بعد الكشف عن شحنة المخدرات.. ما تداعيات القرار السعودي بمنع دخول المنتجات الزراعية اللبنانية؟

أحد المزارعين اللبنانيين - الجزيرة
أكثر من نصف الصادرات اللبنانية يذهب إلى دول الخليج (الجزيرة)

تتوالى تداعيات قرار المملكة السعودية منع دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية إلى بلادها، أو العبور عبر أراضيها، ابتداء من الأحد 25 أبريل/نيسان الجاري، بعد أن أعلنت المديرية العامة السعودية لمكافحة المخدرات إحباط محاولة تهريب 2.4 مليون قرص إمفيتامين مخدر من لبنان مخبأة داخل شحنة لفاكهة الرمان.

وقد شكل القرار السعودي صدمة بالداخل اللبناني، ترافق توقيته مع بلوغ الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية ذروتها، لكنه حظي بمساندة عربية وخليجية واسعة، فأيدت بعض الدول قرار المملكة، ومنها الكويت والبحرين وسلطة عمان والإمارات، معتبرين أن قرار المملكة سيادي نظرا لاستغلال الصادرات الزراعية بتهريب المواد المخدرة.

تصدير المخدرات

هذه الخطوة، التي شكلت منعطفا في علاقة بيروت بالسعودية ومحيطها، وضعت لبنان بموقف حرج، وسط التحذيرات من استغلال الفوضى التي تعمّه، ليكون مصنعا ومخزنا ومعبرا ومصدرا للمخدرات ومختلف الممنوعات إلى الدول العربية والغربية؛ خصوصا أنه بعد ساعات من قرار المملكة، أعلنت اليونان عن ضبط 4 أطنان من مخدر الحشيش مخبأة بشحنة آلات لصنع الحلوى، متجهة من لبنان إلى سلوفاكيا.

وقد ربط كثيرون خطوة السعودية بالبعدين الأمني والسياسي، لكن التركيز بلبنان يتمحور على تداعياتها الاقتصادية المقلقة. من جهة أخرى، أكدت الداخلية السعودية أن تعليق قرارها يرتبط بتقديم السلطات اللبنانية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف عمليات التهريب الممنهجة ضد المملكة.

ومن جهة أخرى، أشار السفير السعودي بلبنان وليد البخاري، في تصريح له الأحد 25 أبريل/نيسان، إلى أن الكميات التي يتم إحباط تهريبها كافية لإغراق الوطن العربي بأكمله بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وليس السعودية وحدها، لافتا إلى أن إجمالي ما تم ضبطه من المواد المخدرة التي مصدرها لبنان بلغ أكثر من 600 مليون حبة مخدرة، ومئات الكيلوغرامات من الحشيش، خلال السنوات الست الماضية.

بضائع جاهزة للتصريف والتصدير - الجزيرة
القرار السعودي يضرب الموسم الزراعي في السهول البقاعية (الجزيرة)

مخاوف المزارعين

من سهل البقاع الذي يعد أولى المناطق الزراعية بلبنان، يعتبر طوني طعمة، رئيس لجنة الاقتصاد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع، أن القرار السعودي سيضرب الموسم الزراعي في السهول البقاعية، والتي تشغل نحو 43% من مساحة لبنان الزراعية، وتؤمن له نحو 80% من المزروعات.

ويشدد طعمة على تفهمه لقرار السعودية، لافتا للجزيرة نت أن مزارعي لبنان يقعون ضحية شبكات ضخمة من المهربين، ويستغرب عدم ضبط شحنة الرمان من قبل الجمارك اللبنانية لدى نقلها بحاوية مبردة في مرفأ بيروت.

وفي عكار شمالا، يصف عمر الحايك، وهو مزارع ورئيس اتحاد بلديات نهر الأسطوان، القرار السعودي بالخسارة الكبيرة للمزارعين، وقال للجزيرة نت إن سهول عكار تنتج سنويا نحو 75 ألف طن من البطاطا، يُصدر أكثر من نصفها إلى دول الخليج، والتي صارت تشكل المصدر الوحيد للمزارعين للحصول على الدولار الطازج، بعد أن انهارت الليرة لمستويات قياسية، وهي تسجل أخيرا نحو 12 ألفا و500 ليرة مقابل الدولار الواحد بالسوق السوداء (سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات للدولار).

حجم الصادرات

واستنادا إلى البيانات الجمركية اللبنانية فإن التبادل التجاري مع الخليج، من خضراوات وفواكه ومشروبات وحبوب عام 2020، تتصدره السعودية (13.10%) ثم الكويت (12.62%) ثم قطر (7.68%) ثم الإمارات (7.46%) ثم سلطنة عمان (3.38%) ثم البحرين (1.54%) كما بلغت قيمة الصادرات للسعودية وحدها من العام نفسه 82 مليونا و549 ألف دولار.

لكن عباس رمضان، المستشار الاقتصادي في المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان "إيدال" يشرح للجزيرة نت حجم الصادرات اللبنانية إلى الخليج، لا سيما أن برنامجهم يغطي 90% منها فيقول إن نحو 60% من الصادرات اللبنانية تذهب إلى دول الخليج، وترتفع إلى 75% مع ضم مصر إليها، أما 20% من الصادرات فتذهب إلى سوريا (بشكل قانوني) و5% إلى أوروبا.

ولأن السعودية تشكل محطة مركزية لصادرات لبنان الزراعية إلى الخليج، فإن الإرساليات تمر برا من لبنان إلى سوريا والأردن فالسعودية، لتبقى داخلها أو تعبر إلى وجهتها نحو الدول الخليجية. أما بحرا، فتمر من ميناء بيروت إلى ميناء جدة أو ميناء ضباء، ولا تتجاوز صادرات لبنان عبر الجو 5%، مقابل 95% برا وبحرا، وفق رمضان.

وفي سنوات سابقة، كان لبنان يصدر من إنتاجه الزراعي نحو 530 ألف طن سنويا، لكنها تراجعت في آخر عامين لنحو 280 ألفا أي أن هناك نحو 160 ألفا من بينها تذهب للخليج، بحسب المستشار الاقتصادي أيضا، لافتا إلى أن هذا التراجع بدأ منذ 2015، إثر إقفال الحدود بين سوريا والأردن، وعام 2020 تأثر بإجراءات الاقفال بسبب تفشي فيروس كورونا.

وقال المستشار الاقتصادي إن الصادرات الزراعية سابقا كانت توفر للبنان سنويا نحو 500 مليون دولار، والخليج وحده بقيمة 250 مليونا. لذا، فـ "توقف السعودية عن استيراد الإنتاج الزراعي من لبنان أو عبوره على أراضيها، ستكون له تداعيات خطيرة، لأن السوق الخليجي هو رئة المزارعين اللبنانيين".

وواقع الحال، لا يصدر لبنان إلى الخليج الفواكه والخضراوات فحسب، منا يدفع مراقبين للوقوف عند مخاطر أن ينسحب قطع هذه العلاقة لمختلف أنواع الصادرات.

وهنا، يلفت رمضان أن لبنان يصدر للخليج أيضا المجوهرات والأحجار الكريمة، ومختلف المواد الغذائية المصنعة، وبعض المنتجات الكهربائية ونحو 5 آلاف منتج صناعي، والبرمجيات الإلكترونية، إلى جانب آلاف الخدمات الاستشارية والهندسية والاقتصادية التي تقدمها مكاتب لبنان للخليج.

وصول الوفود لقمة العلا في السعودية
مزارعو لبنان يقعون ضحية شبكات ضخمة من المهربين (الجزيرة)

لبنان وسوريا

من جهته، يؤكد إبراهيم ترشيشي، رئيس تجمع مزارعي البقاع، أن المنتجات المضبوطة في السعودية ليست لبنانية، وإنما جاءت من سوريا حيث يجري تحميل بضائع ترانزيت عبر لبنان إلى الأسواق؛ لكن تهريب المخدرات وصناعتها وترويجها نشط بين مهربين في لبنان وسوريا بعد اندلاع الحرب هناك عام 2011.

ويأسف ترشيشي لما يصفه بتلطيخ سمعة المنتوجات الزراعية اللبنانية، نافيا علاقة المزارعين بأي شحنة تضم مواد ممنوعة ومخدرة، كما يطالب بالتحقيق الفوري حول الشحنة، ويضع المسؤولية على السلطتين الأمنية والقضائية لكشف المتورطين بشبكات التهريب الضخمة، والتي ستكبد لبنان خسائر هائلة يعجز عن تعويضها.

ويلفت أيضا، للجزيرة نت، أن القطاع الزراعي وكل ما يتعلق به من نقل وشحن وتوضيب وصناعة يشكل نحو 40% من نسبة مداخيل اللبنانيين، وأن الصادرات الزراعية تضم بالدرجة الأولى البطاطا والحمضيات على أنواعها وبقية أنواع الفواكه والخضار، مما يعني أن وقف تصديرها سيؤدي لكساد المزروعات وتلفها بالأسواق اللبنانية.

تداعيات وخسائر

وفي السياق، تشير محاسن مرسل، الصحافية المتخصصة بالشأن الاقتصادية، إلى أن قرار السعودية يفتح إشكالية إن كان التأييد الخليجي له سيقتصر على الإطار الدبلوماسي، أم سيتبعه خطوات عملية موازية على الأرض، لتدخل من بعدها المنتوجات الزراعية اللبنانية، بدائرة الصادرات المحظورة التي تثير الشبهات حولها.

وتعتبر مرسل أن لبنان لا يستطيع إلقاء اللوم على السعودية على قاعدة أنها تحاصره اقتصاديا، لأن موقفها جاء بعد فشل السلطات اللبنانية في تقديم الضمانات التي تحفظ أمن الخليج من المواد المخدرة.

والمشكلة، وفق مرسل، ليست إن كانت سوريا هي مصدر شحنة الرمان، بل إن لبنان أصبح أرضا خصبة لصناعة الكابتغون وتهريبه وتخزينه وترويجه.

وتشير الصحفية للجزيرة نت إلى أن القطاع الزراعي هو المتضرر الأكبر بلبنان، ورغم أنه أصبح يشكل فقط 4% من قيمة الناتج المحلي، لكن صادراته أول 5 أشهر من 2020 ارتفعت نحو 14%، إذ لجأ المزارعون إلى تنشيط عملهم بغية الحصول على الدولار الطازج من الخارج تأمينا لاستمراريتهم، بعد أن ارتفعت الكلفة التشغيلية للمزارعين وأسعار الأسمدة نحو 175% نتيجة انهيار الليرة.

وتذكر مرسل أن لبنان لم يعد حاجة خليجية لاستيراد المنتوجات الزراعية، وتوجد مصادر بديلة عنه في تركيا وقبرص ودول شرق المتوسط التي تتمتع بنفس المناخ، وبالتالي يزداد موقفه ضعفا وحرجا، في ظل حاجته لفتح نافذة اقتصادية على الخليج.

المصدر : الجزيرة