في يومهم العالمي.. هل يدفع العمال ثمن جائحة كورونا؟

أظهر استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" الأميركي للإحصاء أن واحدا من كل 4 أشخاص بالغين واجه مشكلة في سداد الفواتير منذ تفشي الوباء، وأن ثلث العاملين انخفضت قيمة الأموال الموجودة في حسابات توفيرهم ومدخراتهم لتغطية نفقاتهم.

ساحة الملك جورج الشهيرة في بريسبان بأستراليا شبه مهجورة نتيجة سياسات الإغلاق التي أقرتها الحكومة لمواجهة فيروس كورونا (وكالة الأنباء الأوروبية)

في طابور طويل يقف ستيفان -منتظرا بضجر وملل ظاهرين- دوره للحصول على سلة الغذاء التي يقدمها مسجد في غرب العاصمة البريطانية لندن، ويستفيد منها المسلمون وغير المسلمين.

ولعل ستيفان لم يكن يتصور أبدا أنه سيقف هكذا موقف، وهو الذي كان يشتغل في فندق مصنف في قلب العاصمة، حيث الرواج السياحي يوفر مئات آلاف الوظائف وبمداخيل جيدة، قبل أن تأتي جائحة كورونا على قطاع السياحة في المملكة المتحدة وتضع مئات الآلاف من الأشخاص أمام شبح البطالة.

يقول ستيفان "ربما وضعي جيد مقارنة بآخرين لديهم أسر يعيلونها، أما أنا فأعيش وحدي، وأتدبر أمري عن طريق المساعدات، وكنت مضطرا أن أتخلى عن بيتي لعدم قدرتي على أداء القسط الشهري"، مشيرا بيده إلى عدد الأشخاص الراغبين في الحصول على الطعام.

وفي بريطانيا لوحدها حوالي 2.6 مليون شخص مهدد بفقدان عمله مع نهاية العام الحالي رغم الفتح التدريجي للإغلاقات التي تسببت بها جائحة كورونا، أما على الصعيد العالمي فالأرقام لا يمكن وصفها سوى بالمرعبة.

البطالة في كل مكان

تُظهر أرقام مرصد منظمة العمل الدولية أنه خلال سنة 2020 -وهي سنة تفشي الوباء- تم فقدان 8.8% من ساعات العمل العالمية، وهو ما يعني فقدان 255 مليون وظيفة بدوام كامل، وهذا الرقم يعادل 4 أضعاف مناصب الشغل المفقودة خلال الأزمة المالية لعام 2009.

وحسب المنظمة فإن سبب هذه الخسائر الكبيرة هو تخفيض ساعات عمل الذين ما زالوا يعملون وعدد الذين يشتغلون من المنزل بدوام غير كامل، مشيرة لظاهرة سمتها "بالخمول"؛ أي أن الناس تركوا سوق العمل لأنهم لم يعودوا قادرين على العمل بسبب القيود المفروضة والإغلاق وصعوبة العمل من المنزل.

وتحذر المنظمة أن النظر لمعدلات البطالة لوحدها لن يقدم صورة واضحة عن الوظائف التي تمت خسارتها، مضيفة أن هذه الخسائر في سوق الشغل أدت إلى انخفاض دخل العمل العالمي بنسبة 8.3%، أي نحو 3.7 تريليونات دولار أميركي أو 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ولا يتوقع مرصد منظمة الشغل أي تحسن في سوق الشغل خلال العام الحالي، ذلك أن أغلب الدول ما زالت تعيش حالة إغلاق شامل أو جزئي، ولا تزال هناك مخاوف من موجات جديدة للوباء.

انهيار المدخرات

أظهر استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" (Pew) الأميركي للإحصاء، أن واحدا من كل 4 أشخاص بالغين واجه مشكلة في سداد الفواتير منذ تفشي الوباء، وأن ثلث العاملين انخفضت قيمة الأموال الموجودة في حسابات التوفير والمدخرات الخاصة بهم وذلك لتغطية نفقاتهم.

