إيران.. هل يحقق "اقتصاد المقاومة" أهدافه في ظل العقوبات الأميركية؟
يرى عدد من المحافظين أن العقوبات ستساعد إيران على تقليل الاعتماد على النفط وعلى الغرب، وهو ما يعرف بمفهوم "اقتصاد المقاومة"
يقوم مفهوم "اقتصاد المقاومة" -الذي صاغه المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي قبل سنوات- على فكرة تحقيق النمو في ظل العقوبات الأميركية، لكن العقبات أمام تحقيق هذه الرؤية كبيرة للغاية، وهو ما يتطلب العودة إلى الاتفاق النووي رغم العراقيل الحالية.
في تقرير له بمجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) الأميركية، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة "فرجينيا التقنية" (Virginia Polytechnic)، جواد صالحي أصفهاني، إنه بمجرد تعيين جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأميركية في يناير/كانون الثاني الماضي، ارتفعت قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار بنسبة 20%، في ظل توقعات بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 ووضع حد لحملة "الضغط الأقصى" التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحينما وصل السكين إلى العظم.. عقوبات أميركية جديدة على إيران
مشاريع السكك الحديدية .. هل يتمكن العرب من الوصول إلى الصين عبر إيران؟
أكبر مصفاة للغاز في الشرق الأوسط.. إيران تفتتح مصفاة بهبهان العملاقة
ولكن في غضون أسبوع من تولي بايدن منصبه، أعلن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أن واشنطن لا تنوي مبدئيا العودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما يشير إلى أن إدارة بايدن لا تريد أن تتخذ خطوات سريعة لتسوية الخلافات مع إيران، وفقا للكاتب.
بدورها، لم تُظهر طهران اهتماما كبيرا بالعودة إلى المحادثات مع الولايات المتحدة رغم الأضرار التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني في ظل العقوبات الأميركية.
ويرى الكاتب أن البلدين وصلا إلى هذا الطريق المسدود لأن كلا منهما لديه فهم مختلف تماما عن الآخر بشأن تأثير العقوبات الحالية على مستقبل إيران على المدى الطويل.
وفي عام 2018، صعّدت الولايات المتحدة من ضغطها على طهران وبقيت تراقب مؤشرات الانهيار الاقتصادي في انتظار تصاعد موجة السخط الشعبي وخضوع إيران في نهاية المطاف للشروط الأميركية.
لكن بعض أقوى القادة الإيرانيين كانوا ينظرون إلى هذه الأزمة من منظور مختلف، فمن وجهة نظرهم بإمكان إيران الخروج من الأزمة باقتصاد أكثر قوة وصمودا أمام الضغوط الخارجية، ولا تؤثر عليه أي عقوبات أميركية مستقبلا.
تأثير العقوبات
رغم تسبب العقوبات في انخفاض قيمة العملة الإيرانية وارتفاع معدلات التضخم وتدهور القدرة الشرائية، فإن ذلك لم يدفع البلاد إلى حافة الانهيار بشكل تام.
وفي خضم الأزمة، تصاعد صوت الإيرانيين احتجاجا على تردي أوضاعهم المعيشية، لكن السلطات واجهت ذلك بشدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وحسب الكاتب، تظهر المؤشرات الاقتصادية أن مستوى المعيشة في إيران تراجع بشكل تدريجي على امتداد السنوات الماضية.
فمنذ بداية منتصف التسعينيات، تمتعت البلاد لمدة 15 عاما بمستويات معيشة مرتفعة وانخفضت مؤشرات الفقر بشكل ملحوظ، لكن في عام 2011 فرض الرئيس باراك أوباما عقوبات ثانوية على إيران أدت إلى حالة من التدهور الاقتصادي التي تسارعت أثناء رئاسة دونالد ترامب.
وبحسب الكاتب كان العديد من مؤيدي العقوبات في الولايات المتحدة يأملون أن تؤدي هذه الإجراءات إلى انتفاضة شعبية واسعة ضد الحكومة، لكن ذلك لم يحصل.
ووفقا لاستطلاع رأي حديث، "يعارض الإيرانيون بشدة التفاوض مع إدارة بايدن قبل عودة الولايات المتحدة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي".
وفي عام 2011، ساعد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في تخفيف وطأة العقوبات من خلال إصدار تحويلات نقدية للمواطنين، لكن حكومة الرئيس حسن روحاني لم تقدم الكثير للشعب الإيراني، كما يقول الكاتب.
ولا تزال التحويلات النقدية التي بدأت في عام 2011 مستمرة، لكنها لا تفوق حاليا 19 دولارا فقط للفرد شهريا، بعد أن كانت تبلغ 90 دولارا في بدايتها. أما التحويلات الحكومية الأخرى المخصصة للفقراء بشكل أساسي فهي أقل من ذلك بكثير، حيث تبلغ في المتوسط 6 دولارات شهريا.
وقبل إعادة فرض العقوبات عام 2018، صُنّف حوالي 60% من الإيرانيين ضمن الطبقة الوسطى بناء على النفقات الاستهلاكية، لكن هذه النسبة تراجعت إلى 50% في الفترة الممتدة بين 2019 و2020.
ومنذ 2011، تراجع حوالي 8 ملايين إيراني إلى الفئة الأدنى دخلا، 75% منهم منذ بداية حملة الضغط القصوى التي شنها ترامب.
