح بطرق دفع أكثر فاعلية، والمزيد من الاندماج المالي، وتسهيل إجراءات تحفيز التمويل إلى جانب تحسين السياسة النقدية داخل الكتلة التي تعتمد تلك العملة. وإضافة إلى كل هذه المزايا ترى الصين في اليوان الرقمي فرصة للهروب من الرقابة الأميركية.
حيث ستتمكن من الاستغناء عن نظام التحويلات المالية العالمي "سويفت" (SWIFT) المعتمد حاليا بين البنوك، وتعوضه بنظام آخر هو "سي آي بي إس" (CIPS). وبهذا الشكل فإن مشروع الحزام والطريق في جانبه الرقمي سوف يربط بين الصرافات الآلية والخدمات البنكية في مختلف دول كتلة اليوان، ويسهل الاعتماد على هذه العملة بشكل طوعي أو إجباري، أو أيضا بشكل غير مباشر من خلال خلق شبكات مغلقة تمنع استخدام نظام تحويلات آخر غير الصيني.
السياسة المالية كقوة إقليمية
يشير الكاتب إلى أن توسع استخدام اليوان سيمنح البنك المركزي الصيني فرصة استغلال الأطراف المعتمدة على هذه العملة.
إذ إن اليوان المستخدم في الأوقات العادية لإنجاز المعاملات التجارية والاحتياطات النقدية، سيصبح في أوقات الأزمات حبل النجاة للبنوك المحلية. كما أن البنوك المركزية في المنطقة ستستغني عن قروض البنك الدولي وباقي المؤسسات المالية.
تحقيق التوازن في النفوذ النقدي العالمي
ولكل هذه الأسباب المتعلقة بالسياسات والنوايا الصينية، فإن كثيرين لا يرغبون في تحقق هيمنة اليوان؛ لكن في الوقت نفسه تأمل البنوك المركزية أن تضعف هيمنة الدولار. وكان مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا المركزي، قد دعا إلى إيجاد عملة دولية موحدة تحل محل الدولار، وتقضي على اليوان. ورغم أن هذه قد تبدو مجرد أحلام، فإن فكرته تعكس حالة الإحباط من الوضع القائم حاليا، سواء في صفوف خصوم أو حتى حلفاء واشنطن. ورغم ذلك، فإن بدائل الدولار في الوقت الحالي تبقى محدودة.
مؤسسات مختلفة تدعو لحلول متنوعة
يرى الكاتب أن الصين أصدرت اليوان الرقمي من أجل تحجيم المنافسة، التي تمثلها الشركات الأجنبية مثل فيسبوك، والتحكم في حالة الاحتكار التي تمارسها منظومتا التحويل المالي "ألي باي" (AliPay) و"وي شات" (WeChat) في الداخل.
وفي ظل وجود هيئة مالية مستقلة تعتمد على القطاع الخاص لتسهيل سياساتها، يجب على الولايات المتحدة ألا تنظر إلى العملات الخاصة أو غير الحكومية على أنها تهديد؛ بل هي فرصة.
يجب على الولايات المتحدة التوجه نحو القطاع الخاص لتحديث أنظمة الدفع، والمساعدة على إصدار عملة رقمية آمنة. ومن المؤكد أن المطورين في القطاع الخاص سيرحبون بفكرة المساهمة في تطوير هذه العملة، التي توفر ميزة الخصوصية الموجودة لدى العملات المشفرة والعملات المستقرة.
إلا أن هذا الهدف -وفق الكاتب- يبقى بعيد المنال، بما أن الحكومات تسعى دائما لضمان التدخل، للاحتفاظ بالقدرة على تعقب عمليات غسيل الأموال والتهرب الضريبي.
وفي الختام، أشار الكاتب إلى أن الصين عند إعلانها عن عملتها الرقمية، دعت إلى التوافق في استخدامها بين مختلف الأطراف، وتعهدت بالحفاظ على سرية بيانات المستخدمين، وشددت على ضرورة استخدامها في التعاملات الخارجية والداخلية، وهي تهدف إلى التخلص من تكنولوجيات الدفع الأجنبية الموجودة على أراضيها، وتحويل التجارة إلى سلاح. وفي أثناء تعاملهم مع هذه الطموحات الصينية، يجب على السياسيين الأميركيين التأكيد على ضرورة الفصل بين سياسة البنك المركزي الصيني وأهداف الحزب الاشتراكي الحاكم. وفي ظل تراجع القدرة على فرض المزيد من العقوبات، يجب على واشنطن أن توفر بديلا فعالا وآمنا لإقامة نظام دفع صيني.