نبه إليه تعطل قناة السويس.. الشحن البحري رئة الاقتصاد العالمي

قناة السويس والقناة الإنجليزية ومضيق ملقا كلها معرضة بشدة للاضطرابات التي قد تتسبب في إيقاف الشحن العالمي

السفينة العالقة بقناة السويس
"إيفرغيفن" تسببت في انسداد واحد من أهم شرايين الملاحة البحرية العالمية (وكالة الأناضول)

في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" (foreign policy) الأميركية، قالت الكاتبة، إليزابيث براو، إن تسليط الضوء على عمليات إغلاق قناة السويس لنحو أسبوع من قبل سفينة الشحن العملاقة "إيفيرغيفن" يعد تذكيرا بأن هناك العديد من الحوادث الأخرى التي من شأنها أن تعطل الشحن العالمي.

فخلال الحرب العالمية الأولى، نفذت البحرية الملكية البريطانية حصارا على الشحن المتجه إلى ألمانيا، مما أدى إلى تفشي المجاعة، وفي عام 1967، أغلق الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر خليج العقبة أمام الشحن الإسرائيلي، وهي الخطوة التي ساعدت على إطلاق شرارة حرب الأيام الستة.

في عام 1975، كانت تشق أكثر من 26 سفينة طريقها عبر قناة السويس يوميا، وبحلول عام 2019، تضاعف الرقم تقريبا ليصبح حوالي 52 سفينة يوميا، وأصبحت السفن محملة بمزيد من الزيت والفواكه وقطع غيار السيارات والحيوانات والحبوب ومعدات البناء والملابس، بالإضافة إلى كل المواد الأخرى التي تحتاجها الشركات والمستهلكين العالميين التي تُشحن يوميا بمتوسط 3.307 أطنان يوميا، مقابل 240 طنا في عام 1975.

جنوح السفينة

تُعتبر "إيفرغيفن" من بين أكبر سفن الحاويات في العالم، حيث علقت في القناة وهي محملة بالكامل بحوالي 20 ألف حاوية مكافئة.

في هذا السياق، قال كورماك ماك غاري المحلل البحري في شركة "كونترول ريسكس" (Control Risks)، وهي شركة استشارية عالمية، إن جنوح السفينة في السويس لا يعد أمرا مفاجئا لمن يعملون في هذه الصناعة، ولطالما تم التحذير من وقوع مثل هذه الحادثة لفترة طويلة، لأن سفن الحاويات أصبحت كبيرة للغاية، ولا يوجد سوى عدد قليل من الموانئ في العالم التي يمكنها استقبال سفينة مثل إيفرغيفن.

يمر 12% من الشحن العالمي عبر قناة السويس، فالشحن البحري بمفرده يمثل 80% من التجارة العالمية، وفي حال علقت سفينة في القناة، فسيتعطل سير 51.7 سفينة في المتوسط، أو سيتعين على السفن الاستدارة والقيام برحلة أطول بكثير حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما حدث بالضبط.

وبحلول الوقت الذي أعيد فيه تعويم سفينة "إيفرغيفن"، كانت هناك 372 سفينة تحمل حمولات تزيد عن 100 ألف حاوية مكافئة (بالإضافة إلى سفن أصغر) تنتظر الإبحار عبر القناة، في حين أن بعضها بما في ذلك سفينة "إتش إم إم دبلن" الكبيرة للغاية، التي تحمل حوالي 24 ألف حاوية مكافئة، قررت بشكل غير مفاجئ الإبحار باتجاه الطرف الجنوبي لأفريقيا.

بعد أن نجح المسؤولون المصريون والخبراء الأجانب في إزاحة السفينة التي يبلغ طولها 400 متر والمتجهة إلى روتردام، يتعين على صنّاع القرار والمواطنين العاديين النظر إلى ما وراء القناة الضيقة التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، لأن عالم الشحن الذي نعتمد عليه جميعا ينطوي على الكثير من المخاطر الأخرى.

من جانبه، قال سايمون لوكوود، خبير الشحن لدى شركة وساطة التأمين العالمية والاستشارات "ويليس تاورز واتسون" Willis Towers Watson، إن الشحن يُعتبر صناعة منسية إلى حد ما، وإثر هذه الحادثة، أصبحت قناة السويس تحظى باهتمام كبير، في المقابل، هناك العديد من الحوادث في المياه الأخرى التي لا يهتم بها معظم الناس، مشيرا إلى أن 12% فقط من السفن تمر عبر قناة السويس.