كما اضطر واحد من كل 6 أشخاص بالغين إلى اقتراض المال من الأصدقاء أو العائلة أو الحصول على الطعام من بنك الطعام، مشيرة إلى أن هذا الوضع كان مقتصرا على الذين ليس لديهم شهادات جامعية أو الفئات الفقيرة، لكنها آخذة في الانتشار في صفوف طبقات أخرى.

وحتى بالنسبة لأولئك الذين لم يفقدوا وظيفتهم (العمال) فقد اضطر العديد منهم إلى تقليل ساعات عملهم أو خفض رواتبهم بسبب التداعيات الاقتصادية للوباء، وقال حوالي ثلث البالغين (32٪) إن هذا حدث لهم أو لأحد أفراد أسرتهم، بينما قال 21٪ إن هذا حدث لهم شخصيا، ومعظم العمال الذين عانوا من هذا الوضع (نسبة 60٪) يكسبون الآن أقل مما كانوا عليه قبل تفشي فيروس كورونا.

النساء الأكثر تضررا

كانت النساء العاملات الأكثر تضررا، وحسب المنتدى الاقتصادي العالمي ومنظمة العمل الدولية فقد خسر 5% من نساء العالم وظائفهن مقابل 3.9% من الرجال، وحسب نفس المصدر فإن النساء خلال الوباء هن الأكثر عرضة للخروج من سوق العمل.

كما تضرر الشباب أكثر من غيرهم بسبب الوباء، وهنا مكمن الخطورة؛ ذلك أن 8.7% من الشباب بين 18 و24 سنة فقدوا وظائفهم خلال العام الماضي بسبب كورونا، ويطلق مرصد منظمة العمل ناقوس خطر حول هذه الظاهرة، مؤكدا أنها سوف تنشئ "جيلا ضائعا وما لذلك من المخاطر كثيرة"، ذلك أن ارتفاع البطالة في صفوف الشباب بشكل متزايد ستزيد من غضب هذه الفئة والتي قد تتحرك للتعبير عن غضبها بأشكال غير محسوبة ولا يمكن السيطرة عليها.

ويتفق المنتدى الاقتصادي العالمي وهيئة الإحصاء الوطني البريطاني في كون العاملين بقطاع الفنادق والمطاعم هم أكثر المتضررين، حيث انخفض عدد الوظائف في هذه القطاعات أكثر من 20%، ثم تليها قطاعات تجارة التجزئة والتصنيع. وفي المقابل، ازداد عدد الوظائف في قطاعات الإعلام والاتصالات والبنوك والتأمين في الربعين الثاني والثالث من عام 2020.

هل هناك أمل؟

لن تكون استعادة هذه الوظائف المفقودة -والتي تقدر بعشرات الملايين- بالأمر السهل ولا السريع، فحسب توقعات وكالة "موديز" (Moody’s) للتصنيف الائتماني سيتطلب الأمر 3 سنوات لغاية 2024 حتى تتمكن الولايات المتحدة من استعادة 22 وظيفة شغل تم فقدانها مع بداية الوباء، والتي ترتفع إلى 47 مليون في حال توقف برنامج الدعم الحكومي.

وإذا كان الأمر سيتطلب كل هذا الوقت في بلد مثل الولايات المتحدة التي تتقدم كل دول العالم في عملية التلقيح؛ فكيف سيكون الأمر في بقية دول العالم؟

وحسب توقعات وكالة موديز فإن تعافي سوق الشغل سيكون بشكل أكثر بطئا مقارنة مع نمو الناتج الداخلي الخام، ويبقى الأمل الوحيد هو سرعة عملية التلقيح وإعادة فتح الاقتصاد، لكن يبدو أن هذه العملية هي الأخرى لن تكون بالسرعة المطلوبة، فحسب مجلة "إيكونوميست" (Economist) تحتاج دولة مثل مصر لسنتين -أي حتى عام 2023- حتى تتوفر فيها لقاحات كافية لكل مواطنيها.

وتتجه الأنظار لنهاية شهر سبتمبر/أيلول القادم وهو الشهر الذي من المتوقع أن تنتهي الكثير من برامج الدعم الحكومي في بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها من الدول، حينها ستظهر الأرقام الحقيقية للبطالة بالعالم بسبب الوباء.

المصدر : الجزيرة