وحسب الكاتب، فإن القيادة الإيرانية لا تتجاهل محنة شعبها، وبالأخص الفئات الأشد فقرا، لكن جهودها مشتتة بسبب التركيز على إنهاء العقوبات.
وفي الواقع- يضيف الكاتب- انتُخب روحاني المعتدل لتولي رئاسة البلاد من عام 2013 إلى 2017 بناء على وعوده بإنهاء العقوبات الأميركية وإصلاح العلاقات مع الغرب.
ويحرص روحاني حاليا على اغتنام وعد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي، لأنه يعتقد أن ازدهار إيران الاقتصادي يعتمد على المصالحة مع الغرب. وتعتبر الفترة المتبقية من رئاسة روحاني فرصة تاريخية للعودة إلى الاتفاق -وفقا للكاتب-، تحسبا لانتخاب رئيس جديد من الجناح المحافظ في يونيو/ حزيران القادم.
اقتصاد المقاومة
ويصطف المحافظون ضد رؤية روحاني، فكثير منهم لم يوافقوا على الاتفاق النووي قط، ويتطلعون للتخلص منه، وهناك فئة أخرى -ومن بينهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي- تولي أهمية كبيرة للتكنولوجيا المتطورة والتكامل مع العالم، لكنهم يسعون لإثبات قدرة إيران على تحقيق كل ذلك دون اللجوء للغرب.
وتحرص هذه الفئة من المحافظين المتحالفين مع المرشد الأعلى على أن تثبت للغرب ولخصومها في الداخل قدرة إيران على تحدي الهيمنة الأميركية، بغض النظر عن استمرار العقوبات وسياسة الضغوط القصوى.
ويرى هؤلاء أن العقوبات ستساعد إيران على تقليل الاعتماد على النفط وعلى الغرب، وهو ما يُعرف بمفهوم "اقتصاد المقاومة" الذي صاغه المرشد الأعلى عام 2014.
ولتأكيد وجهة نظرهم، لا تنظر هذه الفئة من المحافظين إلى الظروف المعيشية، بل تركز على مؤشرات الأداء الاقتصادي بشكل عام.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن البنك المركزي الإيراني أن الدولة حققت نموا اقتصاديا إيجابيا خلال الأشهر التسعة المنتهية في 20 ديسمبر/كانون الثاني 2020.
أما تقديرات مركز إيران الإحصائي خلال الفترة ذاتها فتشير لنسب نمو أضعف؛ حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.2% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، رغم ارتفاعها بنسبة 0.8% في الربع الأخير من العام.
ويضيف الكاتب أنه ليس من المفاجئ أن يكون قطاع النفط الإيراني أشدّ القطاعات تضررا من العقوبات، لكن أنصار "اقتصاد المقاومة" يتطلعون إلى التخلص من اعتماد البلاد على النفط.
فقبل 3 عقود، كان النفط يشكل ما يزيد على نصف الناتج المحلي الإجمالي لإيران، وفي العام الماضي، انخفضت هذه النسبة إلى 15%.
وفي المقابل، تمكنت قطاعات أخرى من الحفاظ على استقرار مستويات الإنتاج والتوظيف رغم العقوبات، وقد حقق قطاع التصنيع نموا خلال الفترة الماضية، حيث أدت عقوبات ترامب إلى انخفاض قيمة العملة، وهو ما جعل الواردات أقل تكلفة، وفق الكاتب.
ونتيجة لذلك، سدّ التصنيع المحلي الفجوات الاقتصادية، وزاد الإنتاج والتوظيف والمبيعات المحلية، ولولا منع الشركات الإيرانية من تصدير منتجاتها لكان قطاع التصنيع قد حقق مؤشرات أفضل، وفقا للكاتب.
لكن هذه المكاسب ليست دليلا -حسب رأيه- على نجاح رؤية "اقتصاد المقاومة"، رغم أن مؤيديها يعتقدون أنه مع مرور الوقت -وخاصة إذا استمرت العقوبات- قد تصبح نظرية الاستقلال الاقتصادي أكثر إقناعا للجماهير.
مجرد معاناة قصيرة ولكن..
بالنسبة لهذه الفئة المؤثرة في طهران، فإن العقوبات ليست مجرد معاناة قصيرة المدى، بل هي حافزٌ لمستقبل أكثر استدامة، لكن استمرار العقوبات قد يحدّ من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الإيراني والتخفيف من معدلات الفقر، وهو ما يتطلب -وفقا للكاتب- التوفيق بين الطموحات بوصفها قوة إقليمية يمكنها تحدي الولايات المتحدة، وأهداف التنمية الاقتصادية.
ويرى الكاتب أن تطبيق مفهوم اقتصاد المقاومة -كما يتم تداوله حاليا، أي الانتقال إلى اقتصاد متطور تكنولوجيا وتقليل الاعتماد على النفط- لا يمكن تطبيقه بالاعتماد على الشرق، لأن روسيا تعتمد بدورها على النفط والغاز، وليس لديها ما تقدمه لإيران عدا الأسلحة، أما القوى الاقتصادية الآسيوية -مثل الصين والهند واليابان وكوريا- فإنها تجنبت خرق العقوبات الأميركية خوفا من تبعات مثل هذه الخطوة.
ويختم الكاتب بأن تحقيق رؤية اقتصاد المقاومة بشكل فعال يعتمد أساسا على الاتفاق النووي، لذلك فمن المرجح أن تستمر المفاوضات حتى بعد انتخابات يونيو/حزيران التي تنذر برحيل حكومة روحاني.