12% من الشحن العالمي يمر عبر قناة السويس في حين أن الشحن البحري بمفرده يمثل 80% من التجارة العالمية (الفرنسية)

نظام التموضع العالمي

في عام 2017، أبلغت أكثر من 20 سفينة في البحر الأسود عن مشاكل في إشارات نظام التموضع العالمي، وفي بعض الأحيان، يفقد نظام تحديد المواقع العالمي موضعه أو يعرض موقعا غير دقيق، وقبل أيام، أخبر ربان إحدى السفن (التي لم يتم الكشف عن جنسيتها واسمها) الإدارة البحرية الأميركية، أن نظام التموضع العالمي دلّهم على موقع داخلي (قرب مطار غيلينجيك).

في المقابل، ابتعدت السفينة عن الموقع المقصود أكثر من 25 ميلا بحريا، ومن المحتمل أن تكون روسيا المسؤولة عن اختراق نظام التموقع العالمي، حيث لا بد أنها كانت تختبر شكلا جديدا من أشكال الحرب الإلكترونية، وفي السابع من فبراير/شباط، فقدت سفينة أخرى في البحر الأبيض المتوسط إشارة نظام تحديد المواقع العالمي بشكل كامل، وقبل ذلك بيومين، قالت سفينة أخرى، مسافرة بين إسبانيا ومصر، إن إشارة نظام تحديد المواقع العالمي كانت تتعطل بشكل متكرر.

وقال روري هوبكرافت، باحث في التهديدات الإلكترونية البحرية في جامعة بليموث إن طاقم السفن يعلم جيدا كيفية التنقل باستخدام الأدوات التقليدية ليتجنب تضليل نظام تحديد المواقع العالمي، ويتمثل الخطر الأكبر في التدخل الملاحي الأكثر دقة الذي يدفع السفينة إلى الدخول في المياه الإقليمية لدولة أخرى، كما يمكن للدولة المعادية بعد ذلك استغلال هذا التجاوز للابتزاز وطلب الأموال أو أشياء أخرى من البلد الأصلي للسفينة.

في عام 2019، حدث أمر مماثل عندما استولى الحرس الثوري الإيراني على ناقلة النفط "ستينا إمبيرو" في مضيق هرمز، بعد ذلك أثبتت وحدة الاستخبارات في "لويدز ليست" أن ناقلة النفط المملوكة للسويد والتي ترفع علم المملكة المتحدة تلقّت إشارات نظام تحديد تلقائي مخادعة أرسلتها إلى المياه الإيرانية.

وأشارت الكاتبة إلى أن معظم المستهلكين لا ينتبهون إلى مصير السفن والبحارة المتأثرين بمثل هذه الحيل، وبعد حادثة "ستينا إمبيرو"، ارتفعت أسعار التأمين على السفن المارة عبر مضيق هرمز، وفي الوقت الراهن، اتضح أن معظم السفن العالقة في طابور قناة السويس لا تتمتع بتأمين التأخير، إذ ينبغي على المستهلكين الاهتمام بكل من اختراق نظام تحديد المواقع العالمي وتأمين الشحن حتى لا يتأثروا بتداعياتها.

هناك العديد من الحوادث الأخرى التي من شأنها أن تعطل الشحن العالمي (رويترز)

إمداد البحارة

تتألف السفن العالمية -التي توظف حوالي 1.7 مليون بحار- بشكل أساسي من العمال الصينيين (الذين يعملون في الغالب على السفن الصينية) والفلبينيين والإندونيسيين والروس والأوكرانيين، بالإضافة إلى الهند التي تعد دولة منشأ أخرى رئيسية.

لكن طاقم "إيفرغيفن" المملوك لليابانيين لا يتألف سوى من الهنود، كما كان معظم طاقم "ستينا إمبيرو" من الهنود أيضا، في الواقع، تتطلب هذه الوظيفة العمل الجاد والغياب الطويل مقابل الأجر المتواضع، وبالطبع تعد الأجور المنخفضة للبحارة من بين الأسباب التي تجعل المستهلكين يشحنون بضائعهم بثمن زهيد في جميع أنحاء العالم.

ووفقا للكاتبة فإنه في حال أراد الكرملين أن يحدث فوضى في العالم، فيمكنه توجيه الأوامر للبحارة الروس بالتوقف عن العمل، إلى جانب ذلك، يمكن للصين أن تأمر كلا من سفنها وطواقمها بالبقاء في إقليمها، كما يمكن لأي من البلدين اختراق نظام تحديد المواقع العالمي لسفن الشحن المختلفة، مما سيتسبب في شرودها إلى مياه البلدان المعادية.

في هذا الصدد، أشار ماك غاري إلى أن قناة السويس والقناة الإنجليزية ومضيق ملقا كلها معرضة بشدة للاضطرابات التي قد تتسبب في إيقاف الشحن العالمي.

المصدر : فورين بوليسي