استطلاع: فجوات متزايدة بين شباب وكبار العرب في استهلاك الإنترنت

كشف استطلاع قامت به هيئة بحثية بجامعة برينستون الأميركية عن ظهور فجوات كبيرة بين العرب في طرق استخدام الإنترنت، وفروق أخرى في كيفية تعامل الأعمار المختلفة مع المعلومات على الإنترنت، كما كشف الاستطلاع عن تسارع ملحوظ في التحول الرقمي في المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 400 مليون نسمة.
وقال المركز البحثي في بيان له إن "الفجوات الأكبر بين الفئات الاجتماعية المختلفة هي -كما كان متوقعا- بين الشباب والفئات الأكبر عمرًا".
فجوات شمال أفريقيا
وقالت هيئة "الباروميتر العربي" (هيئة بحثية لقياس الاتجاهات والآراء في المنطقة العربية) إن الفجوة الأكبر جاءت في تونس في حالة الاستخدام اليومي، حيث قال 91% من الذين أعمارهم بين 18 و29 إنهم يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، في حين قال 51% فقط من الذين أعمارهم 30 فما فوق إنهم يستخدمون الإنترنت بالوتيرة نفسها. وبعد تونس، جاءت الجزائر، حيث قال 91% من الأعمار الأصغر إنهم يستخدمون الإنترنت يوميا، أي تقريبا 9 أشخاص من كل 10، في حين قال 68% من الأعمار فوق 30 إنهم يستخدمونها يوميا. وكانت أقل هوة بين الأعمار من حيث الإقبال على الاستخدام اليومي في الأردن، حيث أظهرت الأرقام تقارب الاستخدام بين الكبار والصغار.

وقال عبد الوهاب الكيالي، الباحث في جامعة برينستون والمشرف على الاستطلاع، في رده على استيضاحات من صفحة "ريادة" عن معنى الأرقام التي أظهرها الاستطلاع؛ "أحد تفسيرات الفجوة العمرية في استعمال الإنترنت قد يكون أن الصراع الجيلي في البلاد العربية محتدم وبشدة، وأحد أوجهه المعرفة الرقمية مقابل الأمية الرقمية". وأضاف "جيل الشباب يمتلك معرفة رقمية أكبر وأوسع من الأجيال الأكبر، كما يثق بالمعلومة التي تصله عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الأجيال الأكبر".

غير أن الكيالي قال إن ما سينتج عن هذه الفروق العمرية في استهلاك الإنترنت على أرض الواقع لا يمكن تحديده على وجه اليقين حتى الآن، و"لا نستطيع أن نجزم بأن لذلك آثارا إيجابية أم سلبية، ولكن من المؤكد أن الاستهلاك الرقمي ينعكس على حرية التعبير ومستوى الحرية الاجتماعية -إن لم يكن بالضرورة الحرية السياسية- التي يشعر بها جيل الشباب، وأيضًا على المهارات الاجتماعية والتقنية التي يملكها هذا الجيل، وهو يحاول العثور على عمل ومكانة في بلدان واقتصادات هياكلها قديمة ومتهالكة".
فروق التعليم
وكشف الاستطلاع كذلك عن فروق حسب مستوى ودرجة التعليم، حيث قال الاستطلاع إن الهوة الأكبر جاءت في المغرب، حيث يقول 91% من ذوي التعليم الجامعي إنهم يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، في حين يقول 56% فقط من ذوي التعليم الثانوي (أي ما دون الجامعي) إنهم يستخدمون الإنترنت بالمعدل نفسه. وظهرت هناك فجوات أخرى في استخدام الإنترنت بين الذين يحوزون على تعليم جامعي وأقرانهم من ذوي التعليم الثانوي فما دون.

مواقع التواصل والأخبار
ووجد الاستطلاع -الذي أعلن عنه في فبراير/شباط الماضي- كذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مصدرا رئيسيا للعديد من المواطنين العرب فيما يخص الحصول على الأخبار العاجلة، ويتقدم الأردن في هذا المجال؛ حيث قال نصف الأردنيين إنهم يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للحصول على الأخبار العاجلة. ويتبع الأردن لبنان والجزائر، حيث يقول 43% من المستجوبين في البلديْن إنهم يعتمدون على تلك المواقع كمصدر الأخبار الرئيسي، ويقول 36% من كل من التونسيين والمغاربة إنهم يعتمدون على تلك المواقع كمصدر للأخبار. وقال بيان الباروميتر العربي "إذا يعتمد ما بين ثلث ونصف المواطنين في هذه البلدان على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار العاجلة".

وقال الكيالي لصفحة "ريادة" إن الفروق ليست بالضرورة متأثرة بالدخل المالي، و"باستثناء تونس والمغرب لا تشير البيانات إلى فجوة كبيرة في استهلاك الإنترنت والاعتماد على مواقع التواصل للحصول على الأخبار حسب مستوى الدخل، ولذلك لا نستطيع ربط التوجهات بالدخل بنفس مقدار الثقة الذي يمكن ربطها بالعمر والتحصيل العلمي (حيث تكمن فجوات أكبر)".
وكانت دراسات سابقة لجامعة ميشيغان قد أظهرت أن العرب ممن هم أقل نصيبًا من التعليم والدخل "هم الأكثر إقبالًا على تصديق المعلومات المغلوطة المُقدمة عبر الإنترنت والأكثر نشرًا لها"، وذلك على خلفية انتشار الأنباء الملفقة عبر مختلف الوسائط، وانتشار حملات بث المعلومات المغلوطة، وتوسع التشهير والتحرش الجنسي عبر الفضاء الافتراضي.

لكن الكيالي كان له رأي أكثر تحفظا هذه المرة؛ فقال "مما لا شك فيه أن الاستهلاك الرقمي له انعكاسات سياسية واقتصادية. مثلًا، قد يرتبط التواجد الشبابي المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي مع توجه آخر قسناه في الباروميتر العربي، وهو قابلية الشباب على تعريف أنفسهم بأنهم "غير متدينين". مع ذلك لا أستطيع الجزم بأن هذه التغييرات سلبية أو إيجابية، أو أن الشباب أكثر عرضة لتصديق البروباغاندا من غيرهم".
وأضاف الكيالي -في تعليقه لصفحة "ريادة" "البروباغاندا موجودة ومزدهرة قبل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وإن أردت التكهن بالفئة الأكثر إقبالا عليها لقلت إنهم الجيل الذي اعتاد على تلقي أخباره من منبر إعلامي يناسب ميوله أو توجهاته السياسية أو الأيديولوجية المعينة. أعتقد أن الشباب وبفضل معرفتهم الرقمية لديهم قدرة أكبر على كشف البروباغاندا وتمييزها عن الأخبار الحقيقية، ولكن هذا رأيي الشخصي غير المدعم بأي بيانات".

وعن منطقة الخليج، قال الكيالي إن الاستطلاعات السابقة أظهرت أن الكويت (الدولة الخليجية الوحيدة التي شملها الاستطلاع) كانت سباقة في استخدام الإنترنت، وفي الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للحصول على الأخبار العاجلة. وقال "لذا يمكننا أن نقول بثقة إنه رغم عدم وجود بيانات لمنطقة الخليج فيمكن شمول الخليج بالاستنتاجات حول توسع استخدام الإنترنت والاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار العاجلة".
© الجزيرة 